خاص : كتبت – نشوى الحفني :
بعد أن حسم رئيس الوزراء العراقي “حيدر العبادي” وضع قوات “الحشد الشعبي” في معركة تلعفر, وإعلانه مشاركته رغم التخوفات الدولية, التي تم بثها في الفترة الأخيرة من مشاركة “الحشد” في تحريرها من قبضة تنظيم “داعش” الإرهابي، وإعلانه عن إنهاء الاستعدادات العسكرية للجيش والبدء في معركة داخل المدينة, والتي من المنتظر أن تبدأ بعد عيد الأضحى مباشرة، اتجهت الأنظار صوب المدينة العراقية “تلعفر”، التي ترتبط بالجبهتين السورية والعراقية، وتعد المعبر الأساسي والآمن لمسلحي التنظيم بين سوريا والعراق، كما أنها تمثل مفترق طرق للتنظيم باتجاه جزيرة الموصل المتصلة بصحراء الأنبار.
فتعتبر العملية العسكرية في “تلعفر” واحدة من المعارك الهامة لاستعادة آخر تمركز لتنظيم الدولة في مدينة الموصل، لكنها قد تحمل في جعبتها الكثير، بسبب مشاركة ميليشيا “الحشد الشعبي” في المعركة، وسط معارضة تركية وسياسية ومخاوف من انتهاكات وجرائم مشابهة، على غرار ما حدث لسكان مدينة الموصل.
تطويق المدينة من جميع الجهات..
حول الاستعدادات، أعلن العميد “يحيى رسول”، الناطق باسم قيادة العمليات المشتركة في الجيش العراقي، أن قوات الجيش وميليشيات “الحشد الشعبي”، قد تمكنت من تطويق مدينة “تلعفر” غربي الموصل، من جميع الجهات، تمهيداً لاقتحامها وتحريرها من سيطرة “داعش”، موضحاً أن التطويق جاء بعد قطع الإمدادات من الأراضي السورية، مبيناً أنه بتحرير ناحية المحلبية والعياضية في قضاء “تلعفر” سيكون بالإمكان القول إن محافظة نينوى تحررت بشكل كامل.
ويقع قضاء “تلعفر” شمال غربي العراق، ويحده من الشمال محافظة دهوك ومن الشرق قضاء سنجار ومن الغرب الموصل ومن الجنوب قضاء الحضر. ويقدر عدد سكانه بنحو 205 آلاف نسمة، غالبيتهم من التركمان السُنّة. وسيطر “داعش” عليه في 10 حزيران/يونيو 2014، ما دفع آلاف من سكانه إلى النزوح باتجاه المحافظات القريبة.
قاعدة أميركية..
في غضون ذلك، قال النقيب “مصطفى الجحيشي”، من القوات الجوية، إن تعزيزات عسكرية أميركية وصلت إلى قاعدة حربية قرب قضاء “تلعفر”، لدعم عمليات الجيش المرتقبة. وأفاد بأن “10 طائرات حربية أميركية، 3 من نوع غالكسي C5 والبقية من نوع بوينغ سي إتش – 47، محملة بمعدات قتالية وصناديق أسلحة وعشرات المستشارين العسكريين، هبطت في قاعدة “كهريز” في محور الكسك غرب الموصل، وهي تبعد عن مركز قضاء “تلعفر” 35 كيلو متراً”.
مضيفاً الضابط العراقي أن: “15 دبابة من نوع “أسد بابل”، و7 دبابات من نوع “تي – 72″، و9 دبابات من نوع “تشفتن”، وصلت خلال اليومين الماضيين إلى القاعدة ذاتها ضمن التحضيرات”.
فيما نفى العميد “يحيى رسول” وجود القاعدة العسكرية الأميركية، مشيراً إلى أن مشاركة قوات التحالف الدولي تأتي ضمن تقديم الاستشارة والمساندة الجوية وتبادل المعلومات الاستخباراتية.
قد تستمر أسابيع..
تشير التقديرات، إلى أن المعركة قد تستمر بضعة أسابيع بالنظر إلى حجم الجبهة، إذ يصل طولها إلى 60 كيلومتراً، ويبلغ عرضها 40 كيلومتراً، أي أقل من جبهة الموصل بقليل فقط. وما يعزّز التوقّعات بحصول معركة ضارية، وجود ما بين ألف وخمسمائة وألفان مسلح انتحاري من “داعش” في الجبهة، فضلاً عن أن معركة الموصل استغرقت ثمانية أشهر.
لن تكون صعبة..
لكن الفريق أول ركن “طالب شغاتي”، رئيس جهاز مكافحة الإرهاب (قوة خاصة تتبع وزارة الدفاع), توقّع ألا تكون المعركة صعبة، قائلاً: “قواتنا قادت مواجهات في جميع المواقع استناداً إلى خبرات عناصرها في التعامل مع الشبكات الإرهابية وتمكنت من تحقيق النصر”، مضيفاً “شغاتي”: “نحن نمتلك جميع التفاصيل عن وضع “داعش” داخل قضاء “تلعفر”، وكذلك الطبيعة الجغرافية وكيفية التعامل مع الإرهابيين، إلى جانب التعامل مع المدنيين والحفاظ على أرواحهم”.
انهيار التنظيم..
في الوقت الذي أعلنت فيه القوات العراقية عن استعدادها لتحرير “تلعفر” من “داعش”، يشهدُ هذا التنظيمُ وضعاً منهاراً على مستوى مقاتليه وهيكلية قيادته، بالإضافة إلى إعتماد قادة “داعش” على المقاتلين المكلفين بمواجهة القوات العراقية, الذين بقوا داخل “تلعفر” أكثر من الذين هربوا إلى المدينة قادمين من الموصل.
كما ضعفت معنويات المقاتلين المحليين بعد تعرض الكثير منهم لعقوبات شديدة من قيادة “داعش”, وصل بعضها إلى الإعدام بسبب ما وصفه التنظيم “خذلانهم بموقعة الموصل”.
وفرضت قيادة “داعش” الإقامة الجبرية على عائلات المتبقين من مقاتليه وقادته ومنعهم من الهروب إلى خارج “تلعفر”، وهو ما يفسر محاولة التنظيم إجبار مقاتليه على القتال، بالإضافة إلى الإعتماد على الإنغماسيين الإنتحاريين أكثر من المقاتلين الميدانيين بسبب قلة عددهم.
أسباب تقويض قدرة “داعش”..
يضاف إلى الأسباب التي تقوض قدرة “داعش” على المطاولة بمواجهة القوات العراقية، أن الطبيعةُ الجغرافية لمدينة “تلعفر” ذات مساحات مفتوحة قياساً بمناطق الموصل المكتظة, برغم وجود بعض التضاريس المعقدة، وإنخفاض عدد العائلات والمدنيين المحاصرين في “تلعفر” قياساً بالذين كان يستخدمهم التنظيم دروعاً بشرية في الموصل، بالإضافة إلى الحشود العسكرية الكبيرة التي هيأتها القوات العراقية لمعركة “تلعفر”, والتي لا يمكن مقارنتُها بعدد “داعش” المنخفض جداً.
خطة دخول “تلعفر”..
قائد بوحدة مكافحة الإرهاب العراقية الفريق “عبد الوهاب الساعدي” يقول، إن القوات المسلحة العراقية لديها خبرة كبيرة وخاصة بعد معركة الموصل, حيث فقد تنظيم “داعش” قواته وأفراده هناك.. وأشار إلى أنه تم وضع خطة عسكرية لدخول “تلعفر” حيث أن طبيعة “تلعفر” الجغرافية الواسعة مختلفة عن أي مكان آخر, بالإضافة إلى قلة عدد الدواعش سيساعد على سهولة دخول المدينة.. موضحاً أن الخطة ستعتمد على الحفاظ على المدنيين والقطعان العسكرية قبل تحرير الارض، موضحاً أنه في بداية المعركة قد تكون هناك مقاومة من “داعش”, واشار إلى إن عامل الوقت في تحرير المدينة لا يوضع في أولوية المهام للقوات العراقية.
ستكون مقاومة “داعش” شرسة..
قال الخبير العسكري “أحمد الشريفي” أنه من حيث التقييم والهدف فان دخول “تلعفر” يعتبر صعباً, لذلك قامت القوات العراقية أولاً، بتوجيه ضربات جوية مع التمهيد البري على الأرض للدخول لأن الأرض واسعة وكبيرة ولا توجد فيها بنى تحتية كثيرة تعرقل مرور العجلات المدرعة والآليات, كما أن عدد السكان والمدنيين قليل ولا توجد قيادة مركزية لـ”داعش” بداخل المدينة.. موضحاً أنه من المبكر الحديث حول سقف زمني لتحرير “تلعفر” وهذا سيتحدد بعد فترة من الدخول لأن القادة, بحسب قوله, سيحددون هل ستشترك قوات النخبة و”الحشد الشعبي” لتشكيل أطواق للاقتحام وأيضاً معرفه عدد المحاور للدخول واقتحام المدينة.. موضحاً إن المقاومة من قبل “داعش” ستكون شرسة لأن معظم مقاتليهم من الأجانب, وهذا ما تضعه القوات العراقية في خططها قبل الاقتحام.
صعوبة سياسية..
بعيداً عن مسرح العمليات العسكرية وجهوزية القوات العسكرية، يرى المراقب للشأن الأمني الدكتور “صالح عبدالعزيز الوردي”, أن معركة قضاء “تلعفر” صعبة للغاية، وأن صعوبتها تكمن في شقها السياسي، وليس العسكري، بسبب أن القضاء يقطنه الآن سكان من القومية التركمانية ذات المذهب السني والشيعي.
وأن القوات المهاجمة الأساسية, والتي تقف على تخوم القضاء هي قوات “الحشد الشعبي”, المعروفة بانتمائها للمذهب الشيعي، وأن هناك أطرافاً إقليمية كتركيا ومحلية كممثلي المكون السني في العملية السياسية سوف يدخلون على خط المواجهة في حال لم تسارع الحكومة العراقية باستبدال القوات المكلفة بعمليات التحرير، ما يعني أن بقاء الوضع على ما هو عليه الآن سيعقد من حسم المعركة، وسيجعلها كراً وفراً وما التجربة السورية واليمنية ببعيدة عن هذا الواقع .
يجب إنهاء الخلافات السياسية..
مضيفاً “صالح الوردي” أنه لا بد من إنهاء الخلافات السياسية، وحل المشاكل بين الساسة وترتيب الأوراق الداخلية والخارجية، قبل الشروع بعمليات تحرير قضاء “تلعفر”. وفي حال جرى تصفية جميع الأوراق والوصول إلى صيغة حل ترضي الأطراف التي لها مصالح في القضاء، فإن المعركة سوف تنجز بوقت قياسي وستكون نتائجها الإيجابية واضحة للعيان، خاصة فيما يتعلق بالحفاظ على أرواح المدنيين العزل والقوات العراقية والبنى التحتية.
يجب التعامل بحذر شديد..
أضاف “الوردي” أن الأحداث ومستجداتها على الساحة العراقية تبين أن القائد العام للقوات المسلحة “حيدر العبادي” قد يتريث بعض الشيء بإطلاق ساعة الصفر لتحرير “تلعفر”، وهو يعي ما يفعل بانتظار حسم بعض الملفات العالقة وتهيئة الأرضية المناسبة لإطلاق مثل هذه العملية، التي تقوم على جزئيات وأسس طائفية, لذا فإن التعامل معها يجب أن يكون بحذر شديد ومدروس من كل الجوانب لمنع الوقوع في مستنقع، قد يكون الخروج منه بغاية الصعوبة، وبحاجة إلى سنوات والكثير من الأرواح والأموال.
تحديات عسكرية واجتماعية..
كما أكد قائمقام تلعفر “عبد العال العبيدي” على أن استعادة القضاء من سيطرة “داعش” أمر “محتوم”، لكن هناك تحديات “صعبة عسكرياً واجتماعياً تتطلب وضع خطة لتحقيق التعايش السلمي”، فيما حذر عضو في مجلس محافظة نينوى من “استغلال التنظيم قرار إشراك الحشد الشعبي في المعركة لخلق توتر في المنطقة”.
التحرير محتوم..
قال “عبد العال”: إن “المعركة تواجه تحديات صعبة، لكن لا أتوقع أن تكون أصعب من معركة الجانب الغربي من الموصل، وهي تحصيل حاصل والتحرير محتوم سواء كان صعباً أو سهلاً أو بخسائر كبيرة أو قليلة، لكن يصعب التنبؤ بمدة إنجاز النصر، على رغم أن “داعش” يعاني من انهيار عسكري ومعنوي، ولدينا معلومات أن هناك حالات هروب، ونهايته مسألة وقت”.
لافتاً إلى أن “التحدي الأول هو الأمن المتمثل بتصفية الدواعش والمتورطين معهم وخلاياه النائمة، يليه تحديات التعايش السلمي بعد الشرخ الذي خلقه “داعش” بين الأديان والقوميات والعشائر والمدن وهذه مهمة صعبة، ومن ثم يأتي التحدي الخدمي وجهود الإعمار”.
يوجد نوع من التوافق في الخطط العسكرية..
عن المخاوف من مشاركة “الحشد الشعبي” قال، إن “الوضع العراقي في شكل عام فيه تحديات كثيرة وله أبعاد وظروف مختلفة، والحشد لديه خط محددة وربما هناك نوع من التوافق في الخطط العسكرية، وقد تقع أخطاء وخسائر، لكن نتمنى أن لا تحصل بعض الأمور، والواقع أننا اليوم نعيش معتركاً صعباً، ونأمل في أن تجد أطراف التحالف الدولي والأمم المتحدة وتركيا معادلة للتعايش السلمي بأقل الخسائر والفتن، فبعض الذين خسروا أبناءهم وأحباءهم قد لا يرغبون في عبور هذه المرحلة وسيختارون الانتقام”.
تحذير من استخدام القوة..
عن الصعوبات التي ستواجه المعركة, قال عضو مجلس محافظة نينوى “خلف الحديدي”: إن “قضاء “تلعفر” واسع جداً, وهو من أكبر الأقضية مساحة وسكاناً تتبعه وحدات إدارية أهمها المحلبية والعياضية، وتركيبته العمرانية معقدة وفيه أزقة ضيقة في المدينة القديمة والتنظيم موجود بكثافة في هذه المنطقة، ومصير الرهائن هناك مقلق للغاية، ونحذر من استخدام القوة المفرطة كما حصل في الموصل القديمة كي لا تتكرر المأساة”.
يجب ترك منفذ للتنظيم للهرب..
مضيفاً “الحديدي”: أن “تدمير القضاء سيضعنا أمام معضلة كبيرة في المستقبل، وسيكون هناك ضحايا من الأطفال والنساء، فضلاً عن الصعوبات التي ستعرقل الإعمار ما يخلق مشكلات مركبة في عودة النازحين وتعويض المتضررين وغيرها “. وحذر من أن “استمرار محاصرة التنظيم بهذه الطريقة وعدم ترك منفذ له للهرب، سيجعل عناصره يقاتلون بكل شراسة إذ لن يكون أمامهم خيار آخر”.
اجتماع لأهالي “تلعفر”..
أشار “الحديدي” إلى أن “هناك قلقاً من إشراك قوات “الحشد الشعبي” في المعركة في وقت نحتاج إلى المصالحة، ففي “تلعفر” شيعة وسنة، ونحتاج إلى بذل جهود لتلاحم ولقاء رموز المجتمع مع قادة الحشد تسبق التحرير لطمأنة كل الأطراف”. وتابع: أن “داعش قرر الانتحار وهو يدرك حقيقة نهايته، ولا يخشى هذه النتيجة بناء على عقيدته، وسيضرب الجميع بقوة. بعد التحرير نأمل في أن يتوافر خطاب وطني من الحكومة الاتحادية والقوات الأمنية، وأن تسبق عملية التحرير اجتماع لأهالي تلعفر”.
عمليات انتقام..
من جانبه، حذر رئيس إقليم كردستان العراق “مسعود بارزاني” من عمليات انتقام قد تطال المدنيين في “تلعفر” إذا شاركت ميليشيات “الحشد الشعبي” في استعادة المدينة من قبضة تنظيم “داعش”، مشيراً إلى وجوب أن يتولى الجيش العراقي مسؤولية استعادة “تلعفر”.
رفض تركي..
من المعروف أن تركيا أعلنت رفضها, على مدى الأشهر الماضية, مشاركة الفصائل الشيعية في عملية “تلعفر”, وهددت باستخدام قواتها الخاصة إذا دخلت هذه الفصائل المدينة، لأن أنقرة تعتبرها جزءاً من أراضي الإمبراطورية العثمانية، في الوقت ذاته قال “محمد تقي المولى”، وهو نائب شيعي تركماني عن “تلعفر”، في 13 تموز/يوليو الماضي إن السفير التركي في بغداد أبلغه أن أنقرة تؤيد تحرير “تلعفر”, وليس لديها مشكلة من دخول قوات “الحشد التركماني” المنضوي ضمن “الحشد الشعبي” إلى المدينة، لكن المتحدث باسم الرئاسة التركية، “إبراهيم كالين”، جدد في مؤتمر صحافي, عقده في 20 تموز/يوليو الماضي, رفض أنقرة مشاركة “الحشد الشعبي” في عمليات تحرير قضاء “تلعفر”. وأكدت مصادر دبلوماسية تركية على أن أنقرة لم تغير موقفها بشأن مشاركة قوات “الحشد الشعبي”، في معركة تحرير “تلعفر”، ولن تسمح بأي محاولة لتغيير ديموغرافية المدينة.
وأضافت أن الموقف التركي من هذه المسألة واضح, وقد أبلغت به الحكومة العراقية، وتم التأكيد على أن تركيا لن تبقى صامتة إزاء أي محاولة للتأثير على وضع الأغلبية التركمانية في المدينة.
مشيرة إلى أن أنقرة بدأت إجراء اتصالات مع بغداد, عقب تصريحات “العبادي”, للتأكيد على رفضها لمشاركة “الحشد الشعبي” في العملية العسكرية في “تلعفر”.
وكان الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” قد وصف قوات “الحشد الشعبي”، القريبة من إيران، بـ”المنظمة الإرهابية”, واتهمها بالعمل ضد قضاء “تلعفر” الذي أكد أهميته بالنسبة لتركيا.