منذ اكثر من ثلاثة اشهر زار ترامب السعودية وعقد هناك عدة صفقات بقيمة تجاوزت الـ400 مليار دولار، وعقد هناك القمة الإسلامية الأميركية والتي قال ترامب فيها بصراحة إن الإسلام المتطرف يأتي من دولكم وخص بذلك الدول الخليجية، وطالبهم بتنظيفها من الارهاب.
ترامب الذي لا يرحم بأسلوبه العنصري المزعج للعالم أجمع قد يكون طلب احتواء العراق ضمن العالم العربي من جديد، لضرب إيران وإغلاق أهم بواباتها للنفوذ إلى الدول العربية، لمحاولة إخضاعها مستقبلا، ولكن بخطوات منها إعادة الاستقرار للعراق واعتباره ممثلا لاميركا مستقبلا في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي فان على الخليج إعادة قوة العراق كما أسقطوه سابقا.
قطر التي تلقت الاتهامات من الامارات والسعودية ومصر بدعم الارهاب في المنطقة، حاولت أن تستنجد بتركيا وإيران، وخاصة الاخيرة الباحثة عن هكذا بوابة خليجية، حتى وان لم تكن بقوة وحجم العراق، الامر الذي جعل مخاوف الخليج تزداد، خاصة وأنها لا تملك حليفا شيعيا أساسيا في المنطقة، وبما أن ترامب هو من فتح أعينهم على العراق، وحثهم على محاولة صنع حليف شيعي قوي، ولكن بصبغة عربية بعيدة عن ايران، لم تجد تلك الدول أقوى وأكثر استقلالا من مقتدى الصدر الذي يعتبر افضل شخص بالفترة الحالية، كونه قادرا على تحريك الشارع، ولديه فصيل عسكري خاص، ولا يرضخ لايران على حساب العراق، وقادر اذا ما توفرت لديه الظروف المناسبة على ايقاف المد الإيراني، لاسيما وأنه ذو تجربة سابقة مع الاميركان، وبالتالي فان السعودية تطبق المثل القائل “اتغدى به قبل ما يتعشى بي”، وفعلا بدت الخطوات السعودية في اقترابها من العراق ناجحة جدا قياسا بالفترة الزمنية والارث الثقيل من الخصومة والندية، فسرعة فتح الحدود، وحفاوة استقبال الحجاج، وتبادل الزيارات بين مسؤولي البلدين، والاتجاه إلى فتح قنصلية للسعودية في النجف “فاتيكان الشيعة” كما يحلو للبعض تسميتها، خطوات حثيثة لتحقيق هذا النهج.
الصدر مفتاح للدخول الى العمق الشيعي، ليس في العراق فحسب، بل حتى إلى الداخل الإيراني أيضا، خاصة وأن أتباعه يتواجدون هناك أيضا وبكثرة، الأمر الذي يجعل التقرب من الصدر بمثابة ضرب عصفورين بحجر واحد، وأن تقوية العراق واعادة الاستقرار له يعني إعادة بناء السد العربي أمام المد الإيراني، السد الذي تهدم في ٢٠٠٣ مع سقوط النظام العراقي السابق، والفكرة هي تحويل مواجهة السنة للشيعة والتشيع إلى مواجهة العرب للفرس إن صح التعبير، وهذا أمر قد يساعد العراق من أجل العودة إلى عافيته حتى لو ببطء.
الفكرة انطلقت من أن العراق ذو أغلبية عربية مؤثرة، لذا فانه سيظل بحاجة الى العرب والعكس صحيح أيضا، وهذه حقيقة لا يمكن نكرانها أبدا، ولكن عليه أن يحافظ على العراقيين الآخرين أيضا، والابتعاد عن النزعة العنصرية القومية التي كلفته الكثير في الانظمة السابقة، والالتزام بمبدأ المواطنة، ولكي يواكب العراق التقارب العربي منه، فان عليه أن يحاول لملمة شتاته من جديد، والتغلب على المصلحة الشخصية والحزبية و القومية وحتى الدينية والطائفية، وتغليب المصلحة الوطنية، وجعلها اولى خيارته في أي اتفاق داخلي أو عربي أو ايراني أو تركي وحتى لو كان غربيا، فالعراق اهم و اكبر من اي اعتبارات واتفاقات.
ما قام به الصدر من زيارات رسمية مع أهم دولتين خليجيتين هما السعودية والامارات، ولقاءه بالشيخ أحمد الكبيسي كأخوين عراقيين أمر يبعث بعض الأمل لعودة العراق إلى ما قبل ٢٠٠٣ كمكانة، وليس كسلطة، خصوصا وأن الصدر ليس هو كل المشروع، إنما هو أحد أطرافه أو درجاته، فكما ذكرت أعلاه أن الصدر بوابة للعمق الشيعي، من أجل تغليب الشيعة الوطنيين، وتفوقهم على نظرائهم الطائفيين الذين يعتبرون ايران مرجعية لهم، فكذلك سوف يتم إبعاد السنة الطائفيين المتشددين وتنقية خطابهم، وصولا الى صناعة تيارات جديدة وطنية، تعتمد الخطاب الوطني، وهذا لن ينجح الا بإسقاط رموز العملية السياسية الحالية، بما فيهم الصدر ذاته، والذي أدخل ابن شقيقه الشاب أحمد الصدر، وكلفه بتشكيل صورة جديدة للتيار الصدري على الأساس الوطني المطلوب، وهذا ما سنشاهده في الانتخابات البرلمانية القادمة.
أما المالكي والبارزاني فقد أصبحا ورقة منتهية الصلاحية، فالأول لم يعد يحظى بتلك الشعبية، ولا حتى القوة العسكرية، حيث أن المتداول الآن هو أن العبادي أقوى منه داخل حزب الدعوة، وأن رئيس الوزراء السابق القوي لن يكون مرشحهم في الدورة القادمة، أما البارزاني فقد تخلت عنه السعودية من أجل هدف أكبر، وهو العراق الجديد القوي، ليكون من جديد حاميا للبوابة الشرقية للوطن العربي، ليس عن طريق الصراع المسلح مع ايران، بل عن طريق الوطنية التي تعتبر العروبة أحد أهم ركائزها، كما أنها لن تفرط باردوغان من أجل البارزاني الذي بنى كل آماله وطموحاته على مشروع الاستفتاء الذي لاحت بوادر فشله منذ مدة ليست بالقصيرة.
وهنا لن يكون من مصلحة إيران رفض المشروع، لأنها ستظهر بمظهر العقبة أمام تقدم العراق واستقراره ومشروعه الوطني، الامر الذي سيخسرها نفوذها في البلد العريق، لذا سيكون من مصلحتها التماشي مع هذا المشروع، ومنافسة الدول الأخرى في تقوية العراق وتعزيز مشروعه الوطني، طالما هو لا يشكل خطرا عليها.
ترامب في زيارته للسعودية عقد الكثير من الاتفاقيات، وكان العراق من ضمنها كما اعتقد، وبما أن في الأمر خيرا للعراق، فلما لا نرحب بأي اتفاق يخدم وطننا، ويعيده كما كان وأفضل، وهنا على العراقيين أنفسهم التفكير بتجديد خطابهم الديني والاجتماعي لنبذ المرحلة السابقة بكل مساوئها، ليتناسب مع المرحلة الجديدة التي لن تكون خالية من الصعاب.