18 نوفمبر، 2024 5:48 ص
Search
Close this search box.

الديمقراطية في العراق خطوة للأمام … وخطوات للخلف

الديمقراطية في العراق خطوة للأمام … وخطوات للخلف

الديمقراطية ثقافة وسلوك قبل أن تكون نظام حكم، في عام 2005 هبّ الشعب العراقي رغم كل التحديات والارهاب لنُصرة النظام الديمقراطي عندما زحفوا لإعلاء كلمة ( نعم للدستور العراقي الجديد ) الذي ورغم كل مطبّاته فهو كان للديمقراطية طريق وضمان، ورغم مرور السنوات السبع على الاستفتاء لهذا الدستور الذي يتعامل البعض معه كـ ( الطين الاصطناعي ) وبطريقته الخاصة، وأصبحت المبادئ الأساسية للدستور هذا ( ككرة طائرة ) التي يتقاذفها اللاعبون كيفما اشتهت أنفسهم وكيف مال الريح من بين جنباتهم وما بقي من الدستور الاّ سطور وكلمات مشوشة لا يفهمها العاقلون .
عندما نشرتُ مؤلفي والموسوم ( تجربتي في لهيب الديمقراطية ) عام 2010 في طبعتيه الأولى والثانية عاتبني بعض الزملاء والأصدقاء من عنوانه وبعض دور النشر أرادوا اغرائي بطبع الكتاب على حسابها وتقديم مقدمات له بشرط أن أرفع كلمة ( لهيب ) من العنوان، الاّ انني رفضت ذلك ونُشر الكتاب وعندما وضعت ذلك العنوان الذي شرعت بكتابته عام 2006 كنت  قاصداً لذلك العنوان
وحذّرت في صفحات الكتاب ذلك تطورات خطيرة في المشهد الديمقراطي في العراق الجديد وكنت أخاف وأخشى مثل ما كان يخشى الملايين من العراقيين على النظام الديمقراطي الوليد في العراق من التطورات المتلاحقة في المشهد السياسي العراقي بسبب المحاصصة الطائفية المقيتة، وفي رسالتي الماجستير والموسومة ( نزاهة واستقلالية السلطة الانتخابية في العالم العربي، المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق نموذجاً ) – والذي سيُطبع قريبا – أكدت مخاوفي في أن وأد الديمقراطية في العراق بدأ عندما تم اختيار أعضاء مجلس مفوضية الانتخابات عام 2007 من قبل مجلس النواب والكيانات السياسية الممثلة فيه بالمحاصصة الطائفية والسياسية، وحذرت كخبير للانتخابات تداعيات هذا المنحى والسلوك السياسي في التعامل مع الهيئات المستقلة من خلال اللقاءات الفضائية في مختلف القنوات، بأن الديمقراطية تسير في طريق غير آمن طالما قد بدأ بتحطيم الركائز الأساسية للديمقراطية وهي الانتخابات النزيهة والسلطة الانتخابية المستقلة لإدارة تلك الانتخابات، وانتخابات عام 2010 ونتائجها وتداعياتها السياسية والأمنية ما زالت ماثلة أمامنا وهي ما زالت تسير في ذلك الطريق الوعر والغير الآمن كما نوّهنا عنها غير مرة، والغريب في ذلك أن الأمم المتحدة قد شاركت الكيانات السياسية في تلك الخطوة الخطيرة، بدلاً أن تبدي مشورتها بخطورة سلخ سمة الاستقلالية والنزاهة عن مجلس المفوضين وباتت الأمم المتحدة شاهدة الزور على تلك الخطوة رغم أنها اعلنت غير مرة بأن تم اختيار أعضاء مجلس المفوضين باستقلالية ونزاهة تامتين الاّ أن حقيقة ما حدثت تؤكد عكس ذلك تماماً، وهنا فقدنا عاملاً مسانداً لما كُنا نطمئن ونعتقد أن وجود الأمم المتحدة في مراحل الاختيار كمراقب دولي وتعمل على وفق المعايير الدولية لتمسكها باستقلالية مفوضية الانتخابات الاّ أن وجودها كان عاملاً مكرساً ومسانداً للكيانات السياسية لإنهاء ركائز الاستقلالية والنزاهة والشفافية والمصداقية من أهم مؤسسات الديمقراطية في العراق.
والغريب في الأمر كل الغرابة وبعد التجربة الأخيرة لنتائج اختيار أعضاء مجلس مفوضية الانتخابات عام 2007 بالمحاصصة السياسية والطائفية التي دفعت أشخاصا لسمعتها نتيجة تلك الحسابات الطائفية السياسية وبدلاً من أن تراجع الكيانات السياسية الممثلة في مجلس النواب الموقر سياساتها بشأن استقلالية مفوضية الانتخابات التي أقامت وأبكت الدنيا وما زالت تذرف الدموع الساخنة على مقترح الحكومة العراقية بضرورة ارتباط الهيئات المستقلة بالحكومة مدعية أن المساس باستقلالية الهيئات المستقلة خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها، وقد انشغلت الحكومة ومجلس النواب في تداعيات تلك الخطوة .
واليوم وبعد أكثر من 10 أشهر خرجت لجنة الخبراء النيابية باختيار أعضاء مجلس المفوضين الجدد بقائمة تضم تسعة أسماء اُعلنت ثمانية أسماء وأبقى التاسع من بين (7200 ) مرشح تعاملت معها لجنة الخبراء بكل ( استقلالية وكفاءة ونزاهة ) فاقت كل التصورات والغريب مرة أخرى أن الأمم المتحدة شاركت بتصوراتها الدولية وتجربتها الفريدة في العالم واتفقت مع الكيانات السياسية لهذه النتيجة المخيبة للآمال وقد أبعدت لجنة الخبراء الكثير من  المرشحين الذين يتمتعون بكل معايير النزاهة والاستقلالية والكفاءة ولم تُقبل طعونهم القانونية بينما تم تزوير استمارات بعض المرشحين ورغم طعونهم الاّ أن الخطة المرسومة باتت في حكم المحكوم فيها ومع هذا ( ومع التقدير للأشخاص الذين تم اختيارهم ) الاّ أن طريقة ونتائج الاختيار قد خلقت الكثير من الشبهات والتعسف لأبناء العراق على وفق ما آلت اليها تلك النتائج وعلى النحو التالي :
1. لم تُطبق أي من المعايير الدولية لاختيار أعضاء مجلس مفوضية الانتخابات سوى المحاصصة الطائفية السياسية.
2. عدم شفافية الاجراءات الخاصة بمراحل اختيار أعضاء مجلس المفوضين .
3. رغم أن الدستور وقانون مفوضية الانتخابات تؤكد بوضوح أن يمثل أعضاء مجلس المفوضين من كل مكونات الشعب العراقي والنتائج عكست غير ذلك، بل أضّرت بمشاعر وعلاقات مكونات الشعب العراقي وخاصة بين- التركمان والمسيحيين – والذي لهما الحق في التمثيل كمكونان أساسيان للشعب العراقي على وفق القانون وليس تمثيل الأحزاب السياسية عندما تم ترك المرشح التاسع كعامل خلاف وسجالات سياسية بين الكيانات السياسية ومكونات الشعب العراقي والتي ستكون نتائجها وخيمة على المشهد السياسي الذي لا يُحسد عليه أصلا .
4. عدم الامتثال بالقانون الذي يؤكد ضرورة تمثيل جميع محافظات العراق عند اختيار أعضاء مجلس المفوضين- رغم أن الأمر هنا مستحيل فكيف يمكن تمثيل الـ ( 18) محافظة في تسعة مقاعد – ولابد تعديل هذا الأمر – ومع هذا فالنتائج عكست غير ذلك حيث كانت لبعض المحافظات أكثر من مقعد بينما كثير من المحافظات حُرمت من أي حضور في عضوية مجلس المفوضين .
5. الضربة القاضية الكبرى التي جاءت بها نتائج اختيار أعضاء مجلس المفوضين والتي هي ضد الدستور والقانون والنظام التعددي هي حرمان المرأة من الكوتا الخاصة بعضوية الهيئات المستقلة وحرمانها نهائيا من عضوية مجلس مفوضية الانتخابات .
6. جاءت نتائج الاختيار ابعاد أصحاب الكفاءة والخبرة والاستقلالية من عضوية مجلس المفوضين .
7. جاءت اختيار مجلس المفوضين بتسميم العلاقات الوطنية واللحمة الاجتماعية بين مكونات الشعب العراقي والكيانات السسياسية وستكون آثارها وتداعياتها مخيبة للآمال للشعب العراقي .
8. أما التزوير فمن المُعيب أن تُزور استمارات بعض المرشحين لصالح مرشحين آخرين بالمحسوبية والمحاباة بعيداً عن كل المعايير الدولية والاخلاقية .
وهكذا تراجعت الديمقراطية الوليدة في العراق وتقهقرت بخطوات قبل أن تكتمل صورتها المشرقة في حياة العراقيين لتكون أساسا لنظامهم الدستوري والمؤسساتي للتبادل السلمي للسلطة في العراق .
* خبير انتخابات

أحدث المقالات