اتذكر تماما :
كانت اغلب المسلسلات العراقية تمغنط المشاهدين لدى عرضها وتلصقهم في شاشة التلفاز ليتفاعلوا مع احداثها ويتماهوا مع شخصياتها ويحوزوا متعة المشاهدة الى جانب الاستفادة الفكرية منها .
من هذه الاعمال على سبيل المثال :
تحت موس الحلاق . الدواسر . الذئب وعيون المدينة .فتاة في العشرين .النسر وعيون المدينة . الاماني الضالة . نادية .ذئاب الليل . في اعالي الفردوس .. واعمال كثيرة اخرى .
واسباب هذا الالتصاق تمثلت بالتالي :
1- حيوية المواضيع واجتماعية طابعها وعدم ارتباطها بظرف زمني محدد او وضع سياسي معين تكون كرد فعل عليه .
2- ابتعادها عن التصوير الفوتوغرافي الصرف للواقع المعاش والتجائها الى احداث افتراضية لاتبتعد عن حياة الفرد العراقي ( هذا يعني وجود مخيلة تأليفية ذكية ).
3- عدم الوقوع في الترهل من الناحية الاخراجية حيث غالبا ماتكون المشاهد قصيرة ومتواترة وتكتظ بالدلالات الموحية او الصريحة .
4- تعدد محاور العمل وعدم الاعتماد على محور واحد ما يضفي على المسلسل طابع الطرافة ويبعده عن الجدية المزعجة .
5- وجود ممثلين وممثلات اصحاب كاريزمات مقبولة لدى المتلقي (استثني بعض النمطيين الذين تقولبوا في اداء واحد يكررونه في كل شخصية يؤدونها ).
*
في السنوات الاخيرة التي تلت سقوط النظام السابق ضخت الينا الفضائيات اعمالا درامية كثيرة .. وكل فضائية تنافست مع سواها في تقديم الاكثر خلال الموسم الرمضاني .
لكن العدد الاكبر من تلك المسلسلات (وليس جميعها) تشابه مع بعضه البعض تأليفا واخراجا واداء في الملامح التالية :
1- قتال.
2- دمار.
3- دماء.
4- بكاء.
5- رعب .
6- صراخ .
7- انفجارات.
والحجة ان الواقع هكذا وماعلى الفنان سوى نقله من الشارع الى الشاشة ليضيف الى ماسي النهار التي يعيش الفرد العراقي في وسطها ماس ليلية تحول حياته الى جحيم .
*
الحجة اعلاه ارتدت على اصحابها والدليل ان الدراما العراقية غائبة منذ سنتين ولا احد من الجمهور يفتقدها بعد ان اقبل بشدة نحو برامج الترفيه والتسلية ونحو الدراما غير العراقية
*
الدراما ليس لطم ولااجساد تتفجر ولامباتي تحترق ولانحيب يستمر لنصف حلقة على رجل ميت ولا صراخ ممثلين يحطم الاعصاب اعتقادا من صاحبه انه يؤدي اداء راقيا ولا ممثلة تبكي في كل مشهد مرة او مرتين ولا عرض لأعضاء بشرية ممزقة تثير التقزز .
نعم هكذا هو الواقع ولكن الناس التي تعيشه لاتريد تصويره فوتوغرافيا لها ..وانما تريد ان ترى وجها اخر له يصوغه خيال فني خصب يهتم بالجماليات وبعوامل المتعة والاثارة الفكرية والعاطفية وبالاداء الذي يوصل الافكار باقل مايمكن من الجدية الباعثة على القرف .
*
اذا عادت( درامتنا) فعليها ان تلبس ثوبا جديدا يحتوي على كل الوان الحياة ولايقتصر على لون محدد .
ثوب لاتصصمه لها وتختار الوانه الفضائيات المنتجة على ضوء توجهاتها السياسية فاغلب الفضائيات سخرت الفن لخدمة خطابها الاعلامي الخاص بها ، ولهذا قدمت اعمالا جعلت المشاهد العراقي يتجه نحو الدراما السورية والتركية والمصرية والخليجية مبتعدا عما يزعجه وباحثا عما يثيره ويفيده ويمتعه ويقدم له الجمال .