18 ديسمبر، 2024 11:58 م

الحسين الشهيد الفاتح

الحسين الشهيد الفاتح

لاشك أن كتب الإمام الحسين عليه السلام وخطبه، منذ بداية اعلان نهضته برفض بيعة يزيد ، وإلى استشهاده يوم عاشوراء، تعتبر هي من الوثائق المهمة، لأن من خلالها تم الوقوف على المزيد من أسرار ثورته عليه السلام، ومن أهم كتبه ( من لحق بنا استشهد ومن تخلف لم يبلغ الفتح) برقية سريعة بعثها إلى من بقي من بني هاشم في المدينة ، وبرقية أخرى عندما وصل إلى كربلاء ، وقد أرسلها إلى أخيه محمد ابن الحنفية وجماعة من بني هاشم ، وكان نصها ( اما بعد : فكأن الدنيا لم تكن وكأن الآخرة لم تزل ، والسلام ) !.
جاء الكتاب الثاني مؤيدآ الأول، بالتأكيد ان المسير للشهادة ولابد من زوال الدنيا ، والعمل باتجاه الموقف الذي يخلد في الآخرة، من هذه الكتب الأول والثاني علينا أن نتأمل في بعض الابعاد في كلماته، واستلام المفاهيم التي تعيننا على حياة كريمة ،وموقف مسؤول في دنيانا هذه، والوقوف على مجموعة من الثوابت في ثورة الحسين عليه السلام، فإن للاحداث الاجتماعية معادلات تشابه إلى حد كبير المعادلات العلمية الطبيعية من وجود ثوابت أساسية في كل معادلة ، مع وجود متغيرات أخرى، ومن أبرز الثوابت هي :
١. من لحق بنا استشهد : حتمية الشهادة ، وهي من ثوابت ثورة الحسين عليه السلام، نعم هي المحطة التي لابد أن يبلغنا كل (من لحق) ، من الأنصار والمجاهدين ، ولااحتمال لأي أمر آخر…. ومن الممكن أن تجعل للحسين خاصية أم تتواجد في نهضة أخرى! ان كل تحرك أونهضة أو مواجهة ، تحتمل كلا احتمالين ، أما الغلبةوالنصر المادي الظاهر ، وأما الشهادة والموت ، قد يكون أحد الاحتمالين أكبر من الاخر ، ولكن النتيجة ان هناك احتمالين ، لواقعة كربلاء …. فان فيها احتمال ، واحتمال واحد فقط ، إنه احتمال الشهادة .
٢. الثابت الثاني : ومن تخلف لم يبلغ الفتح : بعد أن كان الثابت الأول يؤكد حتمية الشهادة ، فإن الثابت الثاني يؤيد ويؤكد حتمية الفتح ، يوكد هذا في ثورته ، ان الذين لم يلتحقوا بها لم ينضمواالى المجاهدين ، وبالتالي لم يكونوا من الشهداء، ولا يمكن أن يبلغوا الفتح ولا يصلوا إلى النصر .
أحدثت ثورة الحسين فتحا غريبا وتاريخيا، لايوجد له نظيرآ او تسمع له شبيهآ، فتح في القلوب والنفوس والأرواح…. فتح في القلوب حيث انفتحت على الله ورسالته ، وعاشت الحب والهيام والتألق بال رسول الله ، حتى صار الحسين وأيامه تناغم القلوب فتهفوا لها ……..
فتح النفوس ، حيث تحررت من ذل تركها مسؤولياتها ، وتحرر من طاعة اللئام ، فبرزت إلى مصارع الكرام ، تحررت النفوس من الخوف والرعب الذي اشاعه الامويون، وارعبوا نفوس المسلمين ، فجاء الحسين وجاءت شهادته لتحرير النفوس المعذبة …….
وفتح الأرواح، حيث اتجهت نحو أهل البيت ونهجهم واطروحتهم أخذت تستجيب لنداء العزة والكرامة ،
وفتح المواقف ، لو قارنا مواقف الأمة قبل واقعة كربلاء ، ومواقفها بعدها……عشرون سنة في سبات واستسلام النهج الأموي، وطوال حكم معاوية منذ صلح الحسن إلى نهضة أخيه الحسين عليه السلام انه فتح لارادت المسلمين وفتح في فهم المواقف الشرعية لهم ، إنه فتح تجاوز عصر الحسين عليه السلام، ليمتد إلى كل العصور وليتخرج من مدرسته الأجيال، نعم الحسين فاتح وياله من فاتح …..وكان مدرك لهذا الفتح ، يذكر به من لحق به، وما حشود يوم واحد محرم التي تنطلق في كل مكان معلنة تايدها ومناصرتها لهذا الفتح العظيم الذي رسمه الحسين عليه السلام، بدمه الطاهر ليبقى منار تستضئ به الأمم على مر العصور ، نعم انه الفتح الذي تردده الحناجر في حشدها الموحد في يوم ١ محرم ، لتعلن قول الإمام الحسين وتعلن شعار ثورته المعطاء ،((إني لم أخرج أشراً، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين)) .