خاص : كتبت – نشوى الحفني :
بعد قطيعة دامت نحو 27 عاماً، اجتمع شمل المملكة العربية السعودية والعراق مرة أخرى بانطلاق أعمال “مجلس التنسيق السعودي العراقي”، الأحد 22 تشرين أول/أكتوبر 2017 في الرياض، بحضور وزير الخارجية الأميركي “ريكس تيلرسون”، الساعي إلى إظهار قدرة الولايات المتحدة على التأثير في سياسات المنطقة في مواجهة نفوذ إيران.
وقالت وكالة الأنباء الرسمية السعودية إن المجلس المشترك الجديد يؤسس لمرحلة “طموحة من العمل التجاري والاقتصادي والاستثماري غير المحدود”، على أن يشكل “حجر الأساس في العمل والتخطيط المتوسط والبعيد المدى”.
كما وقعت السعودية والعراق، اتفاقاً لفتح المنافذ الحدودية وتطوير الموانئ والطرق والمناطق الحدودية المشتركة.
وأعلن الجانبان رسمياً، عن إعادة تشغيل خطوط الطيران من السعودية إلى جمهورية العراق، وافتتاح قنصلية للمملكة العربية السعودية في العراق.
واتفق الجانبان، على مراجعة اتفاقية للتعاون الجمركي، ودراسة منطقة تبادل تجاري بين البلدين.
كذلك، اتفقا على حصول شركة “سالك” السعودية، الذراع الاستثمارية الزراعية للسعودية، على رخصة للاستثمار في العراق في المجال الزراعي، من “هيئة استثمار الأنبار” في العراق.
كما أبدى الجانبان السعودي والعراقي ارتياحهما لتوجه سوق البترول للتعافي، نتيجة لاتفاق دول “أوبك” مع منتجين مستقلين مطلع العام الجاري.
تساؤلات حول أسباب العلاقة..
وتيرة التقارب المتسارعة بين البلدين أثارت تساؤلات عديدة حول أسبابها وتوقيتها، وهل تبعد العراق عن المحور الإيراني ؟.. حيث تعمل السعودية، ومن خلفها الولايات المتحدة، على الحد من نفوذ إيران في المنطقة، خصوصاً في ظل السياسة المتشددة التي يتبعها الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” في مواجهة الجمهورية الإسلامية.
وتتمتع إيران، الخصم الأكبر للسعودية، بنفوذ كبير في بغداد منذ سقوط نظام الرئيس السابق “صدام حسين” على أيدي القوات الأميركية في العام 2003. وتسعى الرياض إلى مقارعة هذا النفوذ.
أميركا متوهمة بقدرتها على إبعاد إيران..
فيري القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، “هوشيار زيباري”، أن الولايات المتحدة متوهمة أن بإمكانها إبعاد العراق عن إيران عبر دفعه للتقارب مع السعودية، قائلاً في تغريدة بحسابه على موقع “تويتر”: “إن التقارب العراقي السعودي وهم أميركي لإقناع الذات أن هناك إمكانية لإبعاد رئيس الوزراء حيدر العبادي عن الهيمنة الإيرانية”، حسب تعبيره.
قطع اليد الفارسية من المنطقة..
إلا أن الكاتب الصحافي السعودي، “أحمد الركبان”، أكد على أن ولي العهد الأمير “محمد بن سلمان” هو مهندس التقارب السعودي العراقي، حيث جعل هذا التقارب إيران تتوجس خيفة.
مشدداً على أن الملك “سلمان بن عبدالعزيز”، عازم على قطع اليد الفارسية في المنطقة، موضحًا أن المملكة استطاعت توقيع اتفاقية مجلس أعمال بالكامل بينها وبين العرق، وهو ما لم تستطيع إيران فعله منذ 10 سنوات.
ولفت إلى أن هناك فارقًا بين ما تريده إيران من العراق وما تريده المملكة، فالرياض لا تريد إلا الأمن وبناء البنية التحتية للعراق التي أنهكتها الحروب، لافتًا إلى أن المملكة ستجر خلفها الكثير من الدول العربية، خاصةً دول مجلس التعاون في التعاون مع العراق.
لسحب العراق إلى اتجاهها..
المتخصص في القانون الدولي، “د. علي التميمي”، يقول بشأن توقيع اتفاقية “مجلس التنسيق السعودي العراقي” في هذا التوقيت بالذات، أن هناك جملة من الأسباب التي تدفع السعودية إلى التقرب من العراق، أولها يعود إلى علاقتها المتشنجة والمتوترة مع إيران، وهي تعرف جيداً أن العراق بلد الجهات الأربع، وبلد مهم جداً ويربط بين آسيا وأوروبا عن طريق تركيا طبعاً. فبالنتيجة تقربها من العراق يعود للتأثير والنفوذ الإيراني في العراق، فتحاول من خلال فتح صلات التقارب وفتح طرق العلاقات، وتوقيتها، إلى محاولة التأثير على هذه العلاقة مع إيران وسحب العراق إلى اتجاهها طبعاً، خاصة بعد القضاء على الإرهاب في العراق.
تصفير القضايا الإقليمية..
الصحافي العراقي “هاشم الشماع”، يقول لـ(كتابات)، أن الحرك الدبلوماسي السعودي العراقي شهد في الفترة الأخيرة نشاطاً كبيراً، وذلك بسبب النجاحات الكبيرة التي حققها العراق على الصعيدين السياسي والعسكري وأثبت بجدارة أنه رقماً صعباً في المعادلتين الإقليمية والدولية واكتشف الآخرين الخطأ في مقاطعته وعدم فتح القنوات معه، عراق الْيَوْمَ غير عراق الأمس؛ عراق الْيَوْمَ وقف على قدمه داخلياً أما خارجياً فإنه مستعد للعب دوراً كبيراً في القضايا الإقليمية ومعالجتها وتصفيرها، خاصة الملف الإيراني والسوري بل حتى اليمني.
فتح صفحة جديدة..
معتقدا “الشماع”، أن السعودية أيضاً تريد أن تفتح صفحة جديدة مع إيران، لكن هذه المرة عن طريق الأفق العراقي، خاصه وأن السعودية، وعلى الرغم من العلاقة العميقة مع واشنطن، أدركت أنها قد تتخلى عنها في أي وقت إذا ما تعارض ذلك مع مصالح الولايات المتحدة، وأفضل طريق للرياض هي أن تحسن علاقاتها بالإقليم وتبقى في الرياده والصدارة.
متوقعاً أن تفتح هذه العلاقات أفق كبير في زيادة التبادل التجاري والاستثماري، وزيارة معالم البلدين فيما بينهما.
دعوة “سلمان” دفعت “العبادي” لترأس الوفد..
كما أوضح رئيس مجلس خبراء دعم صناع القرار في العراق، “د. حيدر حميد”، لـ(كتابات)، أن دعوة العاهل السعودي الملك “سلمان بن عبد العزيز” لرئيس الوزراء الدكتور “حيدر العبادي”، دفعت رئيس الوزراء إلى ترأس الوفد؛ إذ لم يكن من باب اللياقة الدبلوماسية أن يرفض رئيس الوزراء دعوة العاهل السعودي، لاسيما في ظل ظروف ومناخ تشهد فيه العلاقات السعودية العراقية نمواً في المجالات كافة.
مضيفاً “حميد” أن الوفد ناقش ملفات عدة تسهم في تأكيد العلاقات بين الجانبين، أهمها مكافحة الإرهاب وزيادة الاستثمارات السعودية في العراق وزيادة التبادلات التجارية بين الجانبين وتسهيل عملية تبادل الزيارات الدينية للمواطنين في البلدين بما يسهم في تطوير علاقات البلدين في المجالات المختلفة، بعد قطيعة استمرت نحو ٢٧عاماً، شهدت خلالها العلاقات بين العراق والسعودية توترات كثيرة، هذا الانفتاح على السعودية عبر عنه اليوم، المشاركة الواسعة للملكة العربية السعودية في “معرض بغداد الدولي” في دورته ٤٤.
طريقها الصحيح للحضن العربي..
كما يقول الدكتور “هشام الهاشمي”، المحلل السياسي العراقي، حول التقارب السعودي العراقي الحالي: “هناك تطابق في الرؤى بين قيادة البلدين الشقيقين في كثير من الملفات السياسية والاقتصادية، اتسمت بالصراحة بين الطرفين من أجل إحلال السلام في المنطقة، ومن أجل عودة العراق إلى حضنه العربي شيئاً فشيئاً؛ ولذلك فكثير من الفعاليات السياسية المؤثرة على الساحة العراقية سعت من أجل تحقيق التنسيق الحالي بين السعودية والعراق؛ لأن بغداد تعتبر الرياض طريقها الصحيح إلى الحضن العربي”.
محاولات لاستمرار القطيعة
مؤكداً أن الحكومة العراقية سعت إلى إحباط محاولات الدعوة لاستمرار القطيعة العربية، والاكتفاء بإيران وغيرها، والرافضة لفكرة عودة العلاقات الدبلوماسية مع المملكة العربية السعودية؛ مما دعم المحاولات الناجحة من بعض الشخصيات العراقية الفاعلة التي أكدت مراراً أهمية عودة العراق إلى الساحة العربية، وإعادة بناء نفوذه السياسي والاقتصادي والإقليمي”.
لا تريد وجود متفرد لإيران في الداخل العراقي..
حول الأبعاد السياسية لعودة العلاقات السعودية العراقية على المنطقة، قال “الهاشمي”: “السعودية لا تريد وجوداً متفرداً ومتسلطاً لإيران في الداخل العراقي، أو أن يقع العراقيون تحت نفوذ حلف مذهبي معين، وكذلك غالباً ما اتفقت بغداد مع الرياض على حماية حدودهما، وتوزيع كميات النفط من أجل توزان سوق النفط العالمي؛ ولذا نسقت الأجهزة المعنية لتبادل المعلومات المخابراتية والمشاركة في ملاحقة الأهداف الإرهابية من خلال رؤساء الأجهزة المعلوماتية وزيارة وزير الداخلية العراقية الأخيرة للرياض”.
للحد من توسع النفوذ الإيراني..
مشيراً إلى أن العلاقات الناجحة بين البلدين الشقيقين هي في صميمها للحد من توسع نفوذ إيران في العراق، وإن كان “حلف إيران” في الداخل العراقي قلقاً بشأن التنسيق العراقي السعودي؛ فإن الحكومة العراقية تعمل على سَن تشريعات برلمانية لتسهيل الاستثمار، وتوفير وضع أمني يسمح باستضافة رجال الأعمال والشركات السعودية المستثمرة في السوق المحلي العراقي.
لن تستطيع تخريب التقارب..
قائلاً: “ستبقى إيران حذرة في استخدام قدرتها على إفساد هذا التقارب، و(لوبياتها) السياسية والإعلامية والفصائلية ستعجز عن تخريبه؛ لأنه سيضر إيران وحلفاءها في الداخل وقاعدتها الشعبية؛ فستقع في الحرج أمام ذاتها؛ خاصة أنها لم تقم بأي استثمارات اقتصادية مهمة في مناطق نفوذ مؤيديها؛ بل قامت بـ(نهب) مقدراته؛ بعكس التقارب بين بغداد والرياض فهو اقتصادي استثماري، والعراق بحاجة له؛ فإذا ما كُتب له النجاح فإنه سوف يوفر عشرات الآلاف من فرص العمل للقطاعات الخاصة والمختلطة والحكومية، وخاصة في مجال التنمية الصناعية والصناعات النفطية والبتروكيميائيات، وثانياً سيكون الاحتمال الوحيد المتاح أمام إيران هو نقل شيء من نفوذها الاقتصادي إلى داخل العراق بالمنافسة عبر استثمارات في مجال الصناعات والسياحة والبناء في جنوب ووسط العراق، وحتى في ديالي وصلاح الدين؛ ولكن ستكون كلفة المنافسة باهظةً للغاية بسبب تراجع الصناعات الإيرانية ذات الأصول الصينية والروسية أمام الصناعات السعودية ذات الأصول الغربية والأميركية والجودة العالية”.
قصور استراتيجي من جانب إيران..
أضاف “الهاشمي” أن إيران لم تقم باستثمارات صناعية أو زراعية أو حتى مجمعات سكنية أو سياحية طيلة الـ14 سنة الماضية؛ عدا الاستثمار في الحقول والآبار النفطية والتجارة الرتيبة مع العراق، وهذا يُعَد قصوراً استراتيجياً أثناء حاجة العراق الماسة له، مع توفر اليد العاملة والخبرات والمهارات الفنية المختلفة والسند والتسهيلات الحكومية والسياسية.
تحجيم نفوذ إيران في العراق..
كما أكد الخبير والمستشار الاقتصادي والسياسي، الدكتور “إياس آل بارود”، أن العراق دولة غنية بجميع المصادر والثروات، وكان التبادل الاقتصادي قديمًا بين السعودية والعراق عظيمًا جدًّا حتى أوقات الأزمة، حيث بلغ التبادل الاقتصادي ٢٣ مليار دولار في العشر سنوات الماضية.
وحول أهم الأهداف السياسية والأمنية للتقارب بين البلدين، أكد “آل بارود” على أن الأولوية تحجيم نفوذ إيران في العراق وتأسيس عراق جديد ينضم للمنطقة العربية بالتعاون بين البلدين على هذا الأساس.
وأردف أنه تم طرد “داعش” من العراق بجهود سعودية أردنية خليجية، وتم إعادة الاستقرار الأمني للدولة الشقيقة، مشددًا على أن الأمن الخليجي هو من أمن العراق.
إبرام تحالف يسد أبواب العالم العربي أمام إيران..
من جانبها علقت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية على مشاركة وزير الخارجية الأميركي “ريكس تيلرسون”، في أول اجتماع لمجلس التنسيق السعودي – العراقي في الرياض، مضيفة أن الوزير الأميركي يأمل في تحقيق شيء استعصى على كبار الدبلوماسيين الأميركيين لزمن طويل، وهو إبرام تحالف جديد بين الرياض وبغداد من شأنه سدّ أبواب العالم العربي المطلة على جارتهم إيران.
مناورة أكثر طموحاً..
قائلة الصحيفة: إنه “بينما تسعى الولايات المتحدة لرأب الصدع بين دول الخليج العربي وقطر، وحل أزمة الحروب الأهلية في اليمن وسورية، يُعتبر تيلرسون ذراع إدارة الرئيس دونالد ترامب اليُمنى في هذه المناورة، التي توصف بأنها أكثر طموحاً”.
ويرى مسؤولون أميركيون التحالف الجديد الذي يوحّد صف الرياض وبغداد كمركزٍ لمواجهة تأثير إيران المتزايد والممتد من الخليج العربي وحتّى البحر المتوسّط، لاسيما أن الحكومة العراقية تكافح لإعادة تشييد البلد الذي تحرر مُؤخراً من تنظيم “داعش”، وتواجه حركة استقلال كردية صارت حقيقة لا جدال فيها مؤخراً.
لكن التاريخ والدين والكثير من الأمور السياسية تقف في طريق “تيلرسون”. وعلى الرغم من أن الجهد المبذول للفصل بين العراق وإيران، والربط بين العراق والسعودية ليس بجديد، إلا أن المسؤولين الأميركيين يشيرون بتفاؤلٍ إلى موضع قدم أكثر رسوخاً يعتقدون أنهم رأوه في الأشهر الأخيرة.
تاريخ قطع العلاقات..
قطعت السعودية علاقاتها مع العراق عقب اجتياح الرئيس العراقي السابق “صدام حسين” للكويت في العام 1990. واستمر التوتر بين البلدين خصوصاً خلال تولي “نوري المالكي” رئاسة الحكومة العراقية على مدى ثماني سنوات.
لكن آثار التقارب بدأت تتضح مع افتتاح “منفذ عرعر” الحدودي بين العراق والسعودية في آب/أغسطس الماضي، وصولاً إلى قيام شركة الرحلات السعودية الاقتصادية “طيران ناس”، (فلاي ناس)، بداية الأسبوع الحالي، بأول رحلة تجارية بين الرياض وبغداد منذ 1990.
وكان “العبادي” قد زار السعودية في حزيران/يونيو الماضي، بعيد زيارة لوزير الخارجية السعودي “عادل الجبير” إلى بغداد للمرة الأولى لوزير خارجية سعودي منذ 14 عاماً.