إن مسالة ملكية الدولة التي يبحثها الفقهاء هي من أهم المسائل الابتلائية وأخطرها على المستوى الفردي والاجتماعي, وهي تستحق تسليط الضوء ورفع الالتباس الذي قد حصل فيها!!!! بحيث تحول هذا الالتباس بالتدريج إلى جهل مركب لدى الكثير مع شديد الأسف وقد كان هذا الجهل سببا للكثير من الآثار السلبية الإجتماعية والإقتصادية والإخلاقية!!!…
وبالرغم من كونها تُعد من المسائل الخلافية الا أن لها آثاراً شرعية تترتب عليها كجواز التصرف والتملك وصحة الصلاة والوضوء وإجراء المعاملات بمختلف أنواعها وقبض الرواتب وغيرها كثير …………
وهناك من الفقهاء من أفتى بملكية الدولة وأشهرهم المرجع الكبير السيد عبد الأعلى السبزواري (قد)…
ومن جهة أخرى يوجد الكثير من أعاظم فقهاءنا من أفتى بعدم ملكية الدولة كالسيد الشهيد محمد باقر الصدر(قد) والسيد الخوئي(قد) والسيد محمد محمد صادق الصدر(قد) والسيد كاظم الحائري(دام ظله)وآخرين كثير…..
والمسالة ليست متعلقة بدولة معينة او بخلفيات سياسية بل هي مسالة علمية فقهية صرفة تتعلق بالحكم الشرعي (الملكية)!!!!ومدى تعلق حكم الملكية بما يسمى بالشخصية المعنوية!!!فالدولة ليست لها شخصية حقيقية لكي يفتي الفقهاء لها بالملكية, وليس الغرض هنا بيان الاستدلال الفقهي الذي بموجبه أفتى هؤلاء الفقهاء العظام بعدم الملكية للدولة وإنما الغرض هو بيان الآثار الشرعية والنتائج المترتبة على هذه الفتوى خصوصا إن الأعم الأغلب من العوام هم مقلدون للمراجع القائلين بعدم الملكية…
ولنبدأ الآن ببيان بعض النتائج المترتبة على الفتوى القائلة بملكية الدولة:
1- تحرم القروض ذات الفائدة الربوية من المصارف الحكومية,ويحرم اخذ الفائدة الربوية التي تمنحها المصارف لعملائها…والسر في ذلك أن فتوى ملكية الدولة تعطي للدولة شخصية حقيقية تصلح طرفاً للمعاملة والربا يتحقق بوجود طرفين مالكين في المعاملة..فالدولة مالكة بحسب هذه الفتوى والمقرض او المقترض مالك شرعي وعندئذ يتحقق الربا!!!!!!!
2- يجب على الدولة دفع الخمس لان من آثار الملكية هو وجوب دفع الخمس وهذا بدوره يؤثر على الفرد نفسه لأنه في حال علمه بعدم تخميس الدولة لأموالها فسوف يتحتم عليه تخميس أي شيء يستلمه من الدولة كالمواد الغذائية والرواتب وغيرها يخمسها عن ذمة الدولة وتحليلا لأمواله!!!
3- لا شك إن أموال الدولة هي أموال حلال قد اختلطت بالحرام كالضرائب المدفوعة من الملاهي والحانات ………..الخ وهنا يجب تطبيق الحكم الشرعي من قبل الدولة بما فيها دولة العراق الجديدة التي اتخذت من القران والسنة مصدرا رئيسيا من مصادر التشريع!!!والدولة دائما تهمل هذه المسائل فيا ترى ماذا يصنع الفرد لأجل تطهير الأموال من الحرام على قلة ما يستلمه من الدولة!!!!!!!!!
4- حيث إن المواطن الكريم يعلم بعدم دفع الدولة لمستحقاتها من الخمس والنتيجة هي بطلان صلاته التي يصليها في أي مؤسسة او وزارة او دائرة حكومية لان الصلاة في الأماكن غير مُخمسة محكوم عليها بالبطلان!!!!!!!
ونكتفي بهذا القدر من النتائج والآثار الشرعية ,وكلنا أمل أن يكون الجميع على قدر المسؤولية دون استثناء….!!!!!!!!!!!
أما فتوى (عدم ملكية الدولة) فهي تكتسب الأهمية لكثرة المبتلين بها وكثرة المهملين لما تقتضيه من آثار ولوازم شرعية عليهم وكثرة المتورطين فيها بسبب الفهم الخاطئ والتوهم..!!!!!!!!
إن أهم ما يلزم من هذه الفتوى(عدم ملكية الدولة) هو إن الأموال التي بين يدي الدولة تمثل شكلاً من أشكال مجهول المالك!!!!….
وهنا تسكن العبرات لو صح التعبير!!!!
لان مسالة مجهول المالك أكثر تعقيداً من الفتوى بالملكية فالصلاة في المكان المجهول المالك باطلة الا بإذن الحاكم الشرعي(المجتهد الجامع للشرائط) والصلاة بالملابس المجهولة المالك حرام وباطلة…والتصرف بمجهول المالك وحيازته حرام وباطل والفرد لا يستغني عن المواد الغذائية التي تقدمها الدولة فضلاً عن رواتب المتقاعدين والموظفين وأي شيء يستلم من الدولة فان القاعدة الشرعية هي عدم الجواز مالم يتدخل الحاكم الشرعي في ذلك !!!!!!!!! وهذا قد حصل بالفعل خصوصا في أيام السيد الشهيد الصدر الثاني (قد),فهو قدس الله سره لم يترك الناس يتورطون في الحرام أكثر مما هم متورطون فيه وهو قد حمل على عاتقه هدايتهم ونجاتهم وقد وفقه الله في ذلك بشهادة العدو والصديق..!!!!!!!!
وهذا التدخل مدون في جميع رسائله العملية حتى كتب الاستفتاءات تحت عناوين عديدة صريحة ففي مسائل وردود جاء عنوان مؤسسات مجهول المالك صريحا وهو بحد ذاته تحدي للسلطة في ذلك الوقت…!!!
والمهم هنا ذكر مجموعة من المسائل الشرعية التي تبين تدخل السيد الشهيد الصدر(قدس) الايجابي في هذه المسالة ولازالت هذه الحلول الملاذ الآمن لجميع المكلفين في علاج هذه المسالة المعقدة مسالة ملكية الدولة (مجهول المالك)
فقد جاء في الجزء الثالث من منهج الصالحين ملحق الموضوعات الحديثة كتاب التجارة مانصه:
مسالة(1301)يُوجد من قبلنا إذن عام في التصرف بمجهول المالك سواء مما يُسحب من المصارف او غيره كرواتب الموظفين وأجور العمال وغيرهما وذلك في مرحلتين:
المرحلة الأولى:إننا نشترط أن لا يكون المال المقبوض(من ظلم ولا إلى ظلم ولا على حد السرقة)يعني انه لم يتم الحصول عليه بظلم ولا انه يُصرف في ظلم او حرام ولا انه من قبيل السرقة من مجهول المالك او من الدولة فان هذا خارج عن الإذن وما اجتمعت فيه الشرائط الثلاثة فهو مأذون فيه.
المرحلة الثانية:أن يقول الفرد حين يقبض المال :اقبضه نيابة(او وكالة)من الحاكم الشرعي (او يذكر اسمه)وأتملكه لنفسي.فإذا قال ذلك أصبح المال ملكاً له كأحد ممتلكاته فان كان لديه رأس سنة للخمس,صرف منه على مؤونته فان بقي منه باقٍ في رأس السنة دفع خمسه,وان لم يكن له رأس سنة وجب دفع خمسه فوراً وجاز تصرف الفرد في الباقي.انتهت المسالة
وقد تسال عن مراد السيد الصدر عن معنى سرقة الدولة التي لايجوزها!!!
فقد وضح هذا الأمر في نفس المصدر وبعد سبع مسائل بالضبط فقد ورد مانصه:
مسألة(1308):لا تجوز السرقة من أي نوع من المؤسسات المالية حتى لو كانت تتعامل بالشكل المحرم شرعاً والسبب في ذلك باختصار:إنها إذا كانت أهلية كانت محتوية على أموال المشاركين فيها مضافاً إلى المال الحرام.وأما إذا كانت حكومية ,فلأن الأخذ منها موقوف إلى إجازة الحاكم الشرعي.والمؤلف لايجيز الأخذ منها بشكل السرقة.وهو كل وجه لا تقبل به الدولة من اخذ المال والحصول عليه . وأما إذا كانت المؤسسة شركة مساهمة أهلية محللة او كان رأس مال شخصي فالسرقة منه أوضح بالتحريم من الأقسام السابقة.انتهت المسالة
ومن المؤسف إن كثيرا من العوام فهم هذه المسالة بصورة مقلوبة والسيد الشهيد محمد الصدر(قد) بريء من هذا الفهم الخاطئ براءة الذئب من دم يوسف!!!!
بقي الإشارة إلى ضرورة القبض الشرعي لأموال مجهول المالك كرواتب الموظفين واستلام الحصة التموينية وغيرها فقد جاء في نفس المصدر مانصه:
مسالة(1303):-يجب على الفرد أن ينوي ما اشرنا إليه(يقصد مسالة(1301)) قبل التصرف بالمال المقبوض او فور قبضه فان تصرف فيه بدون ذلك القصد ,كان تصرفا حراما ويترتب عليه اشتغال ذمته به.وهو ما يسمى برد المظالم ويجب عليه عندئذ أن يطبق أحكامها .وذلك بدفعها كلها إلى الحاكم الشرعي ما لم يأذن له بالتقسيط او إبراء الذمة من البعض او الكل. انتهت المسالة.
بقي الإشارة إلى أن الشهيد ذكر أحكام مجهول المالك في رسائل عملية أخرى كفقه الفضاء وفقه الطب وفقه المجتمع وفي مسائل وردود وفي الرسائل الاستفتائية وفي الصراط القويم وفي إستفتائاته الخطية الكثيرة….. وقد كتبت بحثين أو أكثر بخصوص فقه مجهول المالك عند الشهيد محمد الصدر(قدس) وخلاصتها أن مجهول المالك لا يجوز حيازته وتملكه والتصرف فيه إلا بإذن الحاكم الشرعي وكذلك أن الشهيد الصدر(قدس) يمنع سرقة مجهول المالك كما جاء في المنهج وغيره….