مقاربة مؤلمة حد الضحك، تلك التي تقفز للذهن مباشرة عندما نسمع أن الفنان المصري المخضرم الذي عانى طوال السنوات التسع الماضية من مرض الشلل التام، منعه من الكلام والسير لممارسة عمله، وبعد تلك السنوات التسع العجاف عاد ليتحدث ويسمع الناس صوته الذي تميز به في أعماله الفنية، في حين أن بعض المراجع الدينية التابعة لبريطانية في النجف الأشرف بقيت صامته عن الحديث والمواقف بإستثناء تلك الداعمة تارة لقائمة سياسية وأخرى مؤيدة بصورة غير مباشرة لقوى الإحتلال والتدمير الأمريكية البريطانية التي عاثت فسادا وتدميرا في بلاد القباب الذهبية بلاد علي أبن ابي طالب منذ عام 2003.
وحتى نفهم فلسفة الصمت التي التزمت بها مرجعية علي السيستاني وشرعتها بين المتعلمين والعوام المقلدين لها، عندما أشاعت تلك المرجعية في المساجد والمدارس والحوزات الدينية وغيرها حرمة التحدث بالاجتهاد والمرجعية وان المتحدث بها يحدث فتنة فشاعت هذه الفتوى بقوة معتبرين اننا في زمن احتلال والتفرقة من عمل الشيطان، فابعدوا الشارع عن التحدث بإجتهاد مرجعية السيستاني وشرعية الصمت. حتى نفهم هذا الصمت علينا أن نعود قليلا إلى الوراء وتحديدا إلى بدايات القرن الماضي عندما رسم العقل المدبر والمخطط الرئيسي للسياسات الإستعمارية البريطانية في العراق الكولونيل سير بيرسي كوكس، قاعدة ثابته لتحقيق السياسات الإستعمارية البريطانية في عراق أبن ابي طالب، والتي بقيت عالقة في أذهان المخطط الإستعماري البريطاني الحديث وكانت الركيزة الأساسية التي قام عليها الإحتلال البريطاني الايراني الامريكي المشترك في العراق عام 2003.
كوكس أكد في مذكراته وبعد معايشته لواقع المجتمع العراقي، أن إحتلال العراق يستلزم ابتداء إحتلال الحوزة الدينية في النجف الأشرف، حيث رأى المخطط البريطاني أن الجانب الديني في بلاد الرافدين وخاصة في الوسط والجنوب أكثر فاعلية وارتباطا بالمؤسسة المرجعية الدينية، وشكلت العلاقة بينهما مبعثا لحيرة عقول المستعمرين. وكان السيطرة تلك المؤسسة الشغل الشاغل لأجهزة الإستخبارات البريطانية وخصوصا بعد دورها الكبير والمؤثر في إشعال الثورة العراقية الكبرى عام 1920 والمعروفة بـ”ثورة العشرين”.
وقد عملت الأجهزة الإستخبارية البريطانية في تلك الفترة على وضع الخطط المستقبلية للسيطرة على المؤسسة الدينية في النجف، وتركت قطف الثمار لأوقات أخرى بعد سنوات طويلة، حيث عملت منذ ذلك الوقت على ايجاد وصناعة الشخصية المناسبة التي تتقمص المرجعية مستقبلا، وزرعها في قلب الحوزة بعد تدريبها وتأهيلها، والمحافظة على هذه الشخصية ودعمها ماديا وإعلاميا وإسنادها بشخصيات مزروعة في قلب المؤسسة الدينية، وإيجاد بدائل لهذه الشخصية للحالات الطارئة، فضلا عن تمهيد الطريق لوصول هذه الشخصية الى زعامة الحوزة وذلك بالتخلص من اي مرجعية اخرى خصوصا ان كانت مرجعية عراقية وطنية وعدم السماح لأي بوادر لظهور تلك المرجعية، كما حصل مع مرجعية السيد الشهيد الصدر الثاني محمد محمد صادق الصدر التي وقفت بقوة إزاء المرجعية البريطانية وفضحتها أمام العامة من الناس وكشفت بهتانها وكذبها وعدم صدقيتها، فما كان من بريطانيا إلا أن دبرت عملية أغتياله بمساعدة من تلك المرجعية التي تدعمها بريطانيا، وهي مرجعية السيستاني، بواسطة شرطيها المطيع صدام وحزبه البعث المجرم.
الأجهزة الإستخبارية البريطانية لم تكتف بذلك بل شجعت منذ بدايات القرن الماضي على وصول شخصيات من أصول فارسية لقمة الهرم المرجعي الديني في النجف الأشرف، لاعتبارات عديدة منها أن اللغة ستكون فرصة مناسبة للتهرب من الحوارات والنقاشات العلمية بحجة صعوبة التكلم باللغة العربية، مما يساعد على ان يتم طرح الامور والفتاوى على الناس عن طريق وكلاء هذه المرجعية، والذين هم ايضا من الموالين لبريطانيا والمسخرين لدعم تلك المرجعية، كما هو الحال مع السيد احمد الصافي في كربلاء والسيد علي عبد الحكيم الصافي والشيخ محمد فلك في البصرة. كما عملت تلك الدوائر الإستخبارية على ابعاد هذه المرجعية عن الاضواء كشخصية وعدم تماسها المباشر مع الناس والمؤسسات الاعلامية والعمل على اضفاء صبغة الكهنوتية عليها وتحويل الحوزة الى بابوية جديدة تهتم بشؤون الصلاة والصيام والحج والخمس والاستخارة وتفسير الاحلام ومسائل الحيض والاستحاضة والنفاس الطهارة من الجنابة بعيدا عن السياسة وعن الاهتمام بشؤون الناس وبعيدا عن قضاء حوائج الضعفاء والمستضعفين وعدم المطالبة بحقوق ونصرة المظلومين ولا تتدخل إلا في الحالات الطارئة لتوجيه الناس حسب ما تشتهيه القوى المحركة لهذه المرجعية، فالسيستاني لم يتجرأ على تسمية الأمريكان والبريطانيين بالمحتلين بل سماهم بالتحالف والائتلاف في وقت كان الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش يقر ويعترف بأنهم محتلين. كما اننا لم نسمع من وكلاء السيستاني ينقولون عنه بانه يعرف او انه قد سمع يوم من الايام بكلمة استعمار فضلا عن نطقها، كما أن هذه المرجعية لم تراع شؤون المؤمنين ولم تلتفت الى مصائب الفقراء، وهم قريبون منها، وحي الرحمة والجديدات الأربعة وحي مظلوم في بحر النجف أكبر شاهد على الكلام.
بدأت بريطانيا وكما يقول الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) في لقائه المتلفز المعروف بلقاء الحنانة، بتأسيس مرجعية السيستاني منذ وقت طويل. فالسيستاني دخل العراق عام 1985 في عز الحرب العراقية الإيرانية، قادما من السعودية عن طريق الكويت، مما يثير الكثير من علامات الإستفهام عن القوى الكبيرة التي أجبرت النظام الصدامي الدموي على قبول دخول شخص يحمل الجنسية الإيرانية، والحدود بين العراق وإيران ملتهبة بحرب قاسية ومدمرة. وبعد وصول السيستاني إلى النجف الاشرف تمركز فيها وبدا يتسلق الى الواجهة سريعا رغم وجود علماء كبار واصحاب نتاجات علمية رصينة في حين انه (السيستاني) لم يكن يستحق دخول دروس البحث الخارج ولم يكن له أي نتاج علمي أو فكري معروف، وهكذا تربع السيستاني على عرش الحوزة وهو لا يمتلك اي مقوم من مقومات قيادة المؤسسة الدينية، ومهدت له الارضية المناسبة من أجل تحقيق الحلم الاستعماري التأريخي الذي يتضمن احتلال العراق والتحكم بمقدراته وتحريك الناس حيث تريد القوى المحتلة من خلال التلاعب بالمؤسسة الدينية وجعلها طائعة لتنفيذ تلك المخططات.
لا شك أن وراء صمت السيستاني ومن يدير الصمت والحديث شخص هو من يتحكم بالمؤسسة الدينية في النجف الاشرف بعد أن تم إقصاء السيستاني ومنعه من الكلام، وهو نجله محمد رضا يسانده في ذلك جواد الشهرستاني زوج ابنة السيستاني والواجهة السياسية هو حسين الشهرستاني أبن عم جواد الشهرستاني، حيث يدير جواد الشهرستاني الامور المالية في مرجعية السيستاني عامة وما غنمه حسين الشهرستاني من تولي زعامة الموارد العراقية، مما يعني ان المسؤولين الجدد لهذه المرجعية والمحكومين تماما من الإستخبارات البريطانية هم الذين يقررون من يصمت السيستاني ومتى يستمر بالصمت ويلتزم به مادام الصمت اصبح بابا من أبواب تحقيق المصالح البريطانية والمصالح الخاصة بالإدارة الجديدة لهذه المرجعية من خلال سيطرتها على ملف الطاقة في بلاد الرافدين، وبالتالي فهذه الإدارة هي التي ستقرر من سينهض السيستاني من سباته ليتكلم وربما هذه المرة سيتكلم فقط ليلعن محمود الهاشمي الشاهرودي خليفته الجديد الذي تعمل بريطانيا على تجهيزه بعيدا عن الأضواء.