(زيارة السيد المالكي ووفد حزب الدعوة المرافق له الى روسيا تموز ٢٠١٧)
ليست السياسة علم كما يقال ،يتم تدريسها في كليات العلوم السياسية،بل هي مزيج من الدهاء، والمكر، والخداع ،والفطنة والحذر، وفن السلوك(والاخلاق ،والمبادى، والمصالح، والمنافع المتبادلة، والثقافة ،والمعرفة، الخ.)،تتباين تلك المفاهيم او الاسس العملية والنظرية للعمل السياسي وفق حاجاتها واستخداماتها ،تبعا للظروف والمواقع والمواقف والايديولوجيات الحزبية او الفكرية، فهناك جانب كبير للشيطان فيها(يسمى احيانا بالضرورات الوطنية او القومية او السياسية )،يكتسح من امامه الحد الادنى من المثل والقيم الانسانية الطبيعية(مايحصل من حروب وصراعات وازمات مفتعلة مدفوعة الثمن ،يسقط الالاف من الضحايا الابرياء دون رحمة)،ولهذا يكاد يخلوا التاريخ من اية حقائق سياسية مهمة عن وجود الامبراطوريات والقياصرة واالملوك والحكومات والانظمة الشبه مثالية ولو نسبيا ،كانت فيها كفة الاخلاق والانسانية والنزاهة راجحة ،فالعام تتحكم به السياسات الفردية الرأسمالية او الدموية او الاستبدادية،لكن في الحضارة الحديثة اصبحت هناك اسس جديدة للعمل السياسي
المحلي والاقليمي والدولي،تبنى معارفها الثقافية او مفاهيمها على اسس عصرية علمانية،روج لها النظام العالمي الجديد،الذي اراد ان يسيطر على حركة الاقتصاد والتجارة والاموال عبر بوابة السياسة(التي تعني القوة العسكرية الممزوجة بالعمل السياسي لفرض الهيمنة)
،فبات يعرف في العلاقات والتعاملات الدولية مايسمى البرتوكول ،الاتفاقات ،والاجراءات الاولية ،والمقدمات الدبلوماسية، والاستراتيجيات والمصالح وتبادل الزيارات وفق المستويات الرسمية،والاعراف والاحترام المتبادل،اطار عمل مشترك، الخ..
ماحصل من زيارة رئيس الوزراء السابق (والامين العام لحزب الدعوة)المالكي والوفد الحزبي المرافق له،بحاجة ان يتوقف عندها الجميع ،كي يتجنب اي سياسي او مسؤول حكومي الوقوع بالخطأ (الذي نحسن الظن ونقول لم يكن مقصودا) مرة ثانية،
فروسيا التي تتهم بالتدخل في الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الامريكية(وكذلك في فرنسا وعدد من الدول الاخرى)،ليس صحيحا ان يقوم رئيس اكبر كتلة سياسية في البرلمان (المالكي رئيس الكتلة خارجا وعبد الصمد داخل البرلمان)بزيارة تلك الدولة المهمة قبل موعد الانتخابات البرلمانية القادمة بعدة اشهر(اقل من سنة تقريبا)،
الزيارة لم يعلن عنها رسميا(اي من قبل الحكومة اورئاسة الوزراء)،ولم تتم وفق تحضيرات دبلوماسية مسبقة،فضلا عن ان منصب نائب رئيس الجمهورية شهد عدة اشكالات، ولاتمثل السلطة التنفيذية،
الخطأ الالاخر الذي رافق الزيارة هو مشاركة بعض مايسمون بقيادات حزب الدعوة(جناح المالكي او المقربين منه)،ليس عند الروس اية اشكالية من هكذا زيارات،البلد الشيوعي الام اعتاد على مثل تلك المواقف والزيارات والعلاقات والمقابلات منذ الحرب العالمية الثانية،وقد يكون سعيدا بها لاستثمارها واستعراضها امام الامريكان،كرسالة مهمة بأن لهم في العراق يد قوية خارج اطار الدولة المتناغمة حاليا مع التوجهات الامريكية،لكن هذا الامر لايعني شيئا لاي حزب او حركة سياسية عراقية،الا اذا كانت مهتمة بايجاد راعي دولي لتطلعاتها الانتخابية القادمة،
كما تفعل بعض القوى السنية او الحركات السياسية المشكوك بنزاهتها في العراق وسوريا(وحتى اليمن وليبيا)،لكن تلك الجماعات والتكتلات السياسية المشبوهة(والارهابية كما في سوريا والعراق)،لاتذهب على الطريقة المالكية الاخيرة،انما عبر مؤتمرات سياسية يروج لها اعلاميا بشكل جيد قبيل انعقادها،وهي في اغلبها حفلات مفضوحة لاستلام الاوامر والاموال لتنفيذ الاجندات التخريبية الخارجية في بلادهم..
قد يكون السيد المالكي يشعر بحصار او نية ابعاد امريكي، اقليمي ،عريي وايراني شديد ، لايدعم طموحه اوطموح كتلته في البقاء ضمن دائرة المنافسة القوية ،وفي المقدمة مع بقية التيارات والاحزاب السياسية بالمحافظة على نسبة المقاعد والتأثير في الانتخابات البرلمانية والمحاصصة القادمة،وخصوصا بعد ان اتضحت صورة المنافسة بينه وبين السيد العبادي في تلك الصراعات السياسية المتبادلة والمستمرة،والتقارب الحذر والمشروط بين رئيس الوزراء مع كتلة السيد عمار الحكيم، والسيد مقتدى الصدر ،وبعض فصاىل الحشد ،والاحزاب الكردية،واراد بهذه الزيارة قلب الطاولة وتغيير تلك المعادلة قبل ان تنجح تلك الخطوات في مسالة الابعاد والاقصاء وسحب البساط من تحت كتله،لكننا نؤكد ان الطريقة والتوقيت وتركيبة وفد الزيارة خدم الروس اكثر مما خدم السيد المالكي وجناحه المرتبك….