16 نوفمبر، 2024 8:49 ص
Search
Close this search box.

 مع كتابات.. حكيم خاطر: الكتاب الشباب يفتقدون الجرأة والفرصة

 مع كتابات.. حكيم خاطر: الكتاب الشباب يفتقدون الجرأة والفرصة

حاورته: سماح عادل

“حكيم خاطر” كاتب فلسطيني شاب، صدر له حديثا أول رواية له بعنوان “الفتاة”، عن دار فضاءات، ولقد أثارت روايته بعض الجدل نتيجة لشكلها الغرائبي، وتناولها لموضوعات شائكة، حيث تجول الرواية داخل ذهن فتاة لا يسميها الكاتب، حتى أن الغلاف لا يظهر ملامحها كاملة وإنما يظهر نصف وجه لفتاة، تعاني هذه الفتاة من اغتراب تجاه مجتمعها، كما تعاني من صراعات نفسية وفكرية نتيجة لعدم قبولها قيم المجتمع وعاداته التي تراها مجحفة، وتتميز الرواية بأن طريقة كتابتها مثيرة للاهتمام حيث تتسم بالإيجاز الشديد وتقسيم الفصول وفق نظام معين.

تحاورت “كتابات” مع حكيم خاطر لمناقشة روايته:

“كتابات” كيف تشكلت رغبة الكتابة لديك؟

* أعتقد أنني لطالما استحوذت عليا عقلية ناقدة، ليست بالضرورة ذكية للغاية أو معقدة، وكنت دائماً أتساءل حول دوافع الأفراد والجماعات في أفعالهم واعتقاداتهم، فلم يساورني وصف الإنسان بالشر المطلق أو الخير المطلق، وكانت أولى محاولاتي المؤثرة في سن الثانية عشر من عمري، عندما حصلت معي أولى النقلات الحياتية الكبيرة، وقد كانت كفيلة لنقلي إلى عالم أفهم فيه الناس من خلال الكتب، وكانت أولى تأثراتي في كتب الدين كما الكثير من أقراني في ذلك السن، وهذا ما أثار فضولي أكثر، وقد كان تأثير ثقافتي دينياً من الدرجة الأولى، ومن ثم فلسفة الدين خلال السنوات السابقة لذلك، وكما غيري من أهل الريف، فقد كانت الشبكة العنكبوتية هي أضخم نافذة فتحت لي وكنت قد بلغت الثامنة عشر حينها، فتأثرت بالأدب والسينما والأنيمي والموسيقى والفن، وهذا كله قد دفعني إلى هذا النوع من الأدب البحثي إن جاز القول، وفي هذا طرح لأسئلة تعتريني كما تعتري الفتاة، فما الكتابة إلا مرآة تعكس صورة الكاتب بتعقيده أحياناً وسخفه وابتذاله أحياناً أخرى.

“كتابات” لماذا اخترت أن تكتب في أول رواية لك عن المرأة وأزمتها الوجودية في مجتمع شرقي منغلق؟

* اختياري للمرأة كشخصية أساسية ومركزية في الرواية جاء لإيماني بأن المرأة كائن أكثر تعقيداً من الناحية المجتمعية من الرجل، فصراعاتها المجتمعية المعتادة من حيث مكانتها ودورها والصورة الطبقية للمرأة وتوقعات المجتمع بالنسبة لها بلا شك يثقل كاهلها، وقد ارتأيت أن إضافة هذه الصراعات الاعتيادية لشخصية ذكية واعية بذاتها، ساخرة من نفسها ومن جنسها، وصراعاتها الجوهرية الميتافيزيقية الوجودية أحياناً من شأنه أن يخلق شخصية خصبة، تراودها تلك الأسئلة التي لطالما عصفت بها عقولنا على مر التاريخ الإنساني الفلسفي.

“كتابات” في رواية “الفتاة” لم هذا الإيجاز الشديد والتركيز فقط على دواخل الفتاة وصراعاتها النفسية وأفكارها الوجودية تجاه العالم؟

* كنت قد عملت على طرح الكتاب كنوع من المادة البحثية إنما بطرح فني أكثر من كونه أكاديمي، وكان ذلك حول موضوع مرض الذهان (psychosis)، وهذا يرتبط بي بشكل شخصي، حيث أنني مشخص بشكل جزئي بهذا الاختلال، ومرضى هذا الاختلال عادة ما يراودهم فكرة أن وجودهم في واقع غير ذلك الذي هم فيه، وتنتابهم هلوسات صورية تكاد تكون مذهلة، وهذا ما توحيه الرسومات (artwork) المتعددة في الرواية المحاكية لتلك الصور الذهنية التي كانت تراودني شخصياً، ومن ذلك أيضاً أحاديث الشخصية الثلاثية في النقلات، حيث أن ذرة الغبار هي أنا، وهي أيضاً الفتاة، وما كان هذا إلا محاولة مني لتفسير الفلسفة العدمية، تلك التي تخبرنا عن مدى ضآلتنا وعدم أهميتنا، كما ذرة الغبار التي كانت تطفو في الفضاء إلى ما لا نهاية، ففي مجتمعاتنا لا نزال نطلق على الاختلال النفسي “مس من الشيطان”، ولا نزال نهمله ولا نريد الاعتراف به، رغم أنه قد يكون بخطورة الأمراض العضال، وقد أتى النص بهذا السرد الفني الذي يتناول هذا الموضوع موجزاً، إنما محفزاً لإعادة القراءة وهذا ما أنصح به للقارئ إذا ما أراد أن يرى الصورة الكاملة الواضحة لهذا النوع من الصراعات.

“كتابات” نهاية الرواية فيها شيء من الغرابة وكأن الاقتران برجل هو الحل لأزمة الفتاة.. ما رأيك؟

* ليس تماماً، ما تناولته الراوية هي فترة زمنية قصيرة من حياة الفتاة ككل، نقطة انتقال من مرحلة إلى أخرى، لا نهاية سعيدة أو حزينة، هي نهاية مرحلة وبداية أخرى، الحل لم يكن الرجل ولم يكن الفتاة الأخرى، بل كان الفرصة، الفرصة من أجل الحب والحياة والاستمرار، وربما الإجابة عن تساؤلاتها لا أحد يعلم ما إذا كانت ستفعل أم لا، لكنها فرصة، وفي هذا تقبل لنفسها وما هي عليه، الرجل لم يكن الحل قط، بل بالأحرى كان الحب، فميول الفتاة ثنائي الجنس (Bisexual) أي أنها لا تهتم إطلاقاً بالجنس الآخر إلا بقدر قيمته كإنسان، وقد كانت الفرصة بالنسبة لها متمثلة بتفهم إنسان آخر لها ولماهيتها، فلم يكن هو يسوعها المخلص، بل كانت هي نبي نفسها.

“كتابات” هل تعمدت مواجهة “التابو” حين تحدثت عن حب مثلي.. أم ماذا؟

* لا أعتقد بوجود أي أمر يحظر الخوض فيه، وهذا ما تحدثت عنه في مقدمة الرواية، ففهم السلوك الجنسي للإنسان ودوافعه يكاد أن يكون معدوماً في مجتمعاتنا، وقد تناولت دراسات عديدة، فقد تناول الدكتور “ج. فيليب ريستون” موضوع الفضول الجنسي لدى الأطفال وما هو طبيعي وما هو غير طبيعي، وقد لوحظ أن الأطفال يمارسون ذلك الميول المثلي حتى يكتشفوا أجسادهم مقارنة مع غيرهم من أقرانهم، وهذا سلوك بيولوجي بحت، حتى في مملكة الحيوان، فقط أصدر الدكتور “بروس باجيمهل” كتابه (biological Exuberance) وقد تحدث فيه عن الميول المثلي والثنائي والأحادي في مملكة الحيوان، ومدى ارتباطه في الكائنات الراقية والتي تضم البشريات والإنسانيات، ولم أرد في طرحي هذا هز كيان المجتمع الديني، بل كل ما أردته هو التشجيع على فهم سليم لما في الموضوع من علوم، ومن هذا حماية أطفالنا من إيذاء أنفسهم أو غيرهم، والسماح لهم باستكشاف أنفسهم وفهم ذواتهم وأجناسهم.

“كتابات” هل تظن أن الشباب العربي أصبحوا أكثر قدرة على التعبير عن إحباطهم وتصوراتهم وأفكارهم حول العالم؟

* أعتقد أن شبابنا العربي ذكي للغاية وموهوب للغاية أيضاً، وأن العالم الحالي يزودنا بأبواب عديدة لم يتسن لمن هم من قبلنا طرقها أو الخوض فيها، فنحن لدينا كم المعلومات الهائل الذي يزودنا بآفاق تهيئنا للتفكير المنطقي السليم البناء لمجتمعاتنا، ما يفتقره شبابنا هما أمرين: الجرأة السليمة، والفرصة الدافعة.

“كتابات” ما رأيك في حالة الثقافة في فلسطين… والعالم العربي؟

* أعتقد أن مساحات الأدب المغاير والمتجدد قليلة، وتجارب الكتاب في موضوعات غير اعتيادية تقل وتنحصر في بعض الأمثلة الرائعة والإبداعية، أما بالنسبة للمثقف العربي فلا يهتم بالمطالعة كثيراً، وأظن أن هذا يرجع لأمرين، كثرة أمثلة النجاح المتمثلة في الأدب البسيط والعامي، وقلة الدعم للكاتب العربي الناشئ من قبل المؤسسات والإعلام أيضاً، فلا يصل ذلك الأدب الجديد إلى القراء، ولا يحصل الكاتب أو كتابه على فرصة حقيقية يتم فيها تقييم أدبه بحسب جودته، لا بحسب انتشاره ككاتب محقق ومعروف، أما صناعة النشر، فقد غدت صناعة رأسمالية تهتم بالكم لا بجودة الأدب، ولا نستطيع حقاً لوم دور النشر الصغيرة خصوصاً لما تتكلفه من رسوم باهظة في النشر والتوزيع وتصدير الكتب، وعلى هذا أيضاً التكاليف الباهظة التي يُثقل بها الكاتب، ومن هذا نرى العديد من الأمثلة التي أصدرت عملاً واحداً فقط لتنسل تحت غطاء النسيان والضمور.

“كتابات” هل أتاح التطور التكنولوجي ووسائل التواصل السبل أمام الكتاب الشباب؟

* لقد كان الأمر دائماً منحصراً في ثقافة المرء وبيئته فقط، أما الآن فقد أصبح الأمر يقع في ثقافة المرء وثقافة الغير، وهذا الانفتاح قد جلب للكاتب العربي آفاق وفرص وتطلعات تمكنه من الانتقال والرقي في الأدب العربي البناء المعاصر، وما أسهمت به وسائل التواصل الإلكتروني، سهولة طرح الأفكار وتبادلها بين الكاتب وأقرانه والكاتب والعوام، ونقرأ للعديد من الشباب العرب محاولات أدبية ظهرت للضوء عن طريق النشر المجاني في المجموعات الثقافية، وهذا من شأنه بناء وتطوير المعجم السردي للكاتب الناشئ والتطوير من مستواه وتبادل الأفكار والنصائح مع من يفوقه خبرة.

“كتابات” هل هنالك أعمال جديدة لك قيد التحضير أو الكتابة؟

* قد انتهيت من فترة قصيرة من كتابة مادة جديدة والتي لا تزال في مراحلها الأولى من التنقيح والتعديل والتجميل، والتي كما أعتقد فيها تطور ملحوظ في نوعية السرد، والمواضيع، وأعتقد أنه أدب أكثر نضجاً مما اعتدت عليه، وأعتقد أن رواية “الفتاة” كانت خطوة أولى موفقة للدخول إلى عالم الكتابة والأدب، وما في المادة الثانية ما هو إلى تطور طبيعي وفهم أكثر وضوحاً لنفسي وما أرغب في الخوض فيه من مواضيع وما أمارسه من أسلوب، المادة كما ذكرت سابقاً لا تزال في مراحلها الأولى، لكن أظن أنني قد سأوفق فيها.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة