23 ديسمبر، 2024 9:42 م

الكويت والبرلمان (البدون)

الكويت والبرلمان (البدون)

الإنسان (البدون) كان مقروءا في القاموس الكويتي الى اليوم.! ولكن، هل أُدرج عليه اليوم أيضا (البرلمان البدون).؟!

لا أعتقد ذلك، لأنّ الكويت قاموسٌ مهما صغُر حجمه، مفرداته كبيرة كثيرة وشاملة، جميلة ومتنوّعة، لبقة ولامعة، سلسة على الإعلام العربي وسبّاقة على التراث الخليجي.

وعلى الطُرق السريعة لأبجديات وهجائيات القطار الكويتي، تعرقلت عجلاته بحرف (الغين) بإصرار وتكرار، وبأضرار بليغة على الكويت وجيران الكويت، فلولا الغرور والغزو الغاشم (غ.غ.غ)، لكانت الكويت اليوم صاورخا مضادا للصواريخ.!

و (الغين) قد عاد مُتقمّصا الى الكويت هذا لأسبوع بلحية أبي لهب مختفيا في بُرد الربيع العربي، فقد إعتلت شوارع الكويت يوم الخميس، ثلاثة أصوات: كويت الحكومة، كويت المعارضة، وكويت مجلس الأمة (البرلمان)، وصوت (الأنا) هو الأعلى: (أنا او الربيع العربي.!)

فأين موقعك من الإعراب يا (البرلمان) بالمعنى، ويا (مجلس الأمة) بالمبنى..؟

قارئ كلمتى (مجلس الأمة) يسمع فيهما صوت كلمتى (دولة الكويت) أينما قرأهما في الوطن العربي، وإن كانت الجزائر والأردن ودول عربية إسلامية أخرى تشارك الكويت في تسمية برلماناتها (مجلس الأمة)، وهى ذاتها قُبّة البرلمان في دولة ومجلس الشورى في أخرى، مجلس النواب في بلد والمجلس الوطني في آخر، لكن الأمر عندما يتعلق بالكويت، يحتاج المرء الى قاموسين مختلفين يحملان مفردات كويت قبل النفظ وكويت بعد النفط كلٌّ على حدة، ثم كويت قبل الغزو وكويت بعد الغزو، وقد يضاف إليها في الأيام القادمة (لاسمح الله) كويت قبل حل البرلمان وكويت بعد حل البرلمان.!

هذا البرلمان الذي تم حلُّه في غضون ست سنوات خمس مرات ..! ترى ماذا يريد منها اليوم (مستر أنا) المترنّم بترنيمة (أنا او الربيع العربي.!)، وها هو قد شمّر عن ساعديه بلغة التهديد، إما (أنا) أو الكويت.! أنا رب الشارع والأغنام، وانا ألذي سيجلب للداخل الكويتي شوارع الربيع العربي! ..

أهو ممن يصنف الكويت في خانة جديدة (الكويت قبل الكويت أو الكويت بعد الكويت.!)، أم أنه لا وجود له في الكويت، وما نسمعه هواءٌ وإفترءات يتم التطيل لها من الخارج أكثر من الداخل…؟

لا للأهواءات يالمواطن الكويتي، انت الأولى بحل الأزمة السياسية الخانقة التي تعيشها الكويت الشقيقة على مدى ثلاثة أشهر، إبتداءا من عودة مجلس 2009، وإبطال مجلس 2012، توسطتهما المحكمة الدستورية بالطعن في النظام الانتخابي والانتهاء بحل مجلس 2009 وصولا الى المشهد الكويتي الأخير.

نقول لمن يحلم بالربيع العربي في الكويت، ان الكويت لم تعش خريفا لتحلُم بالربيع، نريد الأمن في الكويت، الثبات والإستقرار في الكويت، لأنها لبنة كاملة متكاملة بالمنظومة الخليجية لدول مجلس التعاون، وقطعة مُكملة لسلسلة إن سقطت قطعة منها لأنشقت السلسلة الى شقين وشقوق، فليؤمن الكويتيين بالإجماع على ضرورة الإستفادة من كوارث الربيع العربي، ألم تكن لها عبرة من أقرب جارة لها (العراق)، وقد قارب بغداد ان يدخل موسوعة الجينيس للأرقام القياسية بالقتلى والجرحى والحرقى وهى عاصمة العواصم للربيع العربي!

إن كانت الكويت قد أخطأت أخطاء، فجلّ من لا يخطأ أولا، وأين من لا يخطأ ثانيا في هذه المعمورة ؟ بل ومن الخطأ الذريع ان نرسم في ربوع أوطاننا العامرة أحلام الربيع العربي المدمّر، إن أصبنا بكارثة، علينا ان نستفيد من تلك الكارثة ونأخذها عبرة، لا أن نضيّع نصف الوقت بالبكاء والعويل والنصف الآخر بالوعد والوعيد، ثم وفي الختام نطالب بالوقت الضائع للتصليح والإصلاح وقد فاتنا القطار.!

إصعدوا سطوح منازلكم بتلسكوب دقيق للإتجاهات الأربعة، سترون حرف (الغين) في اليوم الذي نال فيه الإتحاد الأوروبي جائزة نوبل للسلام على منجزاته الوحدي السلمي الإنتاجي بين الدول الأعضاء، قد وصل حرف (الغين) نفس اليوم القاهرة مختفيا في وبر جمل بميدان التحرير، وقد نجح (الغين) الدخيل العميل بصناعة جمعة الحرائق والعنف والاشتباكات حصادها في اليوم الأول 120جريحا في المستفشيات المصرية، لا أدري أهم قرابين حرف (الغين) أم قُدّّموا للغين قربانا بواقعة الجمل، فإن كانت البراءة للجميع هو  القرار النهائي للمحكمة، على الأقلّ كانت أدانت الجمال، وسمحت للجماهير الغاضبة بنحرها على الطريقة الإسلامية، يصلون لربهم وهم ينحرون ويُكبّرون..!

ومن الجانب الآخر وبنفس التلسكوب عليك ان تنظر نحو الخليج، وقد تسلّل مستر (غين) الكويت بلحية أبي لهب وبُرد الربيع العربي.! .. فأين المرض، وماهو العلاج.؟

العلاج أعتقد بسيط جدا، وليس في زجاجات وبراميل ضخمة وبجرعات كبيرة كالماضي، أصبح الان كل شي مصغّر بحجم فاصوليا وفول وعدس أو اصغر منها، تماما كالأرشيف الوطني بأطنان من الورق وآلاف الموظفين وعشرات الطوابق من المباني، قد تم تحويله الى مايكروفلم، ثم مايكروفيش، ثم الفلاش ميموري، بكيلو بايت، ثم ميغابايت، ثم قيقا بايت ثم تربابايت،  كذلك القلاقل في الشارع العربي علاجه ليس في دهاليز المؤتمرات بين العواصم، وإنما بالمرء وأصغريه: قلبه ولسانه يحكمهما أكبرهما عقله .. القلب ينبض بالوطن فله بقنوت السلام، واللسان يترنّم للوطن فله بنشيد السلام، والعقل فوقهما بإحلال  (غين) الغيرة محل (غين) الغباء.

وهنا السؤال بنفس التلسكوب نوجّهه إلى الكويت:  (ألستم غيورون على الوطن يا المواطنون.؟)

والإجابة طبعا (نعم)، إذن الكويت بلا بدون إن شاء الله برلمانا وإنسانا.

وهنا الكويت.

 
* كاتب إماراتي

[email protected]