أقسمَ لي صاحبي , ولا أدري بماذا أقسم , وما سألته عن قسمه , لكنني أعرفه من الذين يرددون ” تالله وبالله والثلاثة إسم الله”!!
وقال: أنه زار إحدى جزر الواق واق , ووجد فيها أناسا على هيأة بشر , يرفعون رايات الدين ويتحزبون بالدين ويقتلون بعضهم البعض بالدين , ويخربون مدنهم ويسبون أهلهم ويتذابحون بإسم الدين , فتعجبت من أمرهم , ووجدتني في ورطة مصيرية!!
قلت: أ تتوهم ما تقول؟!
قال: دعني أحدثك , وقد عدت لتوي بأعجوبة من هذه الديار المتدينة المتعبدة في محاريب الأباليس!!
ومضى قائلا: لقد إستيقظت من نومي عند الفجر ومآذنهم تردد “حي على سوء العمل” , وأخرى تردد ” حي على الفساد” , وعندما تساءلت عن آذانهم في الصباح , قالوا ” أنها بدعة حسنة”!!
وأضاف: ووجدتهم يتعبدون , ويتبعون كل ذي عمامة ولحية , ولديهم قادة وأتباع ويفعلون كل سيئة لا تخطر على بال , ويحسبونها من طقوس دينهم وأصول عبادتهم , فلكل قبيحة فتوى , ولكل آثمة مخرج وتبرير وتسويغ , ولكل خطيئة مراجع ذات شأن وقيمة ودور في تقرير مصير الناس.
قلت: وما يؤكد أن ما ذكرته ليس إفتراءً؟!!
قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم!!
أقسم لك كنت أحسب أنني في غيبوبة أو حلم غثيث , فلم أصدق أيامي العشرة التي أمضيتها بينهم , وحسبتني من الأموات , ولحد هذه اللحظة لا أصدق ما رأيت , فقد وجدتهم يتفاعلون بأنواع المفاسد ويرتكبون الجرائم والفظائع.
فأحزابهم في إحتراب , وحصيدها الأبرياء من مساكين البشر المهضومين المقهورين بالحاجات , والمصفودين بالرعب والمخاوف المتوالية , وإن قالوا شيئا لا يروق للمتنفذين , تعصف في أحيائهم الإنفجارات والمفخخات , التي ينسبونها إلى ما يختلقونه ويأتون به من الأعداء , الذين أوجدوهم لكي تتواصل لعبتهم القاسية المتوحشة الهادفة لإدامة الإفتراس.
قلت: ذكرت بأنهم متدينون!!
قال: نعم , لكن دينهم الفساد وسوء العمل , وأخلاقهم السلب والنهب وإنتهاك الحرمات , وتهجير الناس من بيوتهم وأخذها عنوة , ويحسبون ذلك رزقا من ربهم , وما يقومون به من مساوئ وجرائم على أنها غضب من ربهم على الآخرين , وما هم إلا ينفذون إرادة ربهم الذي يعبدون!!
قلت: ولماذا لا يتصالحون ويفكرون ببناء جزرهم ويوحدونها بدلا من التسور داخلها وتحويلها إلى معسكرات ملونة بالفحشاء؟!
قال: إنهم لا حول ولا قوة لهم إلا تنفيذ أوامر الآخرين , وتحقيق أجنداتهم , وبأخلص مما يتصور الذين يقبضون على مصيرهم ويحركونهم كالدمى عن بعد وعن قرب , فهم يعرفون ما يقومون به أسوأ من السوء , لكنهم وجدوا لذلك مخرجا , بأن الذنب لا يقع عليهم وإنما على أئمتهم الذين يأمرونهم بما يفعلون , ويحسبونهم الأدرى والأعرف وما هم إلا يتبعون.
قلت: كفانا الله شر الواق واقيون الأشاوس المتعبدون في محاريب الكراسي المُدنسة والمآسي المُهندسة!!
وتلك حقيقة ما رأيت ووعيت , ولا أزال لا أصدق ما عشته , في جزر الواق واق المعفرة بالسوء والفساد , وجميع أهلها , يسبحون بإسم ألف ربٍّ وربً يتوطنهم ويستعبدهم ويأمرهم فيفعلون ويمعنون بالشرور , وتلك أفعالهم والأيام تشهد على أعمالهم , وتوحشهم , لكنهم يبدون بهيأة بشر , وما هم إلا شر يضع على رأسه عمامة باء!!