19 ديسمبر، 2024 2:09 ص

ظل الدين لمطيرة !!

ظل الدين لمطيرة !!

بين الفينة والفينة يطل علينا صوت يعيدنا لموروث الأمثال العراقي الذي يكون واصفا حقيقيا لذلك الناعق الذي ينعق خلف الناعقين ، والمثل العراقي يقول (ظل البيت لمطيرة وطارت بيه فرد طيرة) وهذا ما نشهده اليوم واضحا في حال المؤسسة الدينية الشيعية والأصوات التي تنعق من هنا وهناك لتذب عنها الزمن والآفات التي راحت تكشف زيفها وتفضح حقيقة انحرافها عن الدين الإلهي الحق ولعل ما أطل علينا به علي العطية في مقاله المعنون (لكي لا يكون يماني آخر ولا مارق آخر) يكشف حقيقة ما يصف هذا المثل العراقي المعبر عن حال تلك المؤسسة ، حيث توهمت هذه المؤسسة بعد طول غيبة الإمام المهدي(ص) أن البيت خلا لها فهي تفعل فيه ما تشاء ، وكأنها لم تقرأ قول الله سبحانه {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}(يونس/11) فتوهمت هذا الترك الإلهي لها تأييدا وليس استدراجا وابتلاء لتنكشف حقيقة النفوس ولا يبقى لمحتج حجة.
        يجتهد فقهاء هذه المؤسسة والأصوات المسترزقة على موائدهم في قلب الصورة رأسا على عقب ليوهموا الناس أن غيبة الإمام المهدي(ص) منذ أكثر من ألف سنة إنما هي جائزة إلهية وليست عقوبة إلهية سببها إعراض الناس عن خليفة الله وداعيه ، وهذا القلب للحقائق الغرض منه تهيئة نفوس الناس لتتقبل انفرادهم بالقرار فيما يتعلق بأمور الدين بعيدا عن طائلة البحث والنظر فيما يشرع هؤلاء من حلال وحرام للناس ، وما مدى مشروعية هذا الذي يصدر منهم على وفق المنهج الإلهي الذي بينه الله سبحانه لعباده منذ الخليفة الإلهي الأول آدم(ع).
        لاشك في أن الثابت في كل الأزمان والعصور أن دين الله سبحانه لا يمثله حقا وصدقا إلا خلفاء الله سبحانه الذين نصبهم بنص شرعي ؛ خليفة لاحق عن خليفة سابق وكذلك بعلم الهي يبعدهم عن القول بالرأي وبالظن ، ودعوة الناس إلى طاعتهم امتثالا لأمر الله سبحانه لهم وفيهم ، وهذه الأركان الثلاثة هي أركان الدين الإلهي في كل زمن وبها يعرف الناس الخليفة المنصب من الله سبحانه ، وبمخالفتها ينكشف دعاة الباطل والمنتحلين للدين الإلهي زورا وبهتانا.
        بهذه الأركان الثلاثة ينكشف الزيف وتنكشف الحقيقة ، وبهذه الأركان الإلهية الثابتة تستبين الخرافة والتجهيل ، من العلم والمعرفة ، ولذا فمن يدعو الناس إلى المعرفة ونبذ الخرافة عليه أن يدعوهم إلى التمسك بالقرآن والعترة الطاهرة من أهل البيت(ص) ، فهذه وصية رسول الله(ص) العاصمة للناس من الضلال إلى يوم القيامة ، فما بال الناس اليوم تضع الموازين بآرائها وتخرصاتها وتترك ميزان الله الذي بينه رسول الله(ص) للأمة؟؟!!
        إن الجهل الحقيقي هو اتباع الرهبان والأحبار الذين يحلون حرام الله ويحرمون حلاله من دون سلطان أتاهم ، وهذا ما بينه الحق سبحانه في كتابه بقوله {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}(التوبة/31) وقد ورد بيان هذه الآية عن صادق العترة الطاهرة(ص) فقال : والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم ، ولو دعوهم إلى عبادة أنفسهم ما أطاعوهم ولكنهم أحلوا لهم حراما وحرموا عليهم حلالا فأطاعوهم فعبدوهم من حيث لا يشعرون.
        فهل سأل (علي العطية) نفسه وهو يريد إنكار علامة من علامات ظهور الإمام المهدي(ص) الحتمية : إلى ماذا يدعو الناس؟؟!! هل يدعوهم إلى عبادة الله سبحانه؟؟! أو هو بصريح العبارة وبالاستناد إلى قول الله سبحانه وبيان الإمام الصادق(ص) يدعو الناس إلى عبادة الفقهاء (الاحبار والرهبان) ، ومن المعلوم أن الأحبار والرهبان وصفان كنائيان يكنى بهما من يتصف بفعل أولئك ، وهذا الحال واقع بالنسبة للفريقين السنة والشيعة فكلاهما اليوم تبع لفقهائهم ، ولا يتبعون اثر نبي أو وصي ، بل يقولون ما قال فقهاؤهم وإن خالف صريح الشريعة الإلهية ، وليس هناك من أمر أوضح على مخالفة شريعة الله سبحانه اليوم من دعوة فقهاء السنة والشيعة إلى شرعية الحكم بالانتخاب ، وبهذا أحلوا للناس حرام الله سبحانه ، وأطاعهم الناس في دعواهم المخالفة لشريعة الله سبحانه مخالفة صريحة.
        إن أبسط إنسان يمكنه أن يعرف بأن فقهاء المدرستين أحلوا حرام الله وشرعوا لقتال الإمام المهدي(ص) بشارة رسول الله(ص) للبشرية عامة وللأمة الإسلامية خاصة ، فهؤلاء الأحبار والرهبان بتشريعهم لديمقراطية امريكا يكونون قد أعدوا الناس لمحاربة المهدي(ص) الذي نصبه الله سبحانه خليفة له على الأرض ، فكيف يشرعن فقهاء المدرستين انتخاب الناس للحاكم والله سبحانه جعل تنصيب الحاكم بيده وباختياره هو سبحانه؟؟!! ألم يسمعوا قول الله سبحانه {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً}(الأحزاب/36) ، والمهدي(ع) هو أمر الله سبحانه ورسوله(ص) المقضي ، فبأي حجة ودليل خالفه الفقهاء وشرعنوا للناس ديمقراطية أمريكا؟؟!!!
        هذا غيض من فيض من الفتاوى التي فيها مخالفة صريحة لشريعة الله سبحانه ، وفتوى واحدة تكفي على الاستدلال على مخالفة أولئك الأحبار والرهبان لشريعة الله وهي فتوى انتخاب الناس للحاكم ، وعصيان أمر الله وأمر رسوله(ص) في طاعة المهدي(ع) واتباعه ، وكاتب مقال (لكي لا يكون يماني آخر) يكشف عن هذه الحقيقة المخزية التي وصل حال الناس إليها ، فصاروا مصداقا واقعيا لقول رسول الله(ص) : يأتي زمان على أمتي لا يبقى من الإسلام إلا اسمه ولا من القرآن إلا رسمه يسمون به وهم أبعد الناس عنه ، مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى ، فقهاء ذلك الزمان شر فقهاء تحت جو السماء منهم خرجت الفتنة واليهم تعود.
        فهل يحتاج الناس إلى بيان اوضح من بيان رسول الله(ص) لحال الأمة اليوم ، فحالها بالفعل هو كما وصف (ص) فأناس هذا الزمان مسلمون بالاسم ، وليس للقرآن من وجود سوى الرسم ، ومساجدهم بالفعل عامرة بالزخرفة والتزيين والإضاءة وكثرة المصلين ، ولكنها خراب من الهدى ، فمساجدهم لا يدعى فيها الله سبحانه بل أصبحت منابر للدعوة إلى حكم الطواغيت والدعاء لهم ، فضلا على أنها مجالس للبيع والشراء والاحتفال ، والمساجد إنما شرعت وبنيت ليذكر فيها اسم الله سبحانه ولتكون منابر هداية للدين الحق الذي يمثله في هذا الزمان الإمام المهدي(ص).
        أما دعوة (العطية) إلى فلترة الكترونية للأحاديث الشريفة الواردة عن آل محمد(ص) ، فهي دعوة حق يراد بها باطل ، نعم من المهم أن يكون هناك تنقية للأحاديث الشريفة مما علق فيها من اراء الفقهاء والناس الذين يقولون بالظن وبغير علم ، ولذا فعلى الناس ان تنظر إلى الحديث لا إلى سنده ولا إلى قول العلماء فيه ، فالحكمة دالة على ذاتها بذاتها ، وليس بشهادة الناس لها ، فلا يكون القول السفيه حكمة ولو شهد له الثقلان الجن والإنس ، ولا تكون الحكمة سفها ولو أنكرها الثقلان كذلك ، لذا على الناس أن تنظر في الحديث أي في متنه وإلى ماذا يدعو ، أما ما يريده (العطية) من الفلترة هو نفسه الذي عمله الأحبار والرهبان في شريعة الله ، حيث سطروا فيها القبائح ونسبوها إلى أنبيائهم ، وشككوا في عصمتهم سواء بالتفريط في مقاماتهم وحكمتهم وإنزالهم من مراتبهم إلى مراتب عامة الناس التي تخطئ وتصيب ، أو بالإفراط بجعلهم في مقام الإلوهية المطلقة حيث يجعلونهم نورا لا ظلمة فيه فيخرجوهم من حد الإنسانية ، ليشرعنوا لأنفسهم كل ما يصدر منهم من قباحات وسفاهات كونهم ليسوا معصومين!!!
        فدعوى الفلترة ليست من اكتشاف (العطية) أو الاصوات المطالبة بها اليوم بعد ظهور دعوة اليماني(ع) واحتجاجه على الناس بحجج الأنبياء والمرسلين والأوصياء(ع) ، بل هي سنة دأب عليها الفريق الذي قرر أن يناصب الله سبحانه العداء ويحارب انبياءه ورسله وأوصياءه ويكذبهم وينكر حججهم ودلائلهم بكل الطرق غير المشروعة ، ولا أدل على ذلك من دعوة (العطية) وهو يقترح حزمة من الترميمات لتدعيم البناء المتهالك والآيل إلى السقوط ، حيث يقترح أن يكون هناك بديلا للـ(العروة الوثقى) والشروح المتكاثرة عليها التي أفقدتها روحها ، ويطالب بصناعة عبقري ينتج له شبيها لـ(كفاية الأصول) بدل من الشرح عليها ليمد شوط سلطة الفقيه على الناس لمائة سنة قادمة!! وكأن هذا الرجل يصم اذنيه ويغلق عينيه عن صيرورة الظهور المقدس للإمام المهدي(ص) ويحاول بشتى الطرق خداع الناس بإمكانية تطبيق حزمة المقترحات التي يتمناها وكأن دين الله سبحانه صار بأماني (العطية) ومن لف لفه ، وكأنه ما مر على اذنيه قول الله سبحانه {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ}(البقرة/78) ولم يطرق سمعه قول الحق سبحانه {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً}(النساء/123) ، فراح يقترح على الله سبحانه وعلى دينه مقترحات تكشف عن حقيقة ما انطوت عليه نفسه من عبادة الأحبار والرهبان ، وإنكار ما أمر الله سبحانه به!! فهل سيرعوي كاتب المقال (العطية) ويثوب إلى رشده ويتوب إلى ربه سبحانه؟؟ نسأل الله سبحانه أن يوفقه لذلك.
وهمسة أخيرة بإذنه لعله يتذكر ويتوب إلى الله سبحانه : إن صفة المارق تنطبق على من يمرق على حجة الله وخليفته ، ولذا ادعوه إلى النظر بكل ما كتبه وما سطرته يداه في مقاله المشحون بمخالفة الثقلين القرآن والعترة الطاهرة ، وما ندعوه إليه ليتبين من هو المارق عسى أن يتدارك نفسه وينصفها من جهله بحقائق الأمور.

أحدث المقالات

أحدث المقالات