خاص: حاورته- سماح عادل
يشتكي الكتاب خاصة الشباب منهم من حال النشر، سواء التابع لمؤسسات الدولة أو النشر الخاص، موجهين بعض الاتهامات للنشر الخاص أهمها أنه يسعى للربح وفقط دون اهتمام بالنص المنشور، وتهمة أنه يرجح كفة النصوص الرديئة لمجرد أنها تلقى رواجا تجاريا، هذا حوار مع الناشر المصري “عبود مصطفى” لمناقشة أحوال النشر الخاص في مصر:
“كتابات” لما اخترت العمل في مجال النشر؟
* صدقيني إذا قلت لك أنني من الناس أصحاب الحظ الطيب في الدنيا، الذين يوفقه الله إلى العمل في المهن التي أحبوها منذ صغرهم، فأنا منذ الصغر وأنا “كتبي” بمعنى أنني أعشق الكتب، ولو عملت طبيبا مثلا أو أية مهنة أخرى كنت سأهجرها إلى عالم الكتب.
هذا هو دافعي الأول وهو كما ترين دافع فطري مبعثه القلب وليس العقل، ثم أتت بعد ذلك دوافع أخرى مبعثها العقل ومنها أن النشر من المهن التي يمتد أثرها الطيب أو حتى الخبيث لا قدر الله بعد أن يموت صاحبها ويفي أجله، وأتمنى أن أكون من الفريق الأول الطيب الذي يبقى أثره بالنفع لكل الناس حتى بعد مماته.
“كتابات” هل تأثر النشر الخاص بالتغييرات الاقتصادية الأخيرة ؟
* لا بد أن ندرك جميعا أن عالمنا العربي يعاني من مشاكل كثيرة ومعقدة، وللأسف بمرور الأعوام وتغير موازين القوى في العالم تزداد تعقيدا، ومن هذه المشاكل مشكلة الفقر ليس في المال وحده ولكن في الفكر أيضا، فأغلب الشعوب العربية فقيرة لذا شراء الكتب ليس من ضمن أولويات الأسرة العربية، ومن المعتاد جدا أن تشاهدي أسرة خرجت في يوم العطلة للتنزه في ماركت كبير جدا والتسوق منه، لكنك لن تجدي أبدا الأب الذي أخذ أسرته لزيارة مكتبة وتسوق الكتب، فالنشر ابتداء يعاني من أزمات متعددة، فما بالك بعد موجة الغلاء التي اجتاحت الدنيا وارتفاع سعر الورق ومن ثمَّ ارتفعت أسعار الكتب، وللأسف عند اشتداد الغلاء أول شيء تستغني عنه الأسرة هو الكتاب.
“كتابات” ما هو تقييمك لقطاع النشر الخاص في مصر والعالم العربي؟
* أنا متفائل جدا به ففي الأعوام الأخيرة ورغم المشكلات الاقتصادية التي أشرنا إليها إلا أن عدد دور النشر الخاصة كان في ازدياد، واستطاعت هذه الشركات أن تقدم لنا كتابا جدد أثروا الساحة الفكرية في العالم العربي وجددوا له شبابه، لأن دور النشر الحكومية يعطلها عن القيام بدورها ويكبلها الروتين الحكومي واللوائح العقيمة التي عفا عنها الزمن لذا المستقبل في النشر للشركات الخاصة، خاصة الشركات الصغيرة التي تملك روح المغامرة والتجريب في وسائط نشر جديدة مثل الكتاب الإلكتروني والكتاب المسموع.
“كتابات” في رأيك هل لابد أن يكون الناشر مثقفا وله رؤية وموقف؟
* ليس شرطا أن يكون الناشر مثقفا وصاحب رؤية، فالنشر مهنة وبزنس كبير جدا، لكن أنا شخصيا أفضل الناشر المثقف صاحب الموقف والرؤية.
“كتابات” هل القراء العرب يهتمون بالكتب واقتناءها ؟
* إذا كانوا من القراء كما وصفتيهم في بداية سؤالك فهم قطعا يهتمون بالكتب، أما المواطن العربي بوجه عام فآخر إحصائية قامت بها مؤسسة الفكر العربي في تقريرها السنوي عام 2013 جاء فيها أن المواطن العربي يقرأ في العام ست دقائق في حين يقرأ المواطن الأوربي في العام 200 ساعة.
وهناك مؤشر آخر وهو عدد الطبعة الواحدة من أي كتاب في أوربا يتجاوز أحيانا 300 ألف نسخة في حين أن عدد نسخ الطبعة الواحدة في العالم العربي 1000 نسخة، والدور الصغيرة في الأعوام القليلة الماضية أصبحت تطبع 200 نسخة فقط وتطلق عليها طبعة.
ولا شك أن هذا كله يعد انعكاسا لحقيقة مؤداها أن العرب بوجه عام لا يقرأون، وأننا نحتاج إلى جهود من الحكومات وأهل الفكر والرأي والإعلام والتعليم لجعل القراءة أمرا ضروريا في حياة المواطن، وقد أعددت مشروعا بعنوان “مصر تقرأ” وقدمته إلى وزير الثقافة في عام 2011 لكن الأحداث التي مرت بها البلاد عطلت ذلك بكل أسف.
“كتابات” هل أثر الكتاب الإلكتروني والنشر على مواقع التواصل الاجتماعي على صناعة الكتاب الورقي؟
* إطلاقا الكتاب الإلكتروني وسيط جديد لنقل المحتوى إلى المتلقي، وكذلك الكتاب المسموع، ومن المؤكد أن العلم سيقدم لنا في المستقبل وسائط جديدة، لكن ليس معنى هذا فناء الكتاب الورقي وانقراضه، فحضارة الورق لن تنتهي، أما اختلاف النسب فهذا أمر وارد وهو يتغير كل يوم بسبب عوامل كثيرة منها الاقتصادي والتقني ومنها تغير أمزجة الشعوب.
“كتابات” ما هو نوع الكتب التي تفضل دار النشر خاصتك نشرها ؟
* أنا أفضل نشر الأعمال الإبداعية، ولا أحب نشر الكتب المأخوذ محتواها من شبكة الإنترنت عن طريق القص واللصق. أحب نشر الأعمال التي بذل فيها مؤلفوها جهدا حقيقا حتى لو كانت تخالف قناعاتي الشخصية.
“كتابات” ما هي الأنشطة التي تقوم بها دار “صرح” ؟
* “صرح” شركة تأسست في نهاية عام 2009، ومنذ ذلك الحين وهي تقوم بدورها في نشر مواد ثقافية ذات محتوى حقيقي وأصيل، يشهد على ذلك قائمتها التي تضم أعمالا إبداعية ونقدية وفلسفية وتراثية متميزة، ويحسب لها أنها أعادت نشر كتاب العلم والحياة للعالم المصري الفذ “علي مصطفى مشرفة”، بعد أن كاد يندثر فقد وجدنا منه نسخة وحيدة باقية في دار الكتب وعليها اعتمدنا في إعادة نشر الكتاب القيم.
“كتابات” لماذا يلجأ بعض الكتاب العرب إلى نشر كتبهم في مصر ؟
* لعدة أسباب أولها ثقل مصر المعرفي والحضاري، وقديما كانوا يقولون مصر تكتب ولبنان تطبع والعراق تقرأ، الآن أصبحت مصر تكتب وتطبع وتقرأ، ومن ضمن الأسباب أيضا رخص الأسعار في مصر نسبيا عن باقي الدول العربية، فضلا عن كون مصر أكبر سوق في عالم الكتاب في الوطن العربي بسبب عدد سكانها الهائل.
“كتابات” لماذا تسعى إلى دعم الشباب وكتاباتهم؟
* لأني منهم فعندما بدأت في شركتي الخاصة كان عمري قد تخطى الثلاثين بسنوات قليلة، وعمري الآن تجاوز الأربعين وأنا مؤمن أن مستقبل أي بلد مرهون بشبابه، ولأنهم فعلا يقدمون أعمالا شديدة التميز.
“كتابات” ما رأيك في الاتهامات التي توجه لدور النشر من أنها تسعى إلى الربح ولا تهتم بالتوزيع وتنشر دون تدقيق؟
* كيف تسعى للربح وفي الوقت ذاته لا تهتم بالتوزيع هذان نقيضان لا يجتمعان، ومع ذلك أنفي وجود ذلك فكل مجال عمل فيه الطيب والخبيث ولا يجوز إطلاقا تعميم الأحكام.
“كتابات” حدثنا عن رواية الحي الانجليزي التي تحمست لنشرها مؤخرا؟
* هي رواية مختلفة في طرحها الفكري وفي بنائها، أراها متميزة عما نشر في الأعوام الثلاثة الماضية وأثق أنها ستلقى قبولا واسعا بإذن الله لدى القارئ العربي.