مع اقتراب موعد استفتاء كردستان للاستقلال واعلان دولة كردستانية ، تزداد الضغوط وتتكاثر محليا واقليميا ودوليا . الدولة الوحيدة التي اظهرت دعمها العلني لدولة كردستانية ، هي اسرائيل ، والحقيقة لا اعرف ان تعاطفها ستكون خيرا لكردستان او وبالا عليها.
بداية يفترض ان لا تتجاهل القيادة السياسية الكردستانية الرفض الصريح والمتكرر للولايات المتحدة الامريكية وحلفائها كل من بريطانيا وفرنسا ، كما ان التهديدات التركية والايرانية بمنع الاستفتاء ، لا يجب عدم حملها محمل الجد . هذا الرفض الدولي والتهديدات الاقليمية ، استقوت بها بغداد ، فأتخذ البرلمان العراقي ، ودون ان يكترث لمقاطعة الكرد ، قرارا خطيرا بمنح الحكومة العراقية الصلاحيات اللازمة وكل التدابير الاجرائية لمنع عملية الاستفتاء وافشالها . كما ان لهجة بغداد اصبحت اكثر حدّة ، حتى ان رئيس الوزراء العراقي اشار الى امكانية استخدام القوة العسكرية في حالة تسبب الاستفتاء بحوادث عنف . والكل يدرك ان اصطناع العنف في المناطق المتنازع عليه امر ميسور لكل طرف بالنظر لفقدان الثقة بين المكونات في تلك المناطق وتحريضها من قبل اطراف اقليمية وعراقية ، بل وتهديد قوى اقليمية بالتدخل المباشر. الامر الذي لا يمنع من وقوع حرب حتمية ، خاصة وان شعب كردستان متمسك بحقه الشرعي في اجراء الاستفتاء والاعلان عن دولته المستقلة وان تطلب ذلك اي ثمن واية تضحية ، يشجّعه قناعته ، وانا مقتنع معه ، ان ما يواجهه غدا او بعد غد لا يختلف سواء جرى الاستفتاء او غضّ النظر عنه . وان الحرب التي يواجهها قد تكون كارثية على كردستان والعراق والمنطقة .
لذلك ترقب الكثيرون ، ردَّ فعل الامم المتحدة للقيام بمسوؤلياتها في تهدئة الاوضاع وواجباتها في المحافظة على الامن والسلم في هذه المنطقة المتوترة اصلا والموبوئة بعوامل الصراعات وتداعيات الارهاب . كما توقع الكثيرون ان تلتزم هذه المنظمة الاممية بميثاقها الذي ينص صراحة على حق الشعوب في تقرير مصيرها، وشرعنة مقاومة الاحتلال بهدف الاستقلال .
مع الاسف لم يتحرك المبعوث الاممي في العراق( يان كوبيتش) بمفرده كما ينبغي، ولم يتعامل بحيادية مع قضية تعرض الامن والاستقرار في المنطقة للخطر ، ولم يعرض حلا امميا يمكن ان يراعي مصلحة العراقيين والكردستانيين ، انما انضم الى وفد التحالف الدولي لمحاربة داعش . والذي لا يضع موضوع الحرب على الارهاب في مقدمة سلم اولوياته وحسب ، انما يبدو ان لا مهام اخرى للتحالف الدولي ولا يكترث لمصيرشركائه في الحرب حتى وان تعرضوا للظلم والاستبداد والاقصاء وانكار الحقوق . وآثر كوبيتش التناغم مع مواقف العراقيين ومطالبتهم بالغاء الاستفتاء .
يوم امس اشارت بعض التقاريرالصحافية الى مقترح قدّمه ( يان كوبيتش ) للرئيس مسعود البارزاني ، يقضي بالغاء استفتاء الاستقلال من قبل شعب كردستان مقابل بذل الامم المتحدة مساعيها الحميدة لتوصل الكردستانيين والعراقيين الى اتفاق حول القضايا العالقة خلال مدة عامين او ثلاثة !!.
ما يلفت النظر ان الهيئة الاممية لا تضمن التوصل الى اتفاق ، ولن تمارس ضغطا على حكومة بغداد للقبول بحق الكرد في تقرير مصيرهم ولا القبول حتى بشراكتهم في الحكم وتقرير سياسة البلاد واقتسام الثروات بشكل عادل ومنصف . ويحق للكردستانيين التساءل عن تدابير واجراءات الامم المتحدة فيما اذا تعنّت العراقييون وامتنعوا تعسفا في التوصل الى اتفاق مع الكردستانيين . ماذا لو مضى عامان او ثلاث او عشرة ولم يتوصل الطرفان الى اتفاق لحل خلافاتهما او تحديد العلاقة المستقبلية بين العراق وكردستان ؟
ماذا لو ذهبت المساعي الاممية الحميدة ادراج الرياح ولم تثمر بسبب غطرسة طرف ما ومطاليبه التعسفية وشروطه التعجيزية ؟
ماذا لو ظهرت للهيئة الاممية ومجلس الامن ، ان التعايش المشترك ، بين شعبين يختلفان في العرق واللغة والثقافة ولكل منهما ارضه وتاريخه وجغرافيته وعاداته وتقاليده، اصبح مستحيلا او باهض الثمن ؟
ماذا لو تبيّن للعالم ان الفراق والافتراق اصبحا لازمين وضروريين لحفظ مصالح الشعبين واستقرار المنطقة ؟
المقترح الاممي لا يكشف عن اية خطوة مستقبلية في الحالة التي ذكرناها ، ولا يفصح عن حلول ، ويعني ذلك ان المفاوضات ستكون على الاغلب مضيعة للوقت والجهد ولا غير . وقديما قالوا يخسر الكرد في المفاوضات ما يكسبونه في الحرب . هذا قول لا ادعوا العمل به للكسب عن طريق الحرب، فالحروب انهكتنا ، ولكن لتبيان ان المفاوضات مع بغداد ، كما علمتنا التجارب ،كانت صرخة في واد . ويجب ان تكون للمفاوضات من الان ولاحقا اثريترتب عليها . وان تكون مراقبة دوليا .
كان من المنطقي ان يتضمن مقترح ( كوبيتش ) اجراء الاستفتاء الالزامي لاستقلال كردستان وباشراف الامم المتحدة بعد المدة المحددة للتفاوض وعدم التوصل الى اتفاق . وان يشمل الاستفتاء اجزاء كردستان المستقطعة، وان يلزم الطرفين باحترام وتنفيذ نتائجه ايا كانت . فاذا اختارت كردستان الاستقلال ليس معناه نهاية الدنيا . واذا اختارت المناطق المستقطعة او اي جزء اومدينة كردستانية البقاء مع الدولة العراقية بارادتها الحرة ،يكون من العبث التضحية بارواح الشباب والشابات الكردستانيات من اجلها ، فلا قدس ينفع شعب كردستان ولا هم يحزنون . لكن ضم اية بقعة جغرافية من كردستان عنوة لكيان لا ترغب فيه ، ظلم والظلم اشدّ من الكفر .
من غير ذلك لا يقدم المقترح الحالي حلا نهائيا ، ولا ضمانا لتجنب سفك الدم ، انما هو حل مرحلي للتهدئة المؤقتة ،والعودة الى صراع اشد في وقت لاحق . وهو ما يرفضه شعب كردستان على ما نعتقد .