23 ديسمبر، 2024 10:10 م

لقد أسمعت لو ناديت مصغياً !!

لقد أسمعت لو ناديت مصغياً !!

في نهاية العام 2010 كتبت مقالاً بعنوان “المالكي والهاشمي وتحالف الأقوياء ” كان المقال مستوحى من الفكر السياسي الذي يشير إلى توضيح فكرة الرجل الثاني الذي تمليه طبيعة المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد ومازالت , فلا أحد ينكر ان حكومة المالكي طائفية إلى حد العظم بل هي اليوم أشد طائفية من قبل , فقد تعاظم شعور السنة بالإقصاء والتهميش مع طول أمد معاناتهم من التطبيق التعسفي لقوانين الاجتثاث والمساءلة والعدالة ومع تعطيل تام لأي نشاط حقيقي على طريق المصالحة الوطنية فضلاً على الإصرار على تعطيل قانون العفو العام والإصرار على استهداف المناطق السنية في الاعتقالات والمداهمات بل إن الاستهداف الطائفي شمل اليوم رموز السنة وأي رموز ؟ فمن المعلوم ان رموز السنة يتباينون في التعاطي مع الشعور بالإقصاء والتهميش فهناك المتطرف الذي يدفع السنة الى القتال والاستشهاد لقلب الموازنة وهناك من يراهن على إعادة عقارب الساعة الى الوراء من خلال الحكم الانقلابي الثوري فلا يقوى على الانقلاب ولا يتجه الى التفاوض مع الشيعة لتحصيل الحقوق وفي الحالتين يدفع أبناء السنة الثمن في هذه المعركة فالأول قد حرق السفن وخطوط التراجع وليس أمامه الا الموت والثاني يمني نفسه بالأحلام وتمضي الأيام وتزداد معها معاناة أهل السنة , الا ان ثمة تيار ثالث خاض غمار معركة الوجود مع التيارين من جهة ومع التيار الحكومي من الجهة الأخرى ففي الوسط السني المتطرف كان مسؤولاً ومتهما بشرعنه العملية السياسية اما الانقلابيون فهم جزء من العملية السياسية الا أنهم ناقمون على التيار الثالث لانه ينافسهم على زعامة الشارع السني , لقد تمثل التيار الثالث بظهور حركة تجديد التي يتزعمها نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي والتي طرحت عقداً وطنياً قائماً على الانتقال بالبلاد من دولة المكونات الى دولة المواطنة وهذه الجزئية تعكس التشخيص الدقيق للمعضلة التي تواجه البلاد , وهذا الخطاب كان موجها إلى قادة العملية السياسية لبناء التحالف الذي يخرج العراق من ثوب الطائفية والصراع والانطلاق لمعركة البناء والإعمار … اتذكر تلك النصيحة المجانية التي تقدمت بها ردا على مقولة السيدة ميسون الدملوجي (ان المثقفين يترفعون على السياسيين … ولكي ننهض بالعراق عليهم بالتواضع والمشاركة ) , ولكن لم تجد أذنا صاغية , تذكرت المشروع وانا أقرأ مقالآ للدكتور جليل وداي أشار فيه إلى ماقاله جبران خليل جبران في كتابه : رمل وزبد والموسيقى ، ( اعطني اذنا اعطك صوتا ) ، والذي شدد فيه على ان لا قيمة للكلام عندما لا يجد من يسمعه ، وانا اتأمل المشهد السياسي العراقي بعد مرور عامين على ذلك الكلام ويقيناً لم أكن الوحيدة بين العديد من الاصوات التي تضع فكرها على مائدة الجياع من المتصدين للعمل السياسي ، الا ان اي من السياسيين لم يعط لما نكتب اذنا صاغية ، فالكل يعمل على هواه بصرف النظر عما تؤول اليه اقواله وافعاله من مآسي ونتائج كارثية كان لبعضها تكريس للطائفية وتجذير للاحتراب والتطاحن الأهلي وله تداعيات خلفت تضحيات بالبشر والزمن , وقد مضت سنتان من عمر الحكومة وهي تراوح مكانها ليس بقصد الرياضة والإستقواء على الإنطلاق ، بل لتحين الفرص للانقضاض على الاخر وافتراسه واقصائه او لعرقلة عمله بعد قص اجنحته ومنعه من الطيران والتحليق بتطلعات الناس الذين قضوا العمر وهم ينتظرون الغد المشرق الذي به يوعدون , أما المواطن البائس الفقير فقد بح صوته وهو يصرخ بشعارات لو اسمعها لحجر لعاد اليه بصدى ولكن لاحياة لمن تنادي , أمراض بلا علاج وجياع بلا طعام يسد الرمق وشوارع متهرئة ومجاري متكسرة , وبقيت البنايات تحمل آثار البؤس والحصار والحرب فلم ترمم الكثير من البنايات التي طالتها يد الاحتلال والعدوان مثل وزارات التربية والصناعة والتعليم والشباب (المطعم التركي) وبناية نادي الضباط الترفيهي ومطبعة دار الحرية … والقائمة تطول ليبقى وجه بغداد غير الوجه الذي اعتاده اهلها وروادها , وقد أبكى حالها حتى الحجر دون ان يهتز للسياسيين طرفهم بل انهم اتقنوا صم الآذان مثلما اتقنوا فن الكذب والتلفيق والترويج لمشروع وطني لم نر له شكلا ولا مضموناً , بل ان ما يتشدقون بها كمنجزات لايمكن وصفها بغير التخريب المنهجي , فالتعليم ومناهجه ومعايير الكفاءة فيه تتعرض للتلاعب حسب المكاسب التي تتحقق للسياسي من التخفيف في الضوابط ونظام السير ينتهك من الجهات التي تمثل النظام والبنى التحتية تصمم كلها بطريقة الترقيع والفساد أصبح محمي ومحصن بسواتر حزبية أو قانونية وحتى الحريات اصبحت مقموعة بقوة العصا , فلا مقاهي ولاحرية في التظاهر , وحتى الملابس وقصة الشعر , وهذا القمع سيولد انفجاراً حالما يجد ارضا رخوة فنعيد انتاج تجربة البعث التي لم نحصد من ثمارها سوى الحسرات …. ونحن نتسائل ماذا لو تحالف المالكي مع الهاشمي في تشكيل الحكومة ؟ مالذي سيجنيه المواطن من التحالف ؟
من المؤكد ان العراق خسر كثيراً من سياسة المماطلة والتسويف والإقصاء , والمواطن هو الخاسر الأكبر , فما الذي انجزته حكومة الشراكة الوطنية ؟ مازالت منجزات الحكومة لاتتعدى قلب الرصيف واعادة تبليطه وصباغته فلم تتحرك دواليب المصانع , ولم تتقدم صناعة الكهرباء , ولم يقدم شيء ملموس للنظام الزراعي وفوق ذلك بقي البلد يستورد حتى باقة الخضرة من دول الجوار… ولو ان تحالفاً اخذ بعين الاعتبار ما يسعى له الهاشمي من عفو عن الأبرياء وعادوا إلى العمل والبناء , وطبق برنامجه في التعامل مع أزمة المياه من بناء السدود وحفر الآبار فضلاً عن علاقاته المتميزة مع منابع الأنهار , كما ان الهاشمي يمتلك خبرة عسكرية وعلاقات متميزة مع كبار قادة الجيش ولو اوكلت له مهام الأمن والدفاع لوفرنا على هذا الشعب المسكين دماء كثيرة , وحفظنا ممتلكاته , وبفضل العفو تتحقق المصالحة ويتجه الجميع صوب الشرق لسد الثغور التي ينفذ منها أعداء العراق الباحثين عن امجاد النفوذ والاحتلال والملطخة ايديهم بعار الفتنة والحرب الطائفية , ويتجه الجميع لوضع العراق في حدقات العيون ويصطفون يداً واحدة لبناء المستقبل …ولكننا ننفخ في قربة مقطوعة , وقد أسمعت لو ناديت مصغياً .