عندما دعا الكونت يوليـان المسلمين لمساعدته في حربه ضد ملك الاسبـان روديريك عام ٧١١ ميلادية لعدم كفاية قواته العسكريّـة لمحاربة جيوش القوط العتيـّة، عبر طارق بن زيـاد مصحوبا بسبعة الاف من العبـاد المضيق الذي سمي باسمه الى الأندلس مستخدما السفن التي أعدها يوليان لنقل المدد القادم لنجدته. فكان سببُ دخولِ (فتح-غزو) العربِ للأندلس في عهد الوليد بن عبد الملك بن مروان، تنازعَ القوط أنفسهم. وبالطبع، لم يقم طارق بن زيـاد بحرق السفن لأنها لم تكن مُـلكا له أصلا أو للمسلمين. والمضحك المبكي، أنّ خروج العرب من الأندلس كان مطابقا لدخولهم، تنـازع ملوك الطوائف. وهنا أذكر مقولةً للفيلسوف الألماني هيكل:” نتعلم من التـاريخ، أنّ أحداً لم يتعلم من التـاريخ”.
وتواترت الأخبار المُفصَلـة في كتب التاريخ المُفصِلـة عن بشاعة محاكم التفتيش الإسبانية الكاثوليكية ضد المسلمين واليهود والمسيحيين البروتستانت بمباركة البابا سيكستوس الرابع التي حاول المستشرقون الأوربيون التقليل من وحشيتها كما يحاول البعض في أيامنا هذه التقليل من وحشية التطهير العرقي الذي يقوم به البوذيون في بورما ضد أقلية الروهينجا المسلمة المستضعفة بوصفهم بما فيهم وما ليس فيهم. والمضحك المبكي أيضا، أنّ الحكومة الإسبانية اعتذرت للطائفة اليهوديـة على المجازر المرتكبة بحقهم قبل مئات السنين ولم تعتذر للمسلمين أو المسيحيين البروتستانت.
تقول الأسطورة أنّ آخرَ ملوكِ بني الأحمر أبي عبد الله محمد الصغير، بعد أن سلّم مفاتيح غرناطة الى الملك فيردناند الثاني والملكة ايزابيلا الأولى عام ١٤٩٢ ميلادية، وقف على صخرة مشرفة على أرجاء غرناطة وبكى طويلا وتنهد تنهيدة حرّى عرفت بزفرة العربي الأخيرة، وهي العبارة التي أعجبتني وسببت ثرثرتي، وما أكثر الزفرات التي تطلقها القلوب الأبية والعبرات التي تسكبها العيون النقية في عصر سمته الجهل وعدم صفاء النية رغم وصوله الى الثورة الصناعية الرابعة أو الخامسة عند الأقلية.
التسـاؤلات والاتهامـات كثيـرة كمواقـف النفري ومخاطباتـه الشهيـرة، ولكن المقـام الذي يقف فيه الجميع على صعيـد واحـد هو مقام الحيـرة. فالحقيقـة دقيقـة، ودونها مفاوز عميقـة، محجوبة بألف حجاب وحجاب.
الكل يريد أن ينقذ يوسـف من البئر وما يدرون أنهم في الوقت نفسه شروه -أي باعوه- بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهديـن.
عندما أرادت الطيور أن تختار لها ملكا تَصلحُ به حالُ البلاد وتأتمـر بأمره العباد، اجتمعت في إحدى العواصم غير المعصومة من الأحقـاد. وعندما كثر الاضطراب بين ممثلي مكونات مجتمع الطيور، جاء الهدهد بكامل وقاره بعد أن نُـقِـش اسم الله على منقاره، جاء مرتديا على صدره حُـلّـة الطريقة وقد علا فوق مفرقه تاج الحقيقة، وقال:
لا يبـلغُ الحـبَ مَن في قلبـه خللُ لا يبـلغُ الحـبَ إلّا العاشقُ الجذلُ
نقّـوا النفوسَ من الأغراضِ أجمـ عِـها تجلّى عليك النـور والغـزل
فقالت بعض الطيور: زدنا أيها الهدهد إنا نراك من المحسنين، فأجاب الهدهد الذي له السبق في الطريق وقد بلغ أوجَ العظمة والتوفيق: أين أنتم من قول الملك المستغرق بالعز والجلال والكمال واعتصموا بحبل الله ـ أي القرآن الكريم- جميعا ولا تفرقوا؟ ما لي أراكم كالذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ـ أي فرقا- كل حزب بما لديهم فرحون. أين أنتم من قوله: وأنّ هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصّـاكـم به لعلكم تتقون. قطرة المـاء إن سقطت من السمـاء وتلقفتها يد نظيفة ستكون صالحة للشرب حتما وإن سقطت على زهرة أضحت كلؤلؤة تسر الناظرين، أمّـا إن تلقفتها يد ملوثة فستفقد نقاوتها وإن شُربت لتغير مذاقها، وإن سقطت نفس القطرة على سطح حار ستتبخر ولا يبقى منها شيء.
القطرة هي القطرة، ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين؟
الناس موتى واهل الحب أحياء.
معرفة المَلك لا يدركها إلا محب أفنى روحه طلبا لجلال حضرته، فلا تعجب من أفعال وأقوال من لم يصل الحب الى قلوبهم. العبادات حجاب، والمعاصي حجاب، والملك قريب من العاصي بعد ان يفرغ من معصيته، بعيد عن المطيع بعد ان يفرغ من طاعته، فالعجز للعاصي منبع للنور ولرُبَّ ذنب أدخل صاحبه الجنة، وإعجاب النفس بالعبادة منبع للظلمة.
لا ألوم المفاخر بالمعصية بل ألوم المفاخر بالطاعات، فأصلهما واحد ومرآة قلبهما غير مجلوة، فلا يأمن مكر الله إلّا القوم الخاسرون.
كيف تطلبون السجود في حضرة الملك وأنتم تستغيثون به لينقذ المسلمين المستضعفين في بورما وفي الوقت نفسه تدعون أن يهلك عباده في أمريكا بإعصار أو غيره.
الناس موتى واهل الحب أحياء.
تقدم الطاووس متفاخرا بألف ريشة من ذهب كأنه مرجع ديني تعلوه عمامة من ياقوت احمر بلون دم الذين قتلوا بسبب فتاويه وقال: لقد نازعني الثعبان واخرجني من الجنة وانا راضٍ بمنزلتي وليس لي حاجة للملك.
وأقبل الصقر كله غدر وفخر كأنه زعيم لميليشيات لا تبقي ولا تذر لواحة للبشر، تغطي عينيه قلنسوة لا يرى شيئا وقال: يد السلطان رفيقتي ولا حاجة لي بالملك.
امّـا الببغاء فكانت تلبس ثوبا من ريش أخضر بلون الدولار وفي جيدها طوق من ألماس يعمي القلوب قبل الأبصار، كأنها محطة فضائية تنشر الخبر كما يريد صاحب الأمر، رددت كلاما كثير المرارة بطعم السكر سمعته من دعاة الحرية الذين يسكنون بيت العنكبوت ذا الخيوط القوية كالفولاذ والقيم الواهية كالرذاذ، تنادي بكشف الأفخاذ وتشجيع الشواذ، ثم قالت كلمة حق يراد بها باطل وختمت مؤتمرها الصحفي بأن الطريق الى الملك قديم قد عفى عليه الزمن ورسمت للحضور خارطة طريق خالية من المحن. مسكينة تلك الببغاء المؤمنة بأبعاد عالمها إذ اعتبرتها حقيقة مطلقة غير مدركة لعالم من الحب يختلط فيه الوجود بالعدم فلا أبعاد ولا زمان ولا مكان، بل نور على نور، يهدي الله لنوره من يشاء.
ثم قامت ثلة من الطيور الصغيرة تقودهم بومة تلبس رداءً بلون خشب الصنوبر وتسكن قصرا هجره الحب داخله كنز اشترت به ذممهم واعتذرت من الهدهد.
لم يحزن الهدهد لفشل قمة الطيور ولم ينادي بقتل المخالفين من أصحاب المذاهب والديانات الأخرى ولم يلق اللوم على العلمانيين والملحدين وقال إنما انا مذكر ولست عليكم بمسيطر، وتنهد تنهيدة شبيهة بزفرة العربي الأخيرة فسطع نور قلبه لما تجلت عليه انوار حبيبه حتى غارت منه شمس تموز، وأحرقت أنفاس العاشق كل ما هو غير حق وطار بجناحين من حب المتقين يغطيها ريش اليقين قاصدا ملك الملوك، وبعد أن أفنى الروح فيه صار في مقام مقعد صدق عند مليك مقتدر، إن المتقين في جنات ونهر، فبهت الذي كفر.
الناس موتى وأهل الحب احياء.