من يريد أن يعرف ظلامة العراق عليه أن يعرف ألامراض الثقافية التي يعاني منها البعض , ومن يريد أن يكتشف أماكن ترويج أفكار تلك ألامراض الثقافية عليه أي يتابع ماتبثه بعض الفضائيات وماتكتبه بعض الصحف مستغلين فترة الحرية التي أختلطت فيها شوائب كثيرة تحمل نوايا خطيرة , وغاب عنها الحضور الفكري ورجاله الذين يعرفون معاني المصطلحات ويحترمون كل ألاتجاهات ولكن عندما تكون تجتهد ثقافيا وتسعى سياسيا للبناء الذي يحرر ألانسان من شرنقة الشهوات التي لاتعرف غير دكتاتورية البطن والفرج , تلك الدكتاتورية التي تخدر العقول وتصنع كل مايقرب من السقوط وألافول , وتاريخ ألامم البائدة منعتها تلك الدكتاتورية من أن تكون رائدة ؟
وحاضر الشعوب اليوم مهدد من مخاطر وأشياء كثيرة , ولكن يبقى تهديد دكتاتورية الجنس هو ألاكثر خطورة لآنه مثلما قوض وأسقط حضارة روما وأثنا وحضارة بغداد في الماضي فأنه يمثل التهديد غير المسيطر عليه في الحاضر , وما ظاهرة التعري أحتجاجا التي رافقت أولمبياد لندن 2012 والتي أخذت وقتا وجهدا كثيرا من شرطة ألالمبياد وأدارته ؟
تسعى ومنذ فترة ليست بالقصيرة بعض الفضائيات التي وجدت من قبل أرادات دولية أجنبية لبث ألافكار المشوشة مثل :-
1- النوادي ألاجتماعية وحريتها , وهي تسميات مضللة تفوت على المشاهد غير المتخصص معرفة الحقيقة , والنوادي ألاجتماعية يقصدون بها كل من :-
أ- البارات : وهي محلات بيع الخمور
ب- الملاهي الليلية : وهي منازل الدعارة
ونتيجة لذلك تحولت نوادي أغلب النقابات الى محلات لبيع الخمور وأصبحت كل النوادي البغدادية المعروفة والتي كان يجب الحفاظ على هويتها ألاجتماعية والترفيهية البريئة الى نواد تتخص ببيع وتقديم الخمرة دون سواها من المتع والترفيه ألاجتماعي مثل : الرياضة والسباحة , وألانترنيت , والمكتبة , والقبة الفضائية التي تعتبر في الدول ألاوربية من أكثر الوسائل الترفيهية المشوقة ؟
2- التركيز على العلمانية والدعوة اليها وتغليبها على ماسواها في دعوة مبطنة لآسقاط الشبهات على الدين من خلال أخطاء من يتلبس بالدين .
3- الدعوة للآفكار الديمقراطية بطريقة مشاغبة تنتقد السلوك الحكومي وسلوك أحزاب السلطة وتسميهم بالمتدينين مما تجعل المشاهد الذي يعرف أخطاء الحكومة وأخطاء أحزاب السلطة يميل الى الشعارات الديمقراطية عاطفيا , ولم يدرك أن هذا فخ ثقافي يريد أبقاء المجتمع العراقي متناحرا متخلفا لايعرف ماهو الدين الصحيح وماهي الديمقراطية الصحيحة فمثلما أخفقت أحزاب السلطة في ترجمة السلوك الديني مما جعلت مثقفا مثل غالب الشابندر يقول : بصحة الدين وعدم صحة وجود المتدين وهو أستنتاج غير صحيح نتيجة معاناة غالب الشابندر من الذين أدعوا التدين وهي معاناة صحيحة يؤجر عليها ولكن دون أن تختلط لديه مفاهيم الصح والخطأ عند ألانبياء ودون أن يذهب الى عدم وجود دليل شرعي للحجاب , فهذه أشكالات معرفية لاأرجوها للاخ غالب الشابندر الذي أعرف أخلاصه وجدية ثقافته .
4- الدعوة المبالغ فيها للعلمانية في العراق : وكنت قد سئلت ذات مرة في أحدى القنوات الفضائية عن الديمقراطية من حيث ألاصطلاح , فقلت : الديمقراطية فكر أنساني لتنظيم الدولة , والعلمانية فكر أنساني كذلك , ولكن ألانسان يحتاج الفكر الذي يقف معه في ضعفه ومرضه وعند موته , والديمقراطية والعلمانية لاتحقق ذلك , بينما يحقق ذلك فكر السماء .
وعندما يقول أحدهم من على أحدى تلك القنوات الفضائية التحريضية ذات الخلفية المخابراتية الدولية : ليجتمع نخبة المتدينين ونخبة العلمانيين ويفتحوا نقاشا موسعا ومفتوحا ليعرف الناس من هو على الخطأ ومن هو على الصح ؟
ثم يقول هذا المتحمس للعلمانية : أن المتدينين هم قلة , والعلمانيين هم ألاكثرية في العالم ليستنتج وبطريقة تحتوي على أخطاء فكرية وسياسية : أن على المتدينين أن يفسحوا الحرية للعلمانيين في العمل ويقصد هنا : حرية البارات والملاهي الليلية وهي منازل الدعارة والتي يسميها تهربا من مواجهة الواقع ” النوادي ألاجتماعية ” وهي مصادرة كبرى يراد لها تمويه الحقائق وتمرير ألاباحية وتدمير العقول بحجة الحرية الشخصية
أما الخطأ الفكري لمثل هذه الدعاوى فهو الخلط مابين صحة الفكرة وعدم صحتها , وكثرة أتباعها وقلتهم , فألاصل في ألافكار والشعارات صحتها وليس كثرة من يتبعها ؟ ولذلك قال تعالى :” وأكثرهم للحق كارهون ” وقال تعالى :” وأن تطع أكثر من في ألارض يضلوك ” .
وأما الخطأ السياسي في مثل فكرة المحاور على تلك القناة فهو خلطه بين الحاضنة العراقية وهويتها الوطنية وعدم ألالتفات الى عاداتها وتقاليدها التي تترجمها عقيدة غالبية الشعب العراقي الذي يحرص على مناسباته العقائدية حرصا يفوق كل مظهر من المظاهر التي لاتكتسب درجة المنافسة حتى في الفهم الديمقراطي العلماني , وجعله من النسبة الدولية للعلمانية سبيلا للمقارنة مع نسبة المتدينين في العراق هو تعسف لاتقره قواعد ألاحصاء لتحليل البيانات علميا , وهو تعسف بحق الهوية الوطنية التي لايجوز أقحامها في غير شأنها وخصوصيتها العراقية , مثلما لايجوز أقحام ما هو شأن خاص لآتجاهات على مستوى الشعوب والدول على شأن خاص بهوية وطنية أو عقائدية تكتسب مشروعية قانونية معترف بها في شرعة حقوق ألانسان , وتلك هي العقيدة الدينية بمسمياتها المختلفة المعروفة ولقد رأينا كيف أن ألاساءة المتعمدة لشخصية رسول الله “ص” كيف أثارت غضبا بعضه خرج عن السيطرة فتسبب في أخطاء لايقبلها الدين .
أن الحاضنة ألاكثر عددا وشعبية في العراق هي الحاضنة الدينية
ومن يريد أن يكون مثقفا وطنيا عليه أن يدرك هذه الحقيقة التي لايرفضها الفهم الديمقراطي العلماني السليم .
ومن يريد خلاص العراق من هذا التخبط الذي يشترك فيه المتدين والعلماني على حد سواء عليه أن يعرف بوصلة التحرك ألاجتماعي بشعبيته التي تتأصل فيها المناسبات الدينية والتي لاتقبل أن تكون النوادي ألاجتماعية حكرا على الخمور والملاهي الليلية , ومن يصر على ذلك الغطاء الخطأ يخسر ألاجتماع والسياسة ؟
رئيس مركز الدراسات وألابحاث الوطنية
[email protected]