كثيرة هي الأمور والأفكار التي نأخذها متسالمة بدون أي تحليل لها ومدى صحتها وصحة انطباقها على الواقع التاريخي أو الواقع الحاضر ونعيشها على أنها حقيقة ونتبناها وندافع عنها بضراوة ويتبين لنا بعد التحقيق فيها أنها ليست كذلك بل هي مخالفة تماماً لما مطروح ولما تسالمنا عليه.
وكأن الأمر عبارة عن خديعة يصدقها الكل من يؤمن بهذه الأفكار ومن يعارضها وهي عبارة عن أكاذيب تاريخية ما زالت سارية لحد الآن على الكل جاهلهم وعالمهم من عامة الناس ومثقفيهم.
ومن هذه المتسالمات هو ما يطلق على بعض الأحزاب التي ارتقت وتسلطت واستلمت السلطة وشكلت الحكومات بأنها إسلامية.
وإذا أمعنا النظر في هذه المتسالمة وحاكمناها تاريخياً وحاضراً نجد أنها تعتبر أكذوبة التاريخ الخالدة التي ما زالت المجتمعات تتداولها وتعتقد بها.
ولنأخذ بعض الأمثلة لتوضيح الفكرة، ففي وقتنا الحاضر في العراق مثلاً يتم تسمية الكثير من الأحزاب والجهات التي تسلمت السلطة في العراق على أنها إسلامية، ويتم ترتيب الآثار السلبية على الإسلام بسبب إخفاقها في إدارة الدولة وتسيير المجتمع وإقامة العدالة الاجتماعية وتحقيق السعادة للناس.
وبما أن هذه الأحزاب والجهات قد حكمت وتسلمت السلطة فلا يحق لأحد أن يدعي أن سبب تسميتها هو ادعائها وتبنيها للإسلام نظرياً دون تطبيقه ، لأن الادعاء والتنظير ممكن أن يخدمها قبل استلامها السلطة أما بعد تأسيسها للحكومات فالتطبيق هو الأمر الذي تحاكم عليه.
ومن المبادئ والموازين والمقاييس التي تحاكم عليها الأحزاب الإسلامية هو عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر عندما بعثه والياً على مصر، ونقارن هل طبقت الأحزاب الإسلامية من ذلك العهد شيئاً، وأيضاً يمكن أن نقارن بين الحكومات والأحزاب الإسلامية وبين غيرها من الحكومات.ومن منهما طبقت العدالة الاجتماعية ومن هي النزيهة أو الأكثر نزاهة.
وسنأخذ مقاطع من عهد الإمام علي(عليه السلام) لمالك الأشتر واترك المقارنة للقارئ ومما جاء : (فاملك هواك وشُحّ بنفسك عمّا لا يحلّ لك)، (وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبّة لهم، واللطف بالإحسان إليهم، ولا تكوننّ عليهم سبُعاً ضارياً تغتنم أكلهم)، (أنصف الناس من نفسك ومن خاصّتك ومن أهلك ومن لك فيه هوى من رعيتك)، (فإنّ سخط العامّة يجحف برضا الخاصّة، وإنّ سخط الخاصّة يغتفر مع رضى العامّة. وليس أحد من الرعيّة أثقل على الوالي مؤونة في الرخاء، وأقلّ له معونة في البلاء، وأكره للإنصاف، وأسأل بالإلحاف، وأقلّ شكراً عند الإعطاء، وأبطأ عذراً عند المنع، وأضعف صبراً عند ملمّات الأُمور، من الخاصّة، وإنّما عمود الدين وجماع المسلمين والعدّة للأعداء أهل العامّة من الأُمّة)، (أيقن أنّ شرّ وزرائك من كان للأشرار وزيراً، ومن شركهم في الآثام وقام بأُمورهم في عباد الله; فلا يكوننّ لك بطانة)، (لا يكوننّ المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء; فإنّ ذلك تزهيد لأهل الإحسان، في الإحسان، وتدريب لأهل الإساءة على الإساءة).
فلا عدل ولا رحمة ولا إنصاف ولا إرضاء للعامة ولا التزام بالمحرمات الشرعية أو القانونية مع استباحة غريبة للمال العام. بل وصل الأمر كما يقول أحد أعضاء مجلس النواب أن حماية البارات يتولاها حزب إسلامي، والملاهي يحميها حزب إسلامي آخر، وقاعات القمار حزب إسلامي ثالث.
أما حال الحكومات والحكام في السابق فقد كانوا أتعس، وكما يقول أحد المفكرين المعاصرين معلقاً على وصف ابن العبري لحال أحد الحكام وهو (خوارزم شاه) وانحرافه: في الربيع توجّه إلى نواحي ديار بكر، وصار يُزجي أوقاته بالتمتّع واللهو والشراب والطرب، كأنّه يودّع الدنيا ومُلكَها الفاني.
(هذا هو واقع حال السلاطين الخلفاء أئمة المسلمين وأمراء المؤمنين، ولا أدري لماذا التزييف والتدليس بتسميتها بالدول والحكومات الإسلاميّة وهي في حقيقتها وواقعها علمانيّة وأكثر انفتاحًا وإباحيّةً وعِلمانيةً مِن العلمانيّة نفسها؟!! فمَن منكم شاهد أو سمع خبرًا يقينيًّا عن أحد حكام العرب أو حكام البلدان الإسلاميّة أو حكام الدول الغربيّة أنّه فعل مثل ما كان يفعل خوارزم وأمثاله الفسقة الفجرة، في الجهر والعلن، في السلم والحرب، في الصباح والمساء، والناس تُباد، والبلاد تخرّب وتدمّر وتُزال على أيدي الغزاة(المغول)؟!! فأي دين، وأي أخلاق، وأي عقل، وأي إنسانيّة، تجعل أو تقبل أن يكون مثل هؤلاء أئمة وخلفاء يحكمون باِسم الإسلام؟!!).
وبعد هذا فهل يحق لنا أن نطعن بالإسلام نتيجة تسلط مثل هؤلاء الحكام والشخصيات والأحزاب والحركات؟