الارتباط بالمطلق هو احتياج النسبي المحدود للارتباط بالمطلق اللامتناهي….
وبطبيعة الحال أن المطلق الحق هو الله سبحانه وتعالى فالإيمان بالله يمثل هذا الارتباط…
ولابد أن لا يكون هذا الإيمان عن تقليد لأن التقليد في أصول الدين لا يصح ولا يجوز وإنما لابد من تحصيل اليقين عن طريق اجتهاد الفرد نفسه…
وكثيرا ما يخطأ الإنسان في إشباع هذه الحاجة ولذلك يقول السيد الشهيد محمد باقر الصدر(قدس) في كتاب نظرة عامة في العبادات ما مضمونه (( أن جميع المشاكل الإنسانية على مسرح الحياة بتعددها و تنوعها لو نفذنا إلى جوهرها نجدها عبارة عن مشكلتين لا أكثر و هي :
المشكلة الأولى : – اللاانتماء الذي تعبر عنه الشريعة بالإلحاد…..
إن الإنسان الملحد لا ينتمي إلى المطلق الحق أو لأي شيء، نجده حراً يفعل ما يشاء يقتل و يجرم و قد يؤدي به الأمر إلى الانتحار فعدم الانتماء يعيق حركة الإنسان التقدمية يجعله كريشة في مهب الريح….
المشكلة الثانية : – الغلو في الانتماء و هو بالحقيقة تحويل النسبي إلى مطلق مزيف عن طريق الغلو في الانتماء لهذا النسبي….
فالمال أو العلم أو القبيلة أو شئ آخر نسبي يتطلب انتماء نسبي من قبل الإنسان ولكن الإنسان قد يغلو بهذا الانتماء إلى درجة يتحول هذا النسبي إلى مطلق مزيف (صنم) وهذه المشكلة عبرت عنها الشريعة بالشرك…
و هاتان المشكلتان هما السبب في نشوء هذا الكم الكبير المتنوع من المشاكل على مسرح الحياة الاجتماعية و حتى الفردية و الشخصية ……))
و لكن الدين يرشد الإنسان إلى فطرته التي تدعوه إلى الارتباط بالمطلق الحق سبحانه و تعالى ، فالمطلق الحق اللامتناهي حينما يربط والإنسان مسيرته به فسوف تكون حركة الإنسان نحو المطلق الحق حركة جهادية ضد كل ظلم وكل جهل وكل عجز وكل ضعف لأن المطلق الحق هو الكمال المطلق الذي كله عدل وعلم وقدرة وقوة….
ومن خلال هذه الحركة التكاملية يرتقي الإنسان بدرجات الكمال اللامتناهية وكلما وصل الإنسان أو المجتمع لدرجة من درجات الكمال انفتحت أمامه درجات لا متناهية من الكمال….. فالعبادة دورها هو ترسيخ هذا الارتباط بالمطلق(الإيمان بالله) لان بالعبادة يرتقي الإنسان والمجتمع تلك الدرجات ” أعبد الله حتى يأتيك اليقين ” و حيث أن درجات اليقين لا متناهية وبالتالي سوف تكون العبادة والحاجة إليها حاجة ضرورية ومستمرة، والعبادة هي تمثل علاقة الإنسان بربه وهذه علاقة لا يصـح ولا يصدق عليها مفهوم الغلو بالانتماء لأنها علاقة النسبي بالمطلق ونسبة النسبي المتناهي إلى المطلق ( اللامتناهي ) هي صفر..
إن مفهوم الغلو بالانتماء يصدق بين النسبي المتناهي والنسبي المتناهي الآخر….
إن علاقة الإنسان بربه لها دور تربوي في توجيه علاقة الإنسان بأخيه الإنسان ( النسبي بالنسبي ) وبالتالي سوف تعالج هذه العلاقة ( علاقة الإنسان بربه ) التي تمثل الارتباط بالمطلق الحق سبحانه وتعالى تعالج مشكلة الإلحاد ” اللانتماء ” من جهة و مشكلة الشرك ” الغلو بالانتماء ” وبالتالي سوف يتم القضاء على كل المشاكل التي كانت بسبب هاتين المشكلتين (الإلحاد والشرك أو اللاانتماء والغلو بالانتماء)….
وعلاقة الإنسان بالله سبحانه وتعالى تزداد رسوخاً وعمقاً من خلال العبادات التي يشترط أن تكون عن نية مخلصة…..
وحيث أن درجات الإخلاص واليقين متفاوتة بالشدة والضعف بالتالي سوف يختلف العطاء سعة وضيقاً …..
أن الارتباط بالمطلق هو التوحيد بنفسه فالشريعة طرحت شعار ” لا اله إلا الله ”
ومن خلال العبادة يترسخ ويتعمق هذا الشعار…..
فالعابد الموحد أو الموحد العابد نجده يجسد التوحيد في تصرفاته ومواقفه …..
وحيث أن هناك درجات متفاوتة في اليقين والإخلاص كذلك هناك درجات أيضا متفاوتة بالشرك فهناك شرك صريح وشرك خفي….
بل أن هناك درجات من الشرك الخفي لا يصرّح بها العرفاء لأنها:
أولاً : لا يمكن إدراكها إلا بدرجة عالية من العبادة واليقين وبالتالي رفضها ونفيها….
ثانياً : قد يكون أخبار عامة الناس بها يؤدي إلى نتائج سلوكية سلبية وهذا هو الحد الفاصل بين الظاهر والباطن.
ومن هنا يتضح أن الإنسان يختلف في درجات التوحيد والإخلاص بالرغم من كون صيغة العبادة ثابتة واحـدة!
ونلاحظ أيضا أن الدرجات العليا في الإخلاص واليقين التي تكون من معلولات العبادة تكون من حصة القلائل !!!!!
و أما سائر الناس يكتفون بأقل من ذلك و هذا الفرق هو الذي يجعل بعض الأفراد قادة والآخرين رعية صالحة…