إنها لحظات مدوية، اعتلت فيها أمريكا صهوة العالم، كرّست عالماً أحادي القطب. غضّ الآخرون أبصارهم وكراماتهم تضامناً مع السيد الجريح. فرصة ولا أنسب لترويض المتمردين، بدءاً من كابل المتهالكة، مروراً بطهران الثيوقراطية وبغداد المحاصرة وبيونغ يانغ النووية، وفي الطريق قصّ الزوائد العنيدة في جنوب لبنان وغزة.
«غزوة مانهاتن»: ثلاثة آلاف قتيل ومركزي التجارة، بالإضافة الى مقر البنتاغون. تبرع العالم بأجمعه لتعويض الولايات المتحدة، ربما خوفاً منها أو تزلفاً، أو دفعاً لاتهام بالتواطؤ. لم ينتصر طرف بسبب 11 ايلول مثلما فعلت أمريكا، حتى تنظيم القاعدة الذي تبنى الهجوم، انقلب عليه وبالاً ما حسبه فتحاً عبر القارات. صاغت أمريكا الأالفية الجديدة على هواها، استغلت مشاعر التعاطف والهلع، وذلك المشهد الرومانسي الذي تهاوى فيه البرج الشاهق في نيويورك. نعم، استغلته بكل حرفيّة ونجاح، وبعد أقل من شهرين اقتحمت أفغانستان وأطاحت بحركة طالبان وسط تأييد دولي. وبعد أقل من سنتين دقت طبول الحرب في الخليج وسقط نظام صدام حسين في أقل من شهر واحد، حيث تبخر الرعب الذي هدد المنطقة، وانكشف الغطاء عن الوهم: الامريكي والصدامي. وكادت العجلة تدور لتنال الدول المارقة واحدة تلو الأخرى لولا الإنزلاق في وحل الرافدين.
قسّم البيت الابيض العالم إلى فريقين: معه أو ضده. لا مجال للوقوف في الظل، القطار الامريكي سينطلق بكم أو من دونكم. طوفان الدموع لم يمهل أحداً للتفكير بروية واكتشاف ما وراء الهجوم، وكذلك لم يتمكن الاقوياء من تهدئة الغضب الامريكي حتى لا يتجاوز الحدود. لكنه فعل وعبر كل الخطوط، ووقف العالم متفرجاً أو مستسلماً.
لم تعد حجة 11 ايلول صالحة للإستهلاك، عفا عليها الزمن واستفاق المجتمع من هول الصدمة، اليوم نشهد نظاماً جديداً على أنقاض 11 ايلول. وكذلك، فإن الثأر الامريكي لم يشفِ الغليل، وقد خلق له أكثر من عدو، وتطاول عليه من كان خائفاً يرتعد. لكل فعل رد فعل يساويه في القوة ويعاكسه في الإتجاه، إلا الغضب الامريكي، تعدى كل قوته، واتجه إلى كل شيء. لكنه واجه رد فعل عنيف، كوريا الشمالية تصر على توريث الزعامة والمشاكل، ايران قوة متعاظمة، سورية عصية على التغيير.
[email protected]