19 ديسمبر، 2024 1:05 ص

الخالق… بين (الوهم)… والحقائق…

الخالق… بين (الوهم)… والحقائق…

أنا: أريد سؤالك هل تؤمنين بالله ؟
هي: نعم
أنا: كيف تقولين أنك لا تؤمنين بقضايا الدين إذن؟
هي: وما العلاقة بين هذين الأمرين؟
أنا: إذن تعتقدين بعدم وجود علاقة بين الله والرسل؟
هي: نعم
هكذا بدأ نقاشنا المستمر… بيني وبين “اسماء عبدالحامد” التي اتفقت معها على ترجمة احد كتبي من العربية الى الروسية. كانت مترجمة ذات مهنية وامانة علمية، تلمست شفافيتها بين كلماتها.. وتحسست روحها الانسانية التي انطلقت خائفة وحذرة في ساحة الفكر…
فاجئتني بانها تؤمن بالخالق ولا تؤمن بوجود الرسل والانبياء…!
كان موقفها ردة فعل ضد سلبيات الحرك الديني الذي استند الى الخرافات والمواريث… كذلك بسبب اجرام الجماعات الدينية ، خاصة داعش… وهي اعتبرت ذلك الحراك المشوة تطبيقا وتجسيدا للرسالة السماوية… دون ان تنتبه الى ان ذلك الحراك الديني، غالبا يكون ضد الدين الالهي الحقيقي، لعرقلة التكامل البشري، مع سبق الاصرار والترصد..!
قلت لها: انت تؤمنين بوجود خالق… دون رسل لنا… ولكن هذا مخالف للمنطق …!
قالت: بالعكس هذا هو عين المنطق, الله أعظم من تقييده بكتب دينية طغت سلبياتها على إيجابياتها.
قلت لها: إذا قمتي ببناء مصنع أغذية هل يمكنك تركه بدون إدارة او نظام عمل واضح… أو تتركيه دون ان يمثلك أحد ؟
قالت: الله أكرمنا بالعقل و وهبنا الفطرة السليمة لاكتشافه ومعرفته, جعل الانسان مخير… وتركنا, ومنح هذا الامتياز لكل الخلق, لقد انحدر الإنسان وأخلاقه منذ ظهرت الأديان التي تميز بين مسلم ومسيحي, او شيعي وسني وبين وبين………….. الأديان جاءت وكرست سياسة القطيع ولم تعطينا إلا جنون العظمة لأنفسنا واحتقار كل من لا يشبهنا, تمشي الأديان كلها على نفس السياسة ( أنت محبوب الله وستنال جنته وباقي الخلق كفار سيحرقهم ويعذبهم ), …أعتقد أن الله يحب الجميع وساوى بيننا جميعاً, ولم يميز أحدنا على الآخر, وأعتقد أن الحكمة الإلهية ورحمة الله تقتضي أن تكون النهاية محتومة وواحدة للجميع : الفوز بمعرفة الله واكتشافه والتنعم بالقرب منه بعد أن نتجاوز مختبر الحياة , ونختبر هناك الجنة والنار التي تتعارك في نفوسنا بكل لحظة.
قلت لها: كلامك صحيح نسبيا…
نعم… صحيح من جهة وجود اساس (فطري) في داخلنا يدفعنا الى الله… لكن لاحظي رجاء الزوايا التالية:
اولا: العلاقة بيننا وبين الخالق، اعتقد ان الانسان بفطرته قادر على اكتشاف وجود الخالق… لكنه ليس قادرا على تحديد قانون العلاقة بيننا وبين الله… اقصد ان طبيعة العلاقة وضوابطها تحدد من الاعلى (الخالق) وليس من الادنى (المخلوق)… ولا اعتقد ان تحديد تلك الضوابط تكون بالظن، بل تحتاج بيانات رسمية واضحة وصريحة من الجهة العليا…
ثانيا: ان وجود الكون والبشرية، لابد ان يكون خطوة نحو مشروع الهي عظيم، شامل ومتكامل.. يحتاج كوادر وسطية ومهندسين لادارة المشروع الالهي… وهذا سبب منطقى لانجاح المشروع.. والا يكون وجود الكون والبشرية عبثا وظلما… واذا كان العقل البشر قد توصل الى ذلك… هل يجهل الخالق ذلك… حاشاه .. ونحن نؤمن بوجوده حكيما وعادلا …
كذلك، لو افترضنا ان الفرد قادر على ان يضع (الشريعة) استنادا على فطرته الشخصية، سوف يكون عندنا اديان بعدد البشر، وبالتالي لا يتمحور النشاط البشري باتجاه واحد متناغما مع المشروع الالهي… اما تعدد الاديان الان… اعتقد انه مرحلة سوف تتجاوزها البشرية بعد حين، لاستمرار الخط الرسالي، اكيدا، لادارة هذا المشروع العظيم للكون الواسع…الذي سوف يستمر لسنوات طويلة .. ونحن الان في الشهر الاول من عمره الطويل..
نظرت المترجمة اسماء الى السماء… ثم مدت يدها نحو شجرة الياسمين، تتحسس معجزة جمالها وشذاها… وقالت : سبحان الله العظيم..