ايام فقط تفصلنا عن شهر الحزن محرم الحرام، الذي يعد انشودة تتجدد كل عام باﻷلم والحسرة والدموع، ان لهذا الشهر تأريخ طويل يمتد لما قبل الاسلام، فمنذ العصر الجاهلي، اقتتل العرب قديمآ فيما بينهم في هذا الشهر، حتى أوقف العقلاء النزاع، اقروا حرمة القتال فيه، ومن هنا صار “محرم الحرام”.
اما في الاسلام فكان لمحرم خصوصية أخرى، اذ اختاره المسلمون ليكون اول الشهور، الذي يبدأ به التقويم الهجري القمري، اما الحدث اﻷبرز الذي ارتبط بمحرم فقد تكرس في السنة 61 هجرية وتحديدآ في العاشر منه، وذلك بواقعة “الطف” وهي فاجعة استشهاد اﻷمام الحسين عليه السلام، تلك المجزرة التي كانت، اشبه بصعقة كهربائية لجسد اﻷمة الميت سريريآ انذاك، وشكلت انعطافة حادة في مجرى التأريخ الاسلامية، وتساؤﻵ كبير سطره الحسين بدمائه هو واصحابه وآل بيته.
اذا كان يزيد هو خليفة الله كما يدعي، فألى اين تتجه هذه الامة؟، اذا علمنا ان اﻷخير قد اعلنها وبصراحة، بقوله “لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل” .
عمل الرسول عليه وآله الصلاة والسلام، جاهدآ على ترسيخ قواعد الدولة الاسلامية، بجهود استثنائية هو واصحابه، وتحمل من اجل تغيير بعض المفاهيم الجاهلية، العذاب والتسقيط، حتى تأخى العبيد والسادة، ولم يعد احد يدفن ابنته وهي حيه!
وأخذ التفكير الاعرابي بالتمدن والتحضر، حتى شهد بذلك رب العالمين، في قوله تعالى” كنتم خير أمة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر” فقد أرسى النبي الاعظم، قوانين ثابتة في المجتمع الاسلامي، في بضع كلمات التي تعد اليوم دستورآ للتعايش السلمي، والتألف بين الشعوب، اذ قال ” لا فضل لعربي على اعجمي، الا بالتقوى” فبعد ان تربى الجمهور الاسلامي على هذا الخطاب الوحدوي، الذي ينم عن نفس كبيرة، تضم الجميع تحت عباءتها.
تغافل الزمان، وتحامقت الايام لتنصب يزيد خليفة المسلمين، وينادى بأمير المؤمنين، وقد أسهبت كتب التأريخ واصفه هذا الرجل، بعدم أهليته لقيادة دابه، فكيف به ان يتولى أمر أمة.
فلنا ان نتخيل التدهور، الذي أصاب حال البلاد الاسلامية، حتى وصل اﻷمر بالبعض بالتشكيك بحكمة الله، لتولي يزيد امر المسلمين، كما يشكك بعضهم الان بوجود الله، وانتشار ظاهرة “الالحاد”، فما كان من الحسين على قلة ناصريه، اﻷ ان يؤدي ما عليه من تكليف شرعي، بتصويب اﻷمور وانقاذ ما يمكن انقاذه، فكان ﻷستشهاده بهذه الطريقة الدموية، اشبه ما يكون بتعبير المصطلحات السياسية الحديثة، قوة ناعمة، استعان بها الحسين بما يملك من أرث ضخم، لشن حرب طويلة المدى على خصمه، فرغم هزيمته عسكريآ، اﻷ انه اﻷكثر تألقا وشموخآ وخلودآ في القلوب، من يزيد الى يومنا هذا !
انقر هنا من أجل الرد أو الرد على الكل أو إعادة التوجيه