22 ديسمبر، 2024 9:42 ص

أثر التنوع الثقافي والعرقي والاقتصادي داخل الدولة على إستقرارها

أثر التنوع الثقافي والعرقي والاقتصادي داخل الدولة على إستقرارها

يعـد التنـوع الثقـافي والاجتمـاعي مـن ابـرز سـمات المجتمعـات البشـرية وهنـاك القليـل مـن المجتمعـات مـن يمتلـك ثقافة وهوية وعادات وتقاليد واحدة وموحدة، وعلى الـرغم مـن هـذه القلـة إلاإن الكثيــر مــن المجتمعــات ذات التعــدد الثقــافي والاجتمــاعي تعــيش فــي حالـــة مـــن التوافـــق والانســـجام إذ تتوحـــد الثقافـــة والهويـــة الخاصـــة والعامــة معــا فــي هويــة واحــدة ومجتمعــه تســود الدولــة والمجتمــع معــا، لكن هنـاك مجتمعـات تعـيش أيضـا فـي حالـة مـن عـدم الانسـجام نتيجـة لســيادة وســيطرة ثقافــة أو هويــة معينــة علــى بــاقي الثقافــات والهويــات الأخرى في المجتمع ذاته، هذا الوضع يخلق حالة من عـدم “الاسـتقرار الاجتمــاعي لتســيّد ثقافــة مــا علــى حســاب الآخــرى فــي المجتمــع الواحــد سواء كانت تمثل تلك الثقافة أقلية أم أكثرية وبدوره يؤدي هذا للإخـلال بالهيكـل الاجتمـاعي وتكوينـه لأنـه يشـيع جـوا مـن التـوتر والاضـطراب بـين المـواطنين وفقـدان الثقـة فيمـا بيـنهم ,فتســـيطر النزعـــة الفرديـــة أو المذهبيـــة أو القوميـــة علـــى الإفــراد داخــل المجتمــع لشــعورهم بــالقهر الاجتمــاعي لاســتمرار حالــة الصـراع الثقـافي وضـياع هـويتهم، ممـا يـؤدي إلـى ” خلـق جيـل كامـل مشــحون بالأوضــاع الســلبية لــذلك الصــراع فيــدين بكثيــر مــن العـــداء لصـور الحيـاة المختلفـة التـي يعيشـها فـي ظـل ذلـك المجتمـع ومصـدر هــــذا العــــداء نتيجــــة لشــــعورهم بفقــــدان العدالــــة والمســــاواة الاجتماعيــــة ٕواحساســهم المســتمر بانتهــاك حقــوقهم” ،فعملية الإقصــاء والتهمــيش التي تمارسها السلطة ضدهم تترك أثرا سلبيا عليهم لان دورهـم مهمـش كانســـان أولا ومـــواطن ثانيـــا وبالنهايـــة إحساســـهم بـــأنهم عناصـــر غيـــر فاعلـــة داخـــل المجتمـــع، مـــن هنـــا يتحـــول الإقصـــاء والتهمـــيش دافعـــا لممارســة الإرهـــاب ســـواء ضــد أفـــراد المجتمـــع نفســه أو ضـــد الســـلطة القائمــة كوســيلة لإثبــات هــذا الطــرف لوجــوده للطــرف الآخــر، وانتــزاع حقوقــه منــه ولــو بــالقوة واســتخدامها كهــدف أساســي لانتهاجــه طريــق ممارســـة الإرهـــاب، ونلاحـــظ فـــي الوقـــت الـــذي تمـــارس فيـــه الســـلطة عمليات الإقصاء والتهميش ضـد فئـات معينـة فإنهـا لاتثيـر لـديهم حالـة الاســتياء وعــدم الرضــا تجاههــا وحســب نتيجــة الممارســات اللاانســانية واللااخلاقيـــة تجـــاههم، وانما أيضـــا نجـــد إن تلـــك الممارســـات المســـببة لتشــــتيت البنيــــة الاجتماعيــــة والثقافيــــة لــــذلك المجتمــــع مــــن شــــانها إن تجتذب الخصوم والأعداء من خارج الدولـة، فهـولاء سيسـتغلون ضـعف تلـك البنيـة والمشـكلات التـي تعصـف بـالمجتمع للقيـام بأعمـال إرهابيـة عـدة الهـدف منهـا زعزعـة امـن واسـتقرار تلـك الدولـة وذلـك عـن طريـق تحـــالف الفئــــات المهشــــمة معهـــم لتحقيــــق مآربهــــا، وعلـــى الــــرغم مــــن اخـتلاف مصــالح وأهـداف كليهمــا إلاإن الغايــة التـي يســعيان لتحقيقهــا واحدة.
و التنوع الثقافي معناه الاختلافات القائمة بين المجتمعات الإنسانية في الأنماط الثقافية السائدة فيها و يتجلى هذا التنوع من خلال أصالة و تعدد الهويات المميزة للمجموعات والمجتمعات التي تتألف منها الإنسانية فهي مصدر للتبادل و الإبداع، كما أنه ضروري للجنس البشري مثل ضرورة التنوع البيولوجي بالنسبة للكائنات الحية.و بهذا المعنى فإن التنوع الثقافي هو التراث المشترك للإنسانية و ينبغي الاعتراف به و التأكيد عليه لصالح أجيال الحاضر و المستقبل إلا أن التاريخ قد أظهر أن النازحين الجدد أو مجموعات الأقلية لا ينظر إليهم على كل حال من زاوية إيجابية. فالحروب و النزاعات في أفريقيا و منطقة البلقان و الشرق الأوسط تدور رحاها بسبب عدم القدرة على التكيف مع هذا التنوع الثقافي و مواكبته رغم أنه من أقدم الظواهر الثقافية على الإطلاق ,وتؤدي الى ازدهار التنمية البشرية والاقتصادية . غير أنه لا بد من الوقوف عند مستجد قد يجعل من التعدد الإثني والمذهبي أخطر مدخل لاختراق الأمة وتفتيتها. فسعيا منها لاكتساب شرعية الوجود باعتبارها إحدى الدول القومية ، عملت “إسرائيل” ولا زالت تعمل على تصوير المنطقة على أنها مجموعة أقليات لا يجمعها تاريخ موحد ، وتاريخها الحقيقي هو تاريخ كل أقلية على حدة.
الثقافة والتنمية عنصران يكمل بعضهما بعضا، والحق في الثقافة يمهد ويتساوى مع الحق في التنمية، الذي أقرته الأمم المتحدة في العام 1986 باعتباره حقا جماعيا وفرديا، مثلما هي الثقافة تماما، وهو ما كرسته شرعية حقوق الإنسان الدولية، بإقرارها بالتنوع الثقافي والتعددية الفكرية والقومية والدينية واللغوية، على أساس المساواة.
والازدهـار الاقتصـادي وتقدمـه دليـل واضـح علـى اســتقرار الدولــة والمجتمــع ككــل، ووجــود مثــل هكــذا ازدهــار معنــاه إن السـلطة القائمـة فيهـا لـديها القـدرة علـى اسـتغلال كـل الطاقـات المتاحـة ,والموارد الطبيعية والتنمية الاقتصادية بشكل متوازن وعادل لدفع عجلـة اقتصــــادها نحــــو الأمــــام، بمــــا يحقــــق الاســــتقرار والرفــــاه الاقتصــــادي لمجتمعهــــا والــــذي بــــدوره يــــنعكس علــــى تحقيــــق واســــتتباب الاســــتقرار السياسي والاجتماعي والأمني، لكن في حالة تردي وضعف الأوضـاع الاقتصادية وزيادة التمايز الطبقـي وهذا لـم يكـن يومـا ظـاهرة جديـدة ٕوانما ظاهرة رافقت المجتمعات البشرية على مر التـاريخ، إلا إن وضـعه تفاقم بشكل كبير في الآونة الأخيـرة خاصـة بعـد ظهـور وتفشـي الأزمـة المالية وانتشـارها فـي كـل أنحـاء العـالم عـام 1929،هذه الأزمة أدت إلى زيادة حالة الفقـر والجـوع فـي العـالم اجمـع الأمـر الـذي زاد مــن حالــة البــؤس والإحبــاط واليــأس لــدى الكثيــر مــن المجتمعــات “نتيجة لزيادة المسافات بين طبقـات المجتمـع، فـالفوارق الطبيعيـة بيـنهم انحسـرت بـين طبقـة ثريـة جـدا وطبقـة مسـحوقة جـدا تعـيش تحـت خـط الفقـــر أمـــا الطبقـــة المتوســـطة المتعـــارف عليهـــا بـــدا وجودهـــا يتلاشـــى تـدريجيا لدرجـة انعـدامها تمامـا فـي بعـض المجتمعـات” ،هذا الوضـع أدى إلـى خلـق ردود فعـل عكسـية وعنيفـة تجـاه السـلطات الحاكمـة فـي دول مختلفـــة مــــن العــــالم بســــبب ” ســـوء اســــتخدامها وتوزيعهــــا للثــــروة الوطنية في ظل هيمنة الاقتصاد الرأسمالي وسـيطرة الشـركات الكبـرى علـــــى الاقتصـــــاد العـــــالمي والـــــذي أدى إلـــــى حـــــدوث تلـــــك الكـــــوارث الازمة الاقتصــادية وزيــادة الطبقــات المعدمــة اقتصــاديا لاســتغلالها مــن قبــل الأقليــــة الثريــــة ،”فظهور مشــــاكل مثــــل البطالـــــة والتضــــخم المـــــالي ومشــكلات الســكن وانخفــاض المســتوى المعاشــي لتلــك الطبقــات دفــع بعـض مـنهم إلـى ممارسـة الإرهـاب ضـد السـلطة القائمـة أو المؤسسـات والشركات الاقتصادية الكبرى، سواء كان ذلك بشكل فـردي أو جمـاعي فشـــعور تلـــك الطبقـــات بحالـــة العجـــز واليـــأس دفعهـــا للقيـــام بعمليـــات انتقاميــة عــن طريــق اســتخدام القــوة والعنــف لضــرب مصــالح وأهــداف إسـتراتجية لتلـك الجهـات المسـببة لهـذه الأضـرار الاقتصـادية لهـم، إذن أصبح اللجوء إلى ممارسة الإرهـاب فـي عالمنـا اليـوم كـدافع أو أسـلوب لتعبـر مـن خلالـه بعـض الجماعـات عـن احتجاجهـا ورفضـها للأوضاع الاقتصادية المتردية التي ألمت بهم وبالمجتمع كله.
ويمثـل الـدافع القـومي سـببا آخـر لممارسـة الإرهـاب فـي المجتمعات التي تضم أكثر من قومية واحـدة، فحـين تسـيطر قوميـة مـا على باقي القوميات الأخرى عبر إدارتها لأمور الـبلاد ومـنح المكاسـب والامتيــازات وحصــرها بإتبــاع قوميتهــا علــى حســاب الآخــر، مثــل هــذا الأمــــر مــــن شــــانه إن يولــــد حالــــة مــــن الاســــتياء والشــــعور بالإقصــــاء المتعمـد، ونتيجـة لـذلك ينشـا مـايعرف بالصـراع القـومي المسـتتر داخـل أطيــاف المجتمــع الواحــد، خاصــة إذ شــعرت قوميــة مــا بأنهــا لاتتمـــع بكامل حقوقها وحرياتها الأساسية مما يدفعها إلى انتهاج طريق العنـف وممارســة الإرهــاب، حينمــا يتعــذر عليهــا الحصــول علــى تلــك الحقــوق بـالطرق السـلمية لانعـدام الحـوار الـديمقراطي البنـاء الـذي يزيـد مـن حـدة الفــوارق مــابين القوميــات أكثرفــأكثر، فــلا يبقــى أمامهــا ســوى ممارســة الإرهاب لتحقيق ما تصـبو إليـه “فحتـى الـدول الأكثـر ديمقراطيـة نجـدها تعاني أيضـا مـن عمليـة التمييـز القـومي داخـل مجتمعاتهـا والتـي كـادت فــي كثيــر مــن الأحيــان إن تــؤدي إلــى انفصــالها عــن الدولــة المركزيــة لتقـديم لنفسـها دولـة مسـتقلة بـذاتها مـن اجـل التمتـع بجميع حقوقهـا . من هنا نجد أن بعض المختصـين بدراسـة الإرهـاب يطلقـون علـى الأعمـال الإرهابيـة التـي تمـارس بـدافع قـومي بالإرهـاب الانفصـالي الـذي يتميـز بالاستمرارية والطابع الشعبي لأنه يعتمد على تأييد أبناء الفئـات القوميـة ذاتها لتحقيق أهدافها الانفصالية وخلق كيان مستقل خاص بها.