بين الرائع والأروع والأكثر روعة عوامل مشتركة، فإن كان المقصود منها منظرا فإن الثلاثة تسر الناظرين، وإن كانت وصفا فإنها تعجب السامعين، وإن كانت عملا كان النجاح نصيبها والصلاح ثمرتها والفلاح نتاجها. والعكس صحيح تماما، إذ بين السيئ والأسوأ والأكثر سوءًا عوامل مشتركة أيضا، فجميعها لاتسر الناظر، ولا تعجب السامع، ولن يكون نصيبها النجاح، ولن تثمر الصلاح، ومن المستبعد جدا أن يكون من نتاجها الفلاح.
في عراقنا الجديد، المشرق، السعيد، الديمقراطي، الفيدرالي، هناك ثلاثة مجالس، تعد العمود الفقري في هيكله، وعليها يبنى صرح البلاد ويعلو بعلوها، ويسمو مع سموها، ويزدهر بازدهارها. والعكس هنا يصح أيضا، فإذا كان العمود الفقري منخورا صعب الاعتماد عليه في البناء، وخاب الظن بالارتقاء والعلو به، واستحال السمو معه الى نكوص وانتكاس، وآل الحال برمته الى أسوأ مآل. تلك المجالس هي؛ المجلس التنفيذي والتشريعي والقضائي.
لقد نص الدستور العراقي على استقلالية كل من هذه السلطات في البلد، وهذا الشيء الرائع، أما الأروع والأكثر روعة فأظن الحديث عنهما لايمتلك من الشفافية والمصداقية مايشجع على إتمامه، إذ تدور كل سلطة من السلطات الثلاث في فلك غير متسق مع فلك الأخرى، بل يضدها أغلب الأحيان ويعاكس سيرها وسط تقلبات الظروف والشخوص والأهواء، إلا في حال تطابق المصالح الشخصية او الفئوية او الحزبية او الكتلوية.
الذي يحدث منذ أربعة عشر عاما، أن الشخصيات السياسية والكتل والأحزاب في مجالس البلاد الثلاث، مشتركون بهدف واحد ونية واحدة، هي عرقلة كل ما من شأنه النهوض بالعملية السياسية، ووضع المطبات أم سيرها باتجاهها الصحيح حيث البناء والإعمار. وأول المعرقلات التي يتبعها هؤلاء هي إثارة المشاكل الداخلية، والأخيرة هذه تتنوع أشكالها وأنواعها وأماكن افتعالها، إذ أن بعضها ينشب تحت قبة البرلمان، وذلك باعتراضات غير مبررة على مادة او فقرة او بند في قانون آخذ طريقه للإقرار والبت. او بتعمد تأخير القراءات وإرجائها الى ثانية وثالثة وعاشرة، او أحيانا تنشب مشكلة ليس لها علاقة بما يناقش على طاولة الاجتماع ساعتها، وأغلبها ناتج عن خلافات في المآرب والمنافع الشخصية والفئوية، حيث تأخذ الأخيرتان حيزا واسعا من اهتمامات أغلب الجالسين تحت القبة.
وليست أروقة البرلمان وحدها المتسبب بعرقلة سير العملية السياسية، فهناك المجلس التنفيذي الذي يشمر بعض الوزراء فيه عن سواعدهم بكل ماأوتوا من قوة، بغية الإبطاء والتأخير وأحيانا إيقاف عجلة تقدم البلد، وذلك باتباع طرائق وسبل عديدة، أكثرها تأثيرا وفتكا بتقدم البلد هو إحكام طوق البيروقراطية والرتابة والروتين في مؤسسات وزاراتهم ودوائرهم، وهذه هي الطامة الكبرى في عصر التكنولوجيا والتقنيات الإلكترونية المتقدمة، حيث مازالت مؤسساتنا ودوائرنا الحكومية تقبع بكل انكسار وخنوع وذلة، تحت سلسلة عمليات تطول من دون طائل، وتعرض من غير فائدة، بدءًا من شباك الوارد وليس انتهاءً بشباك الصادر، مرورا بما يشيب له الطفل الرضيع من التعقيدات الإدارية التي تصل أحيانا حد السماجة من انتفاء الأهمية واللاجدوى.
وليس المجلسان التشريعي والتنفيذي وحدهما في ساحة الاتهام بالعرقلة والتأخير والإيقاف، فمجلس رئاسة الجمهورية هو الآخر يشاركهما هذا الإثم، إذ عادة ما ينأى لوحده بعيدا عن مشاكل الوزارات والمؤسسات غير المرتبطة بوزارة، ويتخذ لنفسه مكانا قصيا في وادٍ غير ذي جدوى، فكأنه أحيانا -بل أغلب الأحايين- “هو والماكو سوة”..! إذ نادرا مانشهد حضورا فعالا للمسؤولين فيه، وقلما نلمس تدخلا جديا في قضية من قضايا البلد، فجلّ ما نسمعه عنهم تصريح او بيان مقتضب، لايكاد يشفي غليلا مستعرا يشكوه المواطن، لاسيما والأخير بات على جمر ذكي من المشاكل المحدقة بحياته.
فمشاكل البلد إذن، لها حاضن، كما لها مناشئ وأسس، كذلك لها من يغذيها ويذكي جمرها إن خمد، وكل هذي المعطيات توفرها بجدارة منقطعة النظير مجالس البلد الثلاث، وصح في الثلاثة مثلنا القائل؛ “لو بالهور.. لو بالزور.. لو عد الحرامية”.