المادة ، حوار مع طارق عزيز ، اجراه الكاتبان الفرنسيان بياتريس بوفيه و باتريك دونو ، نشر في مجلة السياسة الدولية الفرنسية عدد خريف 1999 . ولأن الحوار نشر في العام المذكور ، لذا ألفت انتباه القارئ الى مراعاة الظروف الزمانية للأفكار والاراء التي وردت فيه . ولأهمية ما ورد فيه وفائدته في كتابة تاريخ مرحلة مرَّ بها العراق ارتأيت ترجمته اعماماً للفائدة.// المترجم
س. عند اندلاع الحرب في كوسوفو ، تم استبعاد الأمم المتحدة في البداية ولكنها أصبحت ضرورية في الحل السياسي للنزاع وإيقاف الضربات . وفيما يتعلق بالعراق فأن الأمم المتحدة هي الطرف الرئيسي لنظام العقوبات وبقاء الحظر . ما هو تقييمكم لدور الأمم المتحدة في الأزمة العراقية ؟
ج. لنُذكر أولا بأنه في الخامس عشر من شهر كانون أول 1998 صباحا ، قررت اللجنة الخاصة سحب خبرائها دون إبلاغ الأمين العام الأمم المتحدة بذلك ، على الرغم من أن اللجنة الخاصة تسمى رسميا “”هيئة تابعة الى مجلس الأمن”” . وفي اليوم التالي ، السادس عشر من كانون أول أجتمع مجلس الأمن لتناول تقرير ريشارد بيتلر . وعليه فأن عمليات القصف بدأت عندما كان مجلس الأمن يتناقش . وإذا كان يبدو أن الأمين العام الأمم المتحدة لا يملك سلطة على سلوك أعضاء مجلس الأمن ، فان ما يثير الدهشة هو انه لا يملك سلطة على هيئة تابعة لمجلس الأمن وتعمل تحت إشرافه ويعين رئيسها . وقدمنا عدة مرات شكاوى للأمين العام من تصرفات بعض أعضاء اللجنة ، ورد علينا بأن هذا الأمر هو من اختصاص مجلس الأمن الذي لا يستطيع من الناحية الموضوعية ان يجتمع في كل مرة تكون هناك مشكلة . وعليه فان اللجنة الخاصة هي هيئة تم تشكيلها بشكل خاص للتجسس على العراق . وهي من الناحية النظرية تابعة لمجلس الأمن ولكنها في الواقع تعود للحكومتين الأمريكية والبريطانية .
س. ماهو تصوركم للتدخل الأمريكي في كوسوفو لمساعدة سكان أكثريتهم من المسلمين ؟
ج. لكي نكون صريحين ، فأننا لم نأخذ أبدا بالدعاية الأمريكية التي تؤكد على إن الولايات المتحدة قلقة بشأن مصير المسلمين في يوغسلافيا السابقة . وفي الواقع لدينا في منطقتنا تجربة قديمة حول التطهير العرقي بعد الذي تعرض له الشعب الفلسطيني حتى قبل إنشاء دولة إسرائيل وذلك في المناطق التي كان يسيطر عليها الصهاينة . ولقد شاهدنا أيضا ما حصل في البوسنه حيث ساند الأمريكان في البداية المسلمين ثم أنشئوا من بعد دولة الصرب والكروات والمسلمين . ولا يظهر أي شريط تلفزيوني كيفية عمل هذه الدولة . ونفس الشيء بالنسبة لتركيا : لقد مارست الولايات المتحدة الضغوط لكي لا تدخل تركيا الى الاتحاد الأوربي وذلك لسبب واحد هو لان الأتراك مسلمون .
س. لماذا هذا التدخل في كوسوفو حسب رأيكم ؟
ج. حسب رأيي فأن النظام الصربي كان النظام المستقل الوحيد تجاه السياسة الأمريكية . ولقد أشرت مؤخرا في موسكو الى أية درجة كانت يوغسلافيا البلد العزيز لدى الغربيين حيث قدموا لها الديون والمساعدات والاحترامات وذلك لأنها كانت مستقلة تجاه الاتحاد السوفييتي السابق . ولكن عندما سقط النظام السوفييتي فان يوغسلافيا السابقة بقيت مستقلة . وخرجت بهذا الشكل من النظام الأمريكي الأطلسي ، فأصبحت موبوءة . وبالطبع ارتكبت أخطاء ولكن تم تضخيمها بواسطة كاميرات التلفزة . أعتقد إن أوربا فقدت جزء كبير من استقلاليتها بمشاركتها في الحرب التي لا يتوجب عليها الآن تحمل نتائجها في منطقتها . والولايات المتحدة تقع على بعد آلاف الكيلومترات .
س. هل تشعرون بنقاط مشتركة مع يوغسلافيا التي تتقاسمون معها “الدولة السيئة” او الدولة المارقة ؟
ج. أنا لا أقول بأنه لم تكن هناك مشاكل في يوغسلافيا ، ولكن شن حرب من هذا النوع ضد دولة أوربية بدون غطاء الأمم المتحدة ، هو عدوان القوي على الضعيف ، مثلما في العراق عام 1991 . إن عدوان عام 1991 أخذ شكل قرار من الأمم المتحدة وتم تشكيل تحالف من الدول، ولكن في جوهره وفي نتائجه كان عدوانا أمريكيا حيث إن التحالف كان غير مضمون ومؤقت ، واختفى اليوم بشكل تام ، ولم يبق سوى حلف البريطانيين والأمريكان .
س. منذ انتهاء حرب الخليج توالت الأزمات بين العراق والمجموعة الدولية . والأخيرة منها كانت الأخطر . ومع ضربات كانون اول 1998 ، توقفت ترتيبات الأمم المتحدة في العراق بشكل تام، وذلك في وقت لايزال فيه الحظر الذي هو الأطول والأقسى في هذا القرن يعصف بالسكان . ما هو تحليلكم للمأزق الحالي ؟
ج. لنعد الى النقطتين الأساسيتين اللتان أدتا الى وضع الحظر . لقد جاء القرار 687 بعنصرين جديدين كليا مقارنه بالقرارات السابقة المتعلقة بالعراق والكويت : الاعتراف المفروض بالحدود مع الكويت وقضية نزع الأسلحة . منذ عام 1994 قبلنا الاعتراف بحدود الكويت بدون حصول نقاش جوهري . لقد كان الأمر يتعلق باتخاذ قرار سياسي ، واتخذه العراق . إن قضية نزع الأسلحة تحمل نفس الطبيعة . وبنفس الشكل يمكن ان تحل بستة أشهر ا و ان تستمر عشرات السنين ، كل شيء يعتمد على المبدأ والأسلوب .
إن اللجنة الخاصة تشكلت كهيئة أنكلو ـــ سكسونية هدفها الحقيقي ليس نزع أسلحة العراق وإنما إسقاط النظام الحالي ، ومن أجل تحقيق هذا الهدف اتبعت اللجنة الأسلوب التالي : أولا الإبقاء على الحظر من خلال التأكيد بشكل منتظم أمام مجلس الأمن بأن مهمتها لم تكتمل ، ومن ثم ممارسة أنشطة تجسسية لحساب أجهزة الاستخبارات البريطانية والأمريكية التي تستخدم في مخططاتها الهادفة الى إسقاط النظام .
س. كيف تفسرون إن هذه الضربات وبشكل متناقض جاءت في الوقت الذي استعدتم فيه نوع من المصداقية ؟
ج. منذ عام 1991 نددنا بتصرفات اللجنة الخاصة واحتججنا على التجسس ولكن في ذلك الوقت لم يتم الاستماع إلينا . وكان أعضاء مجلس الأمن في أفضل الأحوال لا أباليين . لقد كان لدى الصين أحكام صائبة ولكن لم تتدخل . كنا سجناء هذا الصمت . وعندما كانت هناك أزمات ، كان مجلس الأمن يتبنى بانتظام قرارات تجدد كل ثقته باللجنة الخاصة وتعطيها حتى امتيازات وسلطات أكثر . ومع مرور الزمن أصبح من غير الممكن المساس باللجنة الخاصة ، مثل البقر المقدس في الهند ، منذ نهاية عام 1994 وبداية 1995 تغيرت الأمور حيث بدأت فرنسا والصين وروسيا تهتم بتصرفات اللجنة الخاصة ، وطلبنا حينها من الحكومة الروسية أن تقوم بإدخال خبراء منتخبين ومستقلين فيها للحصول على صورة صحيحة عن الوضع ، اعتبارا من ذلك شعرنا بتحسن . وفي نفس الوقت تحسنت العلاقات بين فرنسا والعراق ، وقمت بزيارات الى باريس حيث نبهت المسؤولين الفرنسيين حول مواقف اللجنة الخاصة . الخبراء الفرنسيون الموجودين ميدانيا قاموا بتقديم تقارير ، وأحست باريس بأن هناك شيء منحرف في سلوك اللجنة، وعلى الرغم من ذلك فان اللجنة الخاصة استمرت بالتأكيد في تقاريرها بأنها لم تنهي عملها . وكنا دائما في طريق مسدود . ومن هناك جاءت الأزمات المتكررة . لقد حل ريشارد بيتلر محل رولف أيكيوس على رأس اللجنة ، ولقد وجدته غير منصفا تجاهنا ، حيث كان يرفض الاعتراف بالتقدم الذي تحقق وبدأ بطرح قضايا لم تكن في الحقيقة سوى ذرائع لتمديد الحظر . فيما يتعلق بالصواريخ كان الملف منتهيا من الناحية العملية . وقام بيتلر بتقديم مجموعة من الأسئلة كان يتوجب علينا الإجابة عليها . وعلى سبيل المثال كانت إحدى الأسئلة حول عدد المرات التي تعطلت فيها شاحناتنا عند نقل المحروقات الى مواقع التدمير . إن المناقشات مع بيتلر كانت هي الأصعب في كل حياتي العملية . كنت أعرف إن الطرف المقابل يكذب ويخلق مشاكل غير معقولة وعديمة الأهمية لتمديد العمل .
س. هناك بلدان تحمل بالأحرى نوايا طيبة تجاهكم مثل فرنسا ، تؤنب في هذه الأثناء تشددكم وبشكل خاص خلال أزمة تشرين أول 1998 التي أدت الى التدخل العسكري في كانون أول 1998 . فلماذا عندما كان صوتكم يسمع ويصغى إليه ، تحملتم مسؤولية قطع الحوار مرة أخرى مع الأمم المتحدة ؟
ج. لقد أوقفنا في شهر تشرين أول تعاوننا مع اللجنة الخاصة وأبقينا في نفس الوقت على برنامج الرقابة . وفي تشرين أول أوقفنا كل أنواع التعاون وبعد تدخل الأمين العام للأمم المتحدة وفرنسا وروسيا والصين ، أعطينا اللجنة الخاصة إمكانية العمل عند منتصف شهر تشرين الثاني . وقلت لمحدثين في ذلك الوقت سفراء فرنسا وروسيا ، بأنني لو لم أضع حدا لمناورات بيتلر لكنت قد اعتبرت نفسي ساذجا . في الآخر قدمت اللجنة تقريرا سلبيا الى مجلس الأمن . وهذا التقرير كان الذريعة التي استخدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا للقيام بعدوانهم العسكري .
س. في هذا المأزق التام ، ما هي اقتراحاتكم للخروج من الأزمة ؟
ج. إن الوضع تطور اليوم . أولا هناك شعور عام بأنه لم يعد بالإمكان التعامل مع بيتلر وان اللجنة الخاصة لم تتصرف بنزاهة . في كانون ثاني 1999 تم إنشاء ثلاث لجان من قبل مجلس الأمن يرأسها سفير البرازيل . فيما يتعلق بنزع السلاح فان اللجنة المكلفة بذلك توصلت الى إن الذي تبقى حله يمكن ان يتم في إطار نظام الرقابة . وهذا يعني ان عمليات نزع السلاح تحققت وان نظام الرقابة الذي تم وضعه قبل أربعة سنوات لم يسجل أية مخالفة . وعليه فأن هناك إجماع قد حصل لتفضيل نظام الرقابة ، لقد تم تقديم الأفكار الفرنسية ـــ الروسية ـــ الصينية : وهي تقترح تعليق العقوبات وإبقاء الرقابة المستمرة ، وعند تحقيق المطالب الأخيرة ، رفع العقوبات بشكل نهائي .
س. ما الشيء الذي تجدونه افضل من المشروع الروسي ــ الصيني ــ الفرنسي مقارنة مع المشروع الفرنسي الذي تم الإعلان عنه في كانون ثاني الماضي والذي كان يقترح أيضا رفع الحظر ؟
ج. لأسباب جوهرية ، فمنذ استئناف العلاقات مع فرنسا والتي تعود الى اللقاء الأول بيني وبين الآن جوبيه تم الاتفاق على بعض المبادئ الأساسية . فرنسا تعود الى التفسير القانوني للقرارات لا أكثر من ذلك ولا أقل . إن هذا الموقف يرضينا لأننا نجد فيه ضمانا لحقوق العراق . إن المقترحات الفرنسية التي أعلنت في كانون ثاني 1999 تشكل خروجا عن قاعدة التفسير القانوني. صحيح أنها تقترح تعليقا للعقوبات بعد مرور ستين أو مائة يوم على عودة نظام رقابة . ولكنها تفرض شروط جديدة تمسنا . إن وضع نظام رقابة مالية باسم الشفافية على الموارد المالية لدولة العراق يعني إخضاعنا لسلطة الأمم المتحدة عندما نريد شراء شيء . إن شرط الشفافية المالية لا يوجد في قرارات مجلس الأمن .
س. أليس لهذه الرقابة وجود في الواقع حيث إن لجنة العقوبات تعطي موافقتها على العقود التي يوقعها العراق ؟
ج. إن موارد بيع النفط تخضع للجنة . وباستثناء الجزء الذي يستقطع إلزاميا فان العراق حر في استخدام أمواله ، ويمنع عليه استيراد أسلحة ومعدات للاستخدام العسكري ، ولكن ماعدا ذلك فأنه يستطيع شراء كل شيء من خلال اختيار مجهزيه بنفسه . لقد دهشت من قيام فرنسا بتبني مقترحات كندية تخضع عقود استثمارات النفط في العراق الى رقابة صارمة للأمم المتحدة . إن المشروع الفرنسي الصيني الروسي المشترك أفضل لأنه يدعو الى تعليق العقوبات ستون يوما بعد عودة نظام جديد للتفتيش . هذا كل شيء . فهو يقوم بتعليق العقوبات بعد تحقيق ماتبقى القيام به في مجال نزع الأسلحة ، بدون شروط إضافية . وفيما يتعلق بالمقترحات البريطانية التي تعطي الحرية للأمم المتحدة لتقديم العون الى أكثر الناس عوزا فإنها تشكل إهانة . لدينا نظام رعاية اجتماعي يعمل منذ سنوات .
س. هل تخشون أن تصطدم هذه المفاوضات مهما كانت نتائجها بالفيتو البريطاني والأمريكي ؟
ج. السلطة هي الآن بين أيدي مجلس الأمن الذي يعتبر الجهة الوحيدة التي يحق لها أن تقرر من الناحية القانونية بما يتعلق بالحظر . ولكن كل عضو في مجلس الأمن يستطيع أن يوقف قرار بواسطة الفيتو الذي لديه . ولكن الولايات المتحدة وبريطانيا لديهما برنامجهما الخاص حول العراق . فهما تريدان إسقاط النظام . إن رفع الحظر سيؤثر على تحقيق هذا الهدف . وعليه فانهما تفعلان كل شيء لمعارضته ، هناك أفكار يتم مداولتها داخل مجلس الأمن ونحن نحاول إيجاد تسوية لكي تقبل الولايات المتحدة بصيغة جديدة .
س. الحظر يدمر العراق ، وأكثر بالتأكيد مما تفعله حرب تقليدية . إن الوضع الصحي والغذائي مأساوي ، وهناك نصف مليون حالة وفاة لأطفال صغار ، إضافة الى التأخر الذي من الصعب إزالته في ميدان التعليم والتنمية . كيف تفسرون صمت وسائل الإعلام حول هذا الموضوع ؟
ج. إن كاميرات التلفزة تنقلت خلال العشر سنوات الماضية حسب القرارات الاستراتيجية الأمريكية. في عام 1991 جميع الكاميرات كانت في الصومال ، وكنا نرى كل يوم صور أطفال انتفخت بطونهم وأمهاتهم تحتضر . وبعد انسحاب القوات الأمريكية ، انسحبت الكاميرات أيضا . ولقد مر الآن زمن طويل لا نشاهد فيه شيئا عن الصومال . ونفس الشيء بالنسبة لهاييتي حيث يبدو أن الولايات المتحدة وجدت فيها حلا يلائمها . وأنا على سبيل المثال لا أعرف ماذا يحصل فيها . هل هناك ديمقراطية ، طغيان مجازر ؟ انه لغز . وفي يوغسلافيا نفس الشيء كانت عدسات التلفزة ، عدسات سياسية ، من أجل تنفيذ استراتيجية إذا تم قتل ألباني فإن ذلك يشكل خبرا . وإذا تم قتل عشرة آلاف شخص في سيراليون فان ذلك لا يشكل خبرا . إننا نجد دائما سياسة المكيالين والمعيارين .
س. ولكن انتم أنفسكم لماذا لاتفتحون بلدكم بشكل أكبر أمام وسائل الإعلام ؟
ج. لدينا هنا في بغداد مكتب ل ( سي . ان . ان ) الصحفيون لم يطلبوا أبدا تصوير مخيم للاجئين الأكراد الأتراك على سبيل المثال الموجودين لدينا في الشمال وتديره المفوضية العيا للاجئين . ان أكراد العراق في وسائل الإعلام هم مقاتلي الحرية بينما أكراد تركيا يعتبرون خطيرين وإرهابيين: مرة أخرى معيارين ومكيالين .
س. رسميا انتهت عملية ( ثعلب الصحراء ) منذ التاسع عشر من كانون أول 1998 وعلى الرغم من ذلك فان الضربات مستمرة . لماذا ؟
ج. العدوان الأمريكي البريطاني مستمر . الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا قامت بفرض مناطق حظر جوي في شمال وجنوب البلد منذ أيار 1991 . فرنسا انسحبت نهاية عام 1996 من مناطق الشمال . واوقفت بشكل نهائي عمليات تحليق طيرانها بعد عدوان كانون أول الماضي دون أن يكون ذلك انسحابا رسميا . لقد قررنا تحدي هذا المنع . حسب الرقم الأخير لقد حصلت حتى نهاية حزيران تسعة آلاف طلعة . وهم يضربون مناطق هي جزء من المخطط الأمريكي لزعزعة النظام السياسي وإسقاطه .
س. الأمريكان اقترحوا محاكمة صدام حسين والمحيطين به من قبل محكمة دولية على جرائم ضد الإنسانية . وهو الوضع الحالي لسلوبودان ميلوسوفيتش . فبماذا يوحي لكم هذا المشروع ؟
ج. أنها عملية ابتزاز أمريكية . وإذا كانت هناك محكمة عادلة فيتوجب محاكمتهم هم كمجرمي حرب . فهم الذين شنوا حربا ضد العراق تحت اسم الأمم المتحدة . رسميا ، هذه الحرب كان يجب ان تخرج العراق من الكويت . فما الذي فعلوه ؟ دمروا العراق وقتلوا مدنيين . وفي كل نزاع فان موقف الشعب وحده يؤخذ في الحساب ، والقائد يستمد قوته من الوثاق الذي يجمعه بشعبه . ان هدف صدام حسين هو ليس ان يكون شعبيا في الولايات المتحدة ولكن لدى شعبه والأمة العربية.
س. إذا كان الشعب يساند بالإجماع صدام حسين فلماذا لا يتم تنظيم انتخابات لسؤاله عن ذلك؟
ج. هناك انتخابات برلمانية كل أربعة أعوام ، وفي كل ثلاثة أعوام نقوم بانتخاب المجالس الشعبية في الأحياء .
س. نرى في كل مكان في بغداد صورة عملاقة لصدام حسين . فلماذا عبادة الشخصية هذه ؟
ج. لا يمكن الحديث هنا عن عبادة الشخصية لأنه في الفكر الإسلامي أو المسيحي لا يمكن عبادة سوى الله . وللرد على سؤالكم يجب العودة الى التاريخ . فعندما يتم القبول بقائد في مجتمعنا فانه يعتبر رمزا وأبا . ونفس هذه الظاهرة لها وجود في تاريخ أوربا . في فرنسا لديكم مثالين ، الملكية والبونابرتية . ان القادة في مجتمعنا لا يتغيرون بالانتخابات حتى عند حصولها. لماذا ؟ ان أصل السلطة في العالم هي الملكية . وهذا كان هو الحال في بلادكم . انظروا الى الذي حصل في فرنسا . لقد حصلت الثورة وتم إلغاء الملكية وولدت الجمهورية . وقبل الفرنسيون من بعدان يصبح القنصل نابليون امبراطورا وذلك بعكس قواعد الجمهورية . وعندما ذهب نابليون عادت عائلة البوربون . ثم أسقطت ثورة جديدة عائلة البوربون ، وتم انتخاب رئيس جديد ، تحول الى إمبراطور تحت لقب نابليون الثالث . ان هذا الذهاب والإياب في مجتمعكم يظهر مسعى الى رمز قوي ، الى أب . ان العراقيين يسقطوا الملكية إلا أنها كانت فاسدة . ونفس الشيء في مصر فلقد تم طرد الملك لأنه كان ضعيفا وفاسدا وليس لأن الشعب يرفض الملكية مثلما هي .
س. في القرن العشرين . هل هذا الشيء يعني ان بعض الشعوب وبشكل خاص العرب لا يتوافقون سوى مع سلطة بشخصية من نوع السلالات ؟
ج. ليس العرب وحدهم . انظروا ما يحصل في الهند . لقد أصبحت أنديرا غاندي ابنة نهرو عندما كانت شابة جدا رئيسة للكونكرس ومن بعد رئيسة وزراء . وعندما توفيت أنديرا خلفها ابنها. والآن توجه الحزب الى زوجته سونيا وهي إيطالية . وكل ذلك لأنها تحمل اسم غاندي . ومع ذلك يوجد نظام ليبرالي في الهند . ان العرب بحاجة الى صورة قائد انظروا الى الملك حسين أو الحسن الثاني . في الجزائر عبد العزيز بو تفليقة هو في طريقه الى التحول الى قائد . لقد كان ديغول وتشرشل آخر القادة في أوربا . الآن لديكم مدراء أعمال يتصرفون كرؤساء منتخبين لمجالس إدارية . العراقيون يحبون صدام حسين لأنه قائد عادل وشجاع . في الغرب عندما تكون الشخصية كارزمية يتم انتخابها عدة مرات . وهكذا تم انتخاب روزفلت أربعة مرات ، وتوجب تغيير الدستور لكي لا يتم إعادة انتخاب أيزنهاور للمرة الثالثة .
س. هل هذا التغلب لمثال السلالة يعني ان صدام حسين يقوم بتحضير أحد أبناءه لخلافته ؟
ج. يتم الحديث عن الكثير من الأشياء حول الأسلوب الذي يحضر فيه صدام حسين خلافته . ان عدي يرأس اللجنة الأولمبية . وقصي يقود جهاز الأمن الرئاسي . ولا أكثر ولا اقل . الرئيس جمهوري حتى أعماقه .
س. العديد من العراقيين الذين هربوا من بلدهم خلال العشرين عاما الماضية ينددون بالقمع الذي تعرضوا له في الصحافة ، وبخروقات حقوق الإنسان . أليس الحد بين السلطة الأبوية التي تتحدثون عنها وبين الدكتاتورية غامض ؟
ج. عندما يقولون ان النظام الحالي ديكتاتوري ، يجب النظر أيضا الى الخلفيات التاريخية . وحسب رأيي لا يمكن الحديث عن الديكتاتورية إلا عندما تقوم قوة بأخذ السلطة داخل ديمقراطية. ان هتلر دكتاتور لان قبله كان هناك نظام ديمقراطي وأحزاب . لقد تم انتخابه ثم فرض سلطته على ألمانيا كلها وبنفس الشكل بينوشيه دكتاتور . ولكن في العراق لم تكن هناك ديمقراطية قبل 1968 . عند الحكم الملكي كان البرلمان المنتخب يضم سبعون عضوا على الأقل من مجموع مائة وأربعون يقوم الإقطاعيون بتعيينهم . في ذلك الزمن كان الإقطاعيون يسيطرون على الحياة السياسية ويبعدون الشرائح الوسطى في المجتمع . وفي زمن الأخوين عارف كانت السلطة بيد مجموعة من العسكريين ، وعندما مات عارف في حادث طائرة فان أخيه أخذ محله في السلطة . لقد توجب انتظار ثورة تموز 1968 لكي تأخذ الجماهير السلطة من خلال منظماتها مثل اتحاد الطلبة والنقابات والحزب والمنظمات المهنية . ان الحديث عن دكتاتورية هو تحريف للحقيقة وتحليل مغرض للتطور السياسي والاجتماعي للعراق .
س. قرر الكونغرس الأمريكي تقديم مبلغ 97 مليون دولار الى المعارضة العراقية . هل دهشتم من هذا الإجراء ؟
ج. ان هذا الإجراء يعتبر تهريجا . لان ذلك يعني ببساطة ان المعارضة أصبحت تجارة مربحة . وهناك فرصة قليلة بأن يأتي رجال يعيشون براحة في لندن والولايات المتحدة ليقاتلوا وجها لوجه هنا .
س. هناك فكرة دارجة في الغرب تقول بأن التحالف الدولي عام 1991 لم يذهب حتى النهاية لتركه صدام حسين في السلطة . في رأيكم هل كان لدى الأمريكان وسائل إسقاطكم ؟ ولماذا لم يحاولوا ذلك ؟
ج. ان السبب واضح ومثلما بالنسبة لما حصل مؤخرا في يوغسلافيا . ان شعار الأمريكان كان إسقاط ميلوسوفيتش . وحاولوا تحقيق هذا الهدف بواسطة الصواريخ والقصف الجوي . لقد تبعوا نفس السلوب في العراق الذي يستند الى عدم شن حرب حقيقية . لقد بدءوا القصف بالصواريخ والطائرات . لقد كانوا في كربلاء ويقصفون بغداد . ولكن لإسقاطنا كان يتوجب احتلال كل البلد من خلال اشتباك بري ومعارك ميدانية . ان هذا الشيء كان سيلحق خسائر كبيرة بهم . ومن جهة اخرى فأن الحرب توقفت بعد معركة الفرق المدرعة . وفيما يتعلق بالقصف ، لم يكن لها ان تستمر بلا نهاية بسبب تكاليفها ، والتي مولت العربية السعودية والكويت جزءا كبيرا منها . لهذا السبب لم يذهب الأمريكان أكثر.
س. هل تأسفون على غزو الكويت ؟ ألا تعتقدون بأنكم ارتكبتم خطأ كبيرا ؟
ج. ان غزو الكويت كان بالنسبة لنا عملا دفاعيا . ان إغراق السوق النفطية بالانتاج الكويتي والعمل على انهيار الأسعار كان عملا حربيا موجها ضدنا . ولم يكن أمامنا خيار . لم أرتكب سوى خطأ كبير هو خطئي في تقديري لموقف الرئيس المصري حسني مبارك . لم أفكر بأنه سينقلب ضدنا مثلما فعل ذلك بعد الثاني من آب 1990 . ان موقفه تسبب في انحراف الأزمة من خلال منع حل سياسي تفاوضي في إطار عربي . موضوعيا كان يمكن لمصر ان تغير من مجرى الأحداث . لقد كان خطأ أساسيا من جانبي . خطأ في التقدير .
س. ماهي الأسباب التي دفعت حسني مبارك للتصرف بهذا الشكل ؟
ج. أنا دبلوماسي في الخدمة . ولا أستطيع الرد عليكم في الوقت الحالي .
س. ما هي الانعكاسات الرئيسية لهذه الحرب على العرب وبشكل خاص بالنسبة لمسيرة السلام الإسرائيلية العربية ؟
ج. العرب يدفعون الآن ثمن حرب الخليج 1991 . لقد كان العراق البلد العربي الوحيد الذي نجح في إقامة توازن عسكري في وجه إسرائيل . لهذا السبب ، كان يتوجب إذاً تدميره . ولقد تم استخدام وسيلتين : اقتصادية وعسكرية . إن المفاوضات الجارية بين إسرائيل وجيرانها العرب ، تظهر حلا يفتقد الى التوازن . إن إسرائيل أقوى بكثير من جميع جيرانها العرب .
س. إذاً لا تؤمنون بالسلام بالمنطقة ؟
ج. ان كل سلام دائم يحتاج الى توازن وعدالة . لا توجد هناك عدالة مطلقة في هذا العالم . يجب أن يستند الى توازن للقوى . وفي اوربا أنعمتم بالسلام لمدة خمسون عام بعد الحرب العالمية الثانية . لماذا ؟ لأنه كان هناك توازنا . السوفييت كانوا يعرفون بأنهم لا يستطيعون الذهاب الى أبعد لأن أمامهم كانت هناك قوة تعادل قوتهم . ونفس الشيء بالنسبة للحرف الأطلسي الذي لم يشن حربا أبدا ضد المعسكر المعاكس ، لأن ذلك كان سيؤدي الى رد فعل قوي جدا . في هذا الوقت يسعون الى حل النزاع العربي ـــ الإسرائيلي بالخداع . ومن هو حكم وسط كل ذلك ؟ الولايات المتحدة ! وذلك في وقت لم يكن في مقدور إسرائيل أبدا احتلال الجولان أو الأردن بدون الولايات المتحدة . ان كل هذا الشيء يثير السخرية . اطلبوا من جميع الأطراف : لا يعرف أحد أين ستؤول الأمور .
س. في التاسع والعشرين من شهر شباط تم اغتيال آية الله الصدر في النجف مما أدى ذلك الى وقوع إضرابات في مدن الجنوب وضاحية بغداد . فمن هم الذين يقفون وراء هذا الاغتيال ، حسب معلوماتكم ؟
ج. لقد تم القبض عليهم ومحاكمتهم . وراء هذه العملية إيرانيون يرتبطون بباقر الحكيم الذي يقدم نفسة كرئيس للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق . ويقيم في إيران .
س. الشيعة هم الأكثرية في العراق وانتفضوا عدة مرات ضد النظام وبشكل خاص عام 1991 . هل تخشون تصاعدا للأصولية الدينية الشيعية بسبب الإفقار والقمع الذي تعرض له الشيعة ؟
ج. أن الفرقة المقامة بين الشيعة والسنة لا أساس لها . ونفس الشيء للتي تقام بين المسيحيين والمسلمين أو بين العرب والأكراد . ولم تقع من الناحية التاريخية نزاعات دموية بين الشيعة والسنة . لقد كانت في الماضي دولة شيعية هي الدولة الفاطمية في مصر ولكن ذلك لم يؤدي أبدا الى حروب دينية . إن المواجهة بين الاثنين خيالية بشكل كبير . وتم تقديم برهان على ذلك خلال الحرب مع إيران التي حارب فيها الشيعة العراقيون ضد الشيعة الإيرانيين للدفاع عن بلدهم. في الغرب تتأملون الى العالم حسب نظرتكم ، وبسبب الحروب الدينية التي أدمت أوربا تعتقدون بأن هناك نزاعات بين السنة والشيعة . هذا غير صحيح . إن الحقد الديني غريب على المجتمع العراقي . وهو يتصل بعنصر سياسي منظم يرتبط بالخارج ويتسلل بشكل منتظم الى البلد للقيام بأعمال تخريبية وللزعزعة . ويجب فصل المشاعر والشعائر الدينية عن ذلك والتي تصاعدت مع الحظر في المساجد والكنائس .
س. يبدوا أن الأصولية تضعف في ايران تحت تحرك الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي وتحت ضغوط الطلاب والنساء والمثقفين . ألا يجب أن يسهل هذا التطور من التقارب بين العراق وإيران ؟
ج. لا أعتقد أن النظام في إيران هو في طريقه الى التغيير . أن الثورة الإسلامية لعام 1979 نقلت الى السلطة أيديولوجية تجعل من الإمام زعيم كل المسلمين الشيعة . ولا تنسوا أن ذلك يتعلق بالشيعة التي تجعل من الإمام الثاني عشر المنتظر سيد العالم . وهذا الشيء مهم جدا . في العراق لدينا أربعة مدن شيعية مقدسة . وحسب هذا الفكر فإن الإمام الإيراني يجب أن يذكر عند الصلاة في كربلاء . وهي مدينة تقع على بعد مائة كيلومتر من هنا . ولا يمكن أن نقبل ذلك ، وهي إحدى الأسباب التي دخلنا من أجلها في حرب مع إيران . إن الحرب اختفت ولكن رغبة الهيمنة لم تختف من روح الحكومة الإيرانية حتى وإن لم يعد لديها الحدة التي كانت موجودة في زمن خميني .
س. إذا لا تفكرون بتطبيع العلاقات بين البلدين ؟ ومع ذلك فإن هناك مصالح مشتركة لديكما حيث يتعرض البلدين الى سياسة “الاحتواء” الأمريكية .
ج. نحن لا نريد من إيران سوى علاقات طبيعية لحسن الجوار . هناك جانبين متناقضين في النظام الإيراني : فهناك من جهة أحلام الأمة . ومن جهة أخرى تدخلات تخرق مبادئ حسن الجوار . وعلى الرغم من ذلك ، مثلما في سوريا ، فإن الناس الحكماء يعرفون بأن تغيير النظام في العراق سيؤدي الى إقامة نظام تابع للأمريكان ، وهو ما ستكون له نتئج سيئة عليهم .
س. ان إلقاء القبض ثم الحكم على عبد الله أوجلان من قبل السلطات التركية أدى الى تأجيج التوتر بين قوى الحزب الديمقراطي الكردستاني لمسعود برزاني وقوى الاتحاد الوطني الكردستاني لجلال طالباني . هل تخشون من قيام تركيا بإعدام أوجلان ؟
ج. ليس لي التدخل في شؤون تركيا . القضية الكردية في تركيا هي مشكلة فكرية وسياسية . الحكومة التركية لا تعتبر الأكراد كيان ثقافي يملك حقوقه الخاصة والتي من بينها نوع من الحكم الذاتي . نحن نعترف في العراق بهويتهم وحقهم بالحكم الذاتي . وعلى الرغم من ذلك فأن الغرب يحمي ويشجع الأكراد العراقيين على الانتفاضة ضد الحكومة ، وفي نفس الوقت يشجع على قمع أكراد تركيا .
س. البرلمان الكردي المنبثق عن انتخابات أيار 1992 أعلن من “الدولة الفيدرالية الكردية” ما تصوركم حول احتمال إنشاء نظام فيدرالي في العراق ؟
ج. ان القضية الكردية ولدت في الثلاثينيات والأربعينيات . عندما وصل البعث الى السلطة عام 1968 كان هناك تمرد عسكري كردي في الأجزاء الجبلية من الشمال . ان سياسة البعث كانت إيجاد حل سياسي وسلمي للمشكلة . لقد دعونا أعضاء في حزب مصطفى برزاني الى الدخول في الحكومة . لقد قبلوا ذلك وخلال ثلاثة عشر شهرا كانت لهم مشاركة في السلطة ، ثم دخلوا من بعد في تمرد . وعلى الرغم من ذلك استمرت المفاوضات . وذهب صدام حسين بنفسه للتفاوض على اتفاق الحادي عشر من آذار 1970 ، الذي يتعهد بإقامة حكم ذاتي محلي . وعلى اثر هذا الاتفاق تم تعديل الدستور العراقي للاعتراف بالقومية واللغة الكردية وعليه فان لدينا حلول سلمية في الدستور والحزب وفي البلد وبعض الاحزاب الكردية تواكبنا حول هذه المبادئ . وفيما يتعلق بالفيدرالية فأن جوابي هو لا . إن الفيدرالية في العراق تعادل تقسيم . وعليه فإننا لن نقبل بها . إن ألمانيا أو الولايات المتحدة اجتمعت في اتحاد فيدرالي ليكون لها وجود كدولة . وهذا ليس حال العراق الذي له كيان قائم منذ سبعة آلاف عام .
س. إن تاريخ العراق منذ استقلاله في تشرين أول 1932 يتكون من سلسلة من الثورات الدموية والانقلابات العنيفة . الشيعة في الجنوب انتفضوا عدة مرات بشكل عنيف . وكردستان في الشمال بعيدة عن الهدوء . فهل يمكن تشكيل أمة من ثلاثة كيانات ثقافية ؟
ج. أن الانقسامات المفروضة على العراق هي من فعل التدخلات الأجنبية . مثل مناطق الحظر الجوي المفروضة في الشمال والجنوب . أن حظر الطيران في هذه المناطق يهدف من بين أشياء أخرى الى إعطاء فكرة مشوشة ومشوهة عن الوضع السياسي في العراق . والدفع نحو التفكير بأن هناك شمال كردي ووسط سني وجنوب شيعي . أن هذا الشيء لا يتطابق مع الحقيقة . لقد كان والدي على سبيل المثال موظفا في قرية في الشمال بالقرب من الموصل حيث كان يدير مستوصفا . وعندما كنا صغارا أنا وأخي كنا نتحدث بالكردية خارج المنزل ، وبالعربية مع والدي ووالدتي . لم يكن لدينا شعور بأننا غرباء . وعلى عكس مجتمعات البلقان لم تقع في العراق أبدا نزاعات دموية وطائفية . ولكن اليوم نقف أمام تحضيرات سياسية ومعنوية واستراتيجية للقيام بتقسيم العراق . أن الهدف هو زعزعة النظام من أجل الإعداد لإسقاطه وتقسيم البلد .
س. باعتباركم أحد مسؤولي دولة متعددة الطوائف والثقافات . ما رأيكم بتزايد النزعات العرقية والدينية ؟
ج. إن نزعة السياسة الأمريكية على الصعيد العالمي هي السعي الى تفكيك البلدان من الداخل سياسيا واقتصاديا وباستخدام الخلافات العرقية والدينية . إننا نقف امام تكييف عصري للسياسة الاستعمارية التقليدية في فرق تسد . وأحدث مثال على ذلك هو النزاع الهندي ــ الباكستاني . وفي رأيي ، فأن هذا النزاع هو نزيف دائم بين البلدين . وأعتقد بأن هناك تأثيرات أجنبية تحته . لقد اصبح البلدان قوتين نوويتين . فإذا كانا مستقرين ولديهما علاقات طبيعية ، سيمكن تنمية نفسيهما والتحول الى قوتين نوويتين قويتين اقتصاديا . وهو شيء غير مرغوب لدى الولايات المتحدة . ونحذر هذين البلدين من حرب استنزاف تخدم الاستراتيجية الشاملة للولايات المتحدة .
س. هل تعتقدون ان بعض الشعوب لديها الحق في تقرير المصير ؟
ج. يجب تقويم الأوضاع في كل بلد حسب العمق التاريخي . ان الأمريكان البيض غزو بلدا بالقوة . واستقروا فيه ، مثل الإسرائيليين ، واستولوا على بلد . أن العرب بقوا في إسبانيا سبعمائة عام أي ضعف عمر الولايات المتحدة . ولكن إسبانيا بقت إسبانية . إن كوسوفو منطقة صربية تاريخيا ، ومع مرور الزمن أصبح الألبان أكثرية . فهل يملكون الحق بالانفصال ؟ لهم الحق بأن يعاملوا بمساواة وبدون تمييز عنصري . ولكن كعربي أشبه كوسوفو بفلسطين . لقد تحول اليهود من أقلية الى أكثرية . وهذه الحالات ليست طبيعية . في المقابل هناك شعوب تعيش على أرض منذ سنوات تحت هيمنة شعب آخر . وهناك حق في تقرير المصير يجب أن تحدد بشكل عادل أين هي الشرعية .
س. هل لا تزالون اشتراكيا ؟
ج. نعم . عند سقوط النظام السوفييتي كتبت مقالين عن مستقبل الاشتراكية لكي أشرح بأن النظام الشيوعي السوفييتي هو وحده الذي سقط بسبب نواقصه الأساسية وليس الاشتراكية . أن الإنسانية بحاجة دائما الى الاشتراكية ونحن في العالم الثالث أكثر من الآخرين . وذلك لسببين : العدالة الاجتماعية والحفاظ على الاستقلالية ، لأن شعوبنا تتعرض الى تهديدات خارجية . في فرنسا ، السلطة اشتراكية . أن الاشتراكية ليست ابتكارا روسيا وإنما أوربي .
س. تجاه أي من الاشتراكيات المتجسدة بالحكومة الفرنسية ، توني بلير أو فيدل كاسترو ، تشعرون أنكم أكثر قربا ؟
ج. إن اشتراكيتنا هي اشتراكية حزب البعث وخاصة بنا . الدولة تسيطر على أعمدة الاقتصاد وتترك ماتبقى للقطاع الخاص . وواجبنا أيضا هو تأمين الحد الأدنى المعيشي لكل مواطن . المورد ، السكن ، والتعليم والصحة . كان هو الحال قبل الحظر .
س. من هو الرجل او الرجال السياسيين الذين كانوا موضع استلهامكم ؟
ج. لا أستطيع تحديد شخص واحد . منذ شبابي اهتممت بالسياسة وكانت لدي دائما رغبة بالتعلم ومعرفة تاريخ العالم المعاصر . هناك العديد من الأشخاص أثاروا اهتمامي . في الميدان السياسي أستطيع ذكر ديغول ، تشرشل وبشكل خاص دوره في الحرب العالمية الثانية وجميع قادة هذه الحقبة ، روزفلت ، ستالين ، ماو . وفيما بعد ناصر والثورة العربية والفيتنامية .
س. ولكن من هم أكثر الذين يتطابقون مع أفكاركم ؟
ج. إنني أنتمي الى حزب البعث الذي شخصيتاه هما ميشيل عفلق وصدام حسين ، وهما قدوتي وأمثلتي . لقد كان ميشيل عفلق قائدا ومفكرا . صدام حسين بالنسبة لي هو رفيقي وقائدي .
س. أنتم دبلوماسي مقاتل ، ومشغولين دائما منذ وصولكم الى الشؤون الدبلوماسية عام 1983 بالمفاوضات الصعبة والخطرة . فما هي بالنسبة لكم ، الصفة الأولى للدبلوماسي ؟
ج. بدون أي شك ، الثقافة بمعناها الواسع . فبدون ثقافة سيكون الدبلوماسي وخاصة في موقع قيادي سجين مستشاريه . إنهم ضروريين ولكن الثقافة وحدها تسمح بقيادة الأمور ، والاختيار . في تاريخ الدبلوماسية العالمية ، اعتبر تاليران ، غروميكو وكيسنجر كبار الدبلوماسيين ، فهم أناس ثقافة وقراء كبار ، لديهم معرفة بالتاريخ . أستحسن كلود شيسون ، وهو مثقف يفهم الأمور سريعا في خلفياتها التاريخية . لقد وجدت جيمس بيكر جاهلا ، كان لا يعرف المنطقة التي شن لتوه فيها مع ذلك حربا . فهو ليس سوى رجل أعمال ، محامي . أما بالنسبة لكيسنجر فلقد كان سيء النية . وفي الواقع كان لا يعرف الشرق . ودرس بشكل خاص النزاعات الأوربية .
س. كانت بين فرنسا والعراق لوقت طويل علاقات مميزة . ما الذي تنتظروه اليوم من فرنسا ؟
ج. إن نزاع الكويت قطع العلاقات مع فرنسا ولكنه لم يكن نزاعا ثنائيا . نحن نفهم أن فرنسا لم تقبل غزو الكويت . في المقابل انتقدتها لرفضها وقت طويل الحوار مع العراق . لقد استقبلنا المستشار الصحفي لفرانسوا ميتران ، ميشيل فوزيل ، والرئيس صدام حسين استقبله لوقت طويل ولكنه كان موجودا بصفة شبه رسمية . ولم يكن يمثل فرنسا ، وعليه فإنه لم يكفل سوى نفسه . إن الحوار لم يستأنف بشكل حقيقي سوى عام 1994 عندما كان آلان جوبيه وزيرا للشؤون الخارجية . إن علاقاتنا تحسنت ولكننا مستاءين عندما انضمت الى مجلس الأمن للإعلان بأن قطيعتنا مع اللجنة الخاصة من الخامس من آب 1998 غير مقبولة وغير مفهومة . ونفس الشيء في كانون أول عندما صرح الرئيس شيراك بأنه يتوجب على العراق تحمل نتائج القطيعة. ولقد قمت بالرد عليه بشكل عنيف . إننا نطلب من فرنسا الإلحاح على الترجمة القانونية للقرارات.