لا نخوض في جذور واسباب تكوين هذا التيار ، ولا نتحدث عن تداعيات تشكيل هذا التيار على الواقع الشيعي وما افرزه من انحرافات كثيرة نابعة من سلوكيات تأسس عليها هذا التيار ، لكن لابد من الأشارة الى أن الأسم لايمت بصلة الى الشهيد محمد باقر الصدر لا من بعيد ولاقريب ، ولعل التسمية او أختيار المؤسس (محمدمحمدصادق الصدر) هو لغرض الايحاء بأرتباط هذا التيار او الحركة المخطط لها بالشهيد محمدباقر الصدر لما لهذا الاسم من احترام وقدسية لدى الشعب العراقي .
أن النمو المشوه للتيار الصدري أتى في ظروف مضطربة عاشها العراق اضافة لتراكمات كارثية عانى منها المجتمع العراقي عقود طويلة ابسطها الفقر والامية والتخلف وبالتالي استغلت هذه الحركة الناشئة تلك الظروف لتبسط سيطرتها عبر استقطاب المراهقين والمتخلفين سلوكا وفكرا واخلاقا وهؤلاء يشكلون نسبة كبيرة نتيجة الظروف التي أشرنا اليها ، ولعل الظروف الموضوعية والواقع البائس ساهم بأنماء الحالة المقتدائية وتضخيمها رغم حالات التخبط وعدم الاستقرار السياسي وحتى الجسدي لزعيم هذا التيار ،بل ان هذه الظروف هي ابرز وأهم عامل ساعد تلك الحالة، فبادر هذا التيار ليمارس دورا تخريبيا ومعطلا لعملية الاعمار والتطور السياسي دون وعي او احيانا بتعمد واضح منفذين بذلك اجندات بعثية -سلفية ، تعامل تيار مقتدى (تيار الحملة الايمانية) بتناقضات عجيبة وهو ينقاد خلف ارادات متناقضة بقصد او دون قصد ، فمرة يمثل مشروعا سعوديا وأخرى ينفذ رغبات شيوخ الارهاب البعثي ويتحالف معهم او غيرها وهذا التناقض نتاج لأمتزاج الرؤية والهدف البعثي مع السذاجة والضحالة الفكرية. بدأ هذا التيار ،تيار الجهلة كما يحلو لزعيمه وصفه ، متناميا كالنار في الهشيم داخل الوسط العراقي بحالته الشيعية وبتعاطف كبير من الطائفة السنية وصل الى دعم مثير من قبل القيادات البعثية المتأسلمة محاولين استغلال هذا الكم البشري لأرباك الاستقرار السياسي والامني املا بأفشال العملية السياسية وقتل الفرحة الشعبية بسقوط صنم البعث المقبور ، وهذا الدعم والتعاطف لم ينشأ صدفة انما اعتمد بالدرجة الاساس على الروابط الموجودة والمشتركات الجامعة للأثنين ، تلك الروابط هي من اوجد شيئ اسمه تيار صدري عبر اعطاء الضوء الاخضر للسيد محمد الصدر لاعلان مرجعيته ودعم هذه المرجعية والترويج لها واعتبارها مرجعية قومية يجب تقويتها ، وهنا نتذكر الرسالة العملية للصدر والتي طبعت بمطابع وزارة الثقافة سنة ١٩٩٥ حيث تؤشر حالة من التفاهم بين الاثنين .
مارس تيار مقتدى ضغوطات على الشارع الشيعي ابتداءا من محاولة جعل المناطق الشيعية ساحة حرب ضد الامريكان ومرورا بحالات التدخل في حياة الناس وكبت حرياتهم وانتهاك خصوصياتهم عبر اساليب الترويع والقمع معيدا الى الاذهان ذكرى فدائيوا صدام ووحشيتهم ، ومع ان الكثير من افراد تيار مقتدى كانوا ضمن منظومة فدائيوا صدام وتشابه الممارسات وحتى الزي ،اعتبرت عصابات مقتدى الوجه الثاني لميلشيا المقبور صدام بعد ان تغير الاسم لمتطلبات المرحلة .
دفعت مناطق الوسط والجنوب العراقي ثمنا باهضا منذ ان تأسست مليشا مقتدى ولحين تفككها , ولم يكن الثمن المدفوع بعدد الضحايا من الابرياء فقط , بل استطاعت هذه المليشا ان تحول مناطق الوسط والجنوب الى بيئة غير ملائمة لتقديم الخدمات ولقدوم الشركات المستثمر مما ادى الى ضياع الكثير من الوقت والمال هدرا وهذه من الجرائم التي يتحمل تبعاتها هذا التيار .
حاول الصدريون الاندماج في المجتمع العراقي بخصوصيته الشيعية من جديد فدخلوا في الائتلاف الوطني العراقي بغير قناعة محاولين التملص من الاتهام بالموالاة لنظام البعث المقبور , لكنهم فشلوا رغم استعادتهم لهويتهم المفقودة نسبيا . ثم حالوا الاعتماد على طريقة اخرى عبر استقطاب اكبر عدد ممكن من الشخصيات لترشيحهم الى الانتخابات والمواقع الحكومية كممثلين عن التيار ولعلهم نجحوا في هذه المرة الى حد ما , لكن ولطبيعة الشخصيات الوصولية التي رشحوها اضافة الى وقوعوهم في اخطاء ستراتيجية اخرى عادتهم الى المربع الاول واصبحوا بمثابة الجسم الغريب داخل البيت الشيعي , ولعل انضمامهم الى مشروع علاوي _برزاني كان بمثابة القشة التي قصمت الظهر الصدري .
حاول الصدريون مرة اخرى ترتيب اوضاعهم ولملمة جماهيرهم للتحضير لأستحقاق الانتخابات المقبلة , لكن هذه المرة الخسارة بدت واضحة من خلال حجم المشاركة في الانتخابات التمهيدية التي جرت قبل فترة ليست بالبعيدة , فكانت النسبة متدنية جدا .
في كل مرة يفقد التيار الصدري جزءا من حجمه الذي خلقته ظروف موبوءة , ولعل الانقسامات المتكررة في صفوف التيار جزء من شيخوخة هذا التيار . واذا ما عدنا الى الانتخابات السابقة لا يمكن ان نبني عليها من الناحية الجماهيرية قوة هذه التيار او حجمه , حيث انهم حصلوا على مقاعدهم بخطأ فادح من حلفاءهم الذي لم يخططوا جيدا وبالتالي ذهبت الاصوات اليهم . في المرحلة المقبلة سوف لن يكون لتيار الصدر دور مؤثر في المشهد العراقي , حيث ان التأثير الذي يحظون به حصيلة مقاعد برلمانية وليس ثقل سياسي .