الحجّةُ قائمة؛ فأدعياء التدين يظاهرون بما يخرجونه من خطاب واهن غميم؛ بل هم اشد مراسا في تدليس الحديث وتزييف الحق والزخرف من القول؛ واصحاب عروش الشريعة والافتاء والعاملون على الاجتهاد قد مردوا على الترف والغنى وما اسبغ عليهم من النعم ومن حولهم من الوعاظ باتوا اشد نفاقا من الاعراب فقد خرقوا الحدود وعصموا انفسهم وقرنوها بالاسم الذي فوقهم من ايات وصفات ليس كمثلها شيء فدامت ظلالهم الوارفة وتعاظمت قدسيات اسرارهم فشرعوا الحكم بما ملكوا من سلطة على العباد ليصبح البلاء حقا على الارض ومن عليها فسادت احكام شريعة الفساد بعد ان عبرت الابعاد في ان تكون حدث احاد ثم عبرت الابعاد في ان تكون ظاهرة كثيرة الاعداد ثم عبرت الابعاد فكانت شريعة من الاماد؛ يصاعدون المنابر فيعتلوها ثم يخرجون على العامة والسذج التابعين والمقلدين من مترديات الزمن السحيق حديثا عجيبا وما كان ذلك عليهم الا خلافا كبيرا؛ أن تحابوا وتعايشوا وكونوا كالجسد الواحد ان تداعى شاكيا؛ فهل هذا هو العلم الذي نجهل وهل هذا هو الفقه الذي لا نعلم وهل هذه حجة علينا ام حجة على الذي سنَّها فسواها؟ فما علة الموعظة ان لم تترك اثرا مشهودا وما جدوى الخطبة ان لم تترك عملا واقعا محسوبا؟ استدركوا الاسباب ثم ابتغوا الوسيلة فعهدنا اليوم قد اصبح مأثوما؛ فترى الفساد وقد ظهر في الحكم والحكام فاصبح الملك والمال والجاه رزقا مشروعا؛ وليعلم الذين يتحكمون بالعباد بدينهم ويتسلطون عليهم في عقيدتهم ان في تولّي الادعياء او النأي عنهم بالبراءة منهم وسد الابواب وبح الاصوات لن ينفع في الصلاح فتيلا فقول الحق مرهون بعدالته وفقه العلم مرهون بأحقيته؛ وحسبنا ما نرى الا اطلالاً من هيكل قد عجز ووهن ومن حوله صناع التبجيل والتقديس ومن فوقهم الذي شاء ان يرزقهم بغير حساب فتسيدوا ملوكا اندادا .
قل لو اجتمعت الاسماء المبجلة التي ملكت امور الناس بغير سلطان من علماء الامة والمراجع العظام ومن تبعهم من السادة والعلّام على ان يخرجوا على الملأ من الخاصة والعامة وبما ملكوا من الفقه والعلم المتوارث؛ بحديث او خطاب واضح مبين فيه خروج عن النمط المستديم بعنوان تجديد الفكر الاسلامي؛ مافعلوا ولن يستطيعوا الى ذلك سبيلا حتى وان صار بعضهم لبعض ظهيرا؛ وهذه حجة عليهم ان كانوا في انفسهم صادقين؛ ونحن نعلم علم اليقين وهم يعلمون بان ذلك سراب من ارث ثابت قد حفظ في قرار مكين وما اديم هذه السلاطين والاساطين الا من تلك الفتنة الكبرى والخلاف العظيم الذي اختلج في النفس المزدوجة وصار في مكنون العلقة فهو “الجين الخصيم” وما خرج من أتون عقدة التخالف والاحتراب الا من كان صاحب فكر وحظ متين .. ولن يكتب للناس عيشا كريما ولن يكف المتخالف عن المخالف قتالا ما دامت تلك النصوص الثوابت تروح وتجيء وتدور حيثما تدور تحت سلطة الاسياد والمتفقهين .. وما اصلها وما منبعها الا من فكر غابر عقيم قد كتبوه فسطروه ثم جعلوه احاديثا ومرويات في مدونات لا تحصوها؛ ثم اسبغوا عليها عصمة الدين والسياسية فاصبحت عقائداً ومذاهباً وفقهاً لا ينتج غير السفسطة والتنظير وعلوم لا نفع فيها ولا تقدير؛ علوم الكلام والاصول والرجال والاسانيد والتحقيق ليخرجوا الخطباء والمحدّثين جيلا من بعد جيل وما نفعوا ولا زادوا في العلم عملا ولا تطبيقا وان هي الا تجارة يدخلوها فيغنموا منها مالا وعيشا رغيدا؛ يعتاشون على الذين اغلقوا باب الفكر والتنوير فباتوا في جهل وما شهدوا من اصحاب المنابر الا ضلالا ظليما .. ما يحدثون الذين سلموا تسليما الا بماض سحيق من الف واربعمائة سنة مما تعدون ثم يخرجون لك الصور المتشابهات من الغيب بما سيجري عليك بعد ان تصبح عظامك رميما .. فان تحدثوا في حاضرك تأسوا عليك من المظلومية والتهميش والمسكنة وان ما يجري ان هو الا بلاء وامتحان للمؤمنين وقد كان عليهم كربا مديدا .. فكم اهلك ذلك الخطاب من الفتية والرجال وكم سُبيت من بنات ونساء وكم ادامت على الناس فتاوى الجهاد والقتال وكم من فئة مسلمة بغت على فئة اخرى بسبب التحريض والتكفير؟ .. وان كنتم في ريب مما نسطر فانظروا الى التاريخ بعين بصيرة ثم انظروا الى ما يجري اليوم اليس كل من يقاتل يكبر تكبيرة الاسلام .. اليس المسلم من احدث الخراب في المسلم؟ .. هكذا هم متسلطون وباسم الدين يجندون ويحشدون وباسم الدين يتقاتلون .. فارجعوا الى من تقلدون والقوا عليهم الحجة بان يبدأوا من انفسهم قبل غيرهم لا ان يظاهروا على الناس بالا يكونوا على الناس سلطة وهم في متاع الترف متسلطون .
فأن اطعنا القول (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) .. فكلا كلا حداثة وعلماء .. نعم نعم خرافة وخطباء؛ فهل في لغة المنابر الا التكرار والاعادة والعنعنة؟ وقد جثمت تلك النصوص قرونا من الدهر على العقول وبدون حتى ان نسال ان كان ذاك هو العلم الذي نروم وهذا لعمري يفسر بما لا يقبل الشك والريب لماذا تخلف المسلمون وهم لا يشعرون ولماذا سار الاخرون في ركب الحضارة وهم مدركون بان التاريخ ليس الا اكذوبة كبرى قد أُّخرجت على العالمين من اجل ان يتسلط الكهنة ورجال الدين ومن لبس جلباب الارث القديم؛ والمنابر كانت الوسيلة والبدعة التي ادامت السلاطين واصحابها يدعون الناس الى الرجوع في الزمن بعكس اتجاه المسير لانهم لا يملكون من العلم الذي ابدعه الاخرون شيئا ولا يملكون فكرا واضحا ممنهجا؛ يرتجلون الخطاب ولا ياخذون بالاسباب فما لهم الا التمني بالقرون الاولى بالاسلام الاول وبانه هو الحل لما حصل ويحصل ويوهمون الناس بانه كان ملائكيا رحيما عادلا لا اثم فيه ولا تثريب وكل شيء يسير فيه بمقدار ؛ وهذه الغشاوة اليوم هي من ذلك الوهم؛ فما حصل وما يحصل الا نزاع على الحكم والزعامة ومصادر الاموال والتجارة فمن كان مطلعا فليقول لنا لماذا تقاتل المؤمنين على المغانم وما سهم المؤلفة قلوبهم وما غرضه وما حكم الغنائم وكيف يمكن ان تكون اليوم شرعا محسوبا وما حكم السبي على البنات والمحصنات والامات وملكات الايمان والعبد الابق فأن كان هذا الاسلام الاول وهو الحل فأكشفوه للناس ولا تاخذنكم في دينكم لومة لائم حتى تطمئن قلوبنا ويتبين الخيط الاسود من الابيض .. وان سلمنا بهذه الحجة وعملنا بها فهل كل ما جرى على المسلمين من تخالف واقتتال وتنازع على الملك والخلافة والولاية كان على ضلال ولم يكن من الاسلام بشيء؟ وعلى الناس ان تبقى على الخلاف في العقيدة فرقا .. ثم تحسب كل فرقة بانها على الحق ناجية وان لها اليد العليا .. وما يزال المسلم في حيرة من امره فالى اي فرقة يسعى .. فهل وسع الخطاب وما يحدثون على المنابر من العلم والفكر شيئا ام هي اسفار من سلطة غابرة نحملها على ظهورنا فلا نلتفت اليها لئلا تكسر رقابنا ولا نعلم في اي غفلة نحن سائرون؟ .
على العربي المسلم من النوع الذي لازال يمتلك من الادراك والعقل شيئا نقيرا ان يحجب عن نفسه الاجترار الى الخطاب المنمق والمزوق من على منابر التسلط والا يعتبرها احسن القول فيتبعها وان عليه ان يعرض الخطاب على واقعه ويمحصه تمحيصا فان كان يطابق بيئته وعيشته فلياخذ به والا فعليه الا ينجر ويتبع القول وان كان في مظهره حسنا وان يبرأ من الكراهية والتناقض والتخالف الذي لايعمل الفكر والمنطق والعقلانية والا يتمسك في احبال العاطفية والطائفية وان هذه هي المعضلة الكبرى ولن تجري الامة الى مستقر لها ولن تكون المنطقة في ازدهار ونماء حتى يعزل الدين عن الصراع وان لا يكون واجهة تخفي من وراءها من هم اولى بامور المسلمين من انفسهم بصفات العصمة والحكمة والاصلاح والامانة ومثاليات لاتنتهي وان لا تكون الاديان شريعة تاتي ليتسلط البشر على البشر فما ترونه من تعدد الاحزاب والجماعات والحركات والمحاور ومن ورائهم الاجندات التي تحركهم وما يملكون من منابر اعلامية مدعومة ومن مؤسسات دينية ومدارس فقهية واستثمارات لا نعلمها هم يعلموها ما هي الا الوسيلة التي تلهيكم عن الغاية التي يبتغونها (السلطة) ولا يغرنكم التنابز حتى وان كان علنا وهم يختلفون ويعارض بعضهم بعضا فهذه تجارتهم وقد احترفوها واصبحوا فيها صناع سياسة ولن يبدلوا في منهجهم ولن يحدثوه ما دام هناك من ياخذ القول من المنظرين ويجعله علما ومنهجا وهو ليس الا كلام يفتقد المحتوى والفحوى؛ فما اصحاب المنابر في كل زمان ومكان الا دعاة سلطة وجاه وهم يجرون الاتباع الى احداث قد خلت لا ناقة لهم فيها ولا جمل .