فوجئنا من دون سابق إنذار أن بعضهم يتمتعون بوطنية فائقة وأخذتهم الحمية , وإندفعوا يتباكون على وطن لا وجود له في وعيهم وضمائرهم وقلوبهم , فوطنهم دنانيرهم مثلما هو دينهم , فكيف بربك تصدق هذا التباكي والتشكي المباغت؟!
ولو عدت إلى جميع الخطابات والتصريحات والإجراءات والقرارات , لن تجد فيها روحا وطنية أو ما يشير إلى وجود وطن , ومنذ اللحظة التي سقط فيها الوطن وحتى وقت قريب جدا , لكنها المفاجأة أن ينطق بمفردات جديدة مَن أنكرها على مدى عقدٍ ونصف , وفعل بالوطن ما فعل وخرب ما خرب , وأمعن بالتبعية وتنفيذ أجندات ومناهج الآخرين الذين يتحكمون بمصيره ومصير البلاد والعباد.
إنها لمفاجئة تثير الدهشة والإستفهام!!
فهل كانوا يغطون في نوم عميق؟!
وهل أن الوطن نام في دنياهم كنومة أهل الكهف وإستيقظ ذات صباح لا يعرفونه؟!
هل أنهم كانوا سكارى بالملايين الكرارة والفساد اللذيذ وإستفاقوا من سكرهم؟!
أين الوطن في كل ما قاموا به وفعلوه؟
أي وطن هذا الذي يريدون ويتصورون بعد أن أبادوا الوطن ووضعوه في زنزانة الإتلاف والتدمير والتخريب والنهب والسلب وفقدان الأمان , وإنتفاء الحاجات الأساسية التي أقرتها حقوق الإنسان؟!!
الوطن مات منذ ألفين وثلاثة وتعرض لهجمات فتاكة متواصلة , وأستخدمت ثرواته للإنقضاض عليه وقتل أهله وترويعهم وتمزيق وحدتهم وتفريق شملهم.
الوطن مات وقرأت عليه سورة الفاتحة منذ ذلك الحين , ولا يوجد إلا اللطامة والنواحون , والذين يحكمون بالدموع والخنوع وتعليم الناس أن الوطن وهْم , وأن العمامة وطن والحزب وطن والمذهب وطن والفئة وطن ولا وطن إلاهذا وذاك , أما الوطن الحقيقي فهو مجرد لعبة وتمثيلية وتجميع أشتات , فالوطن لا أصل له ولا دور ولا قيمة ولا معنى , وأنه ضيعة من ضياع الآخرين الذين عليهم أن يدوسونه ويسحقون رأسه , ويحولون أهله إلى عبيد وجواري في ربوع مقاماتهم المتوجة بالعمامة , والمنورة باللحية والمشعشعة الجبين بألف طرة وطرة!!
“وإذا المنية أنشبت أظفارها….ألفيت كل تميمةٍ لا تنفع”!!
فدعوا الوطن المقتول مضرجا بدمائه , واعترفوا بوطنكم الذي تتوطنون , وكفاكم ضحكا على الذقون , فإذا غابت المواطنة وحضر الكرسي إنتفى الوطن!!!!