الليلة قبل قبل الماضية (الأحد/ الإثنين) عشناها في قلق شديد، فقد بدا لنا أن الأمر قد قُضي وأننا بقوة القانون الذي سيشرّعه مجلس النواب عائدون إلى عهد الدكتاتورية الصدامية المتوحشة بعد أربع عشرة سنة من الخلاص منها.
أمّا الليلة قبل قبل الماضية فهي الليلة التي سبقت اليوم الذي كانت ستُعرض فيه مسودة قانون حرية التعبير والتظاهر السلمي على مجلس النواب للمرة الأخيرة للمصادقة عليها. وأما نحن الذين عشنا تلك الليلة في قلق شديد من العودة إلى حقبة ما قبل 2003، فالمقصود بنا المنظمات المعنية بحرية التعبير وحقوق الانسان والحقوق المدنية والسياسية، والقوى الوطنية الديمقراطية، ونشطاء الحركة الاحتجاجية الشعبية المتواصلة منذ سنتين، وكذا المثقفون والناشطون المدنيون الذين انخرطوا مع هذه المنظمات والقوى منذ 2011 في نضال مثابر لتعديل مسودة القانون التي قدّمتها حكومة نوري المالكي ضمن جملة من مشاريع القوانين الهادفة إلى التضييق على الحريات والحقوق العامة ردّاً على الحركة الاحتجاجية الشعبية المنطلقة مطلع ذلك العام، وجابهتها تلك الحكومة بكل وسائل القمع الهمجي.
أكثر ما أثار قلقنا أننا تلقيّنا معلومات أفادت بأن الأغلبية في مجلس النواب في سبيلها للموافقة على مسودة القانون التي أبدينا في مناسبات عدة، بينها جلسات استماع في مجلس النواب، ملاحظات واعتراضات وتحفّظات جدّية لم يؤخذ بالكثير منها. هذه الأغلبية النيابية مؤلفة، بحسب المعلومات، من نواب دولة القانون وقوى أخرى في التحالف الوطني، واتحاد القوى، والأغلبية من نواب التحالف الكردستاني، وبخاصة نواب الحزب الديمقراطي الكردستاني الذين قيل إنهم متحمسون للقانون.
نعم، مع هذه المعلومات بدا لنا أن الأمر قد قُضي، لكنّنا (المنظمات والنشطاء) لم نكفّ عن بذل جهودنا المضنية حتى اللحظات الأخيرة قبل أن يُعلن رئيس مجلس النواب، في جلسة أول من أمس، بدء وقت التصويت على القانون وسؤال اللجان المختصّة عن موقفها.. كان رئيس المجلس، كما أعضاء اللجان المختصة، يعرف أن هناك حركة قوية خارج المجلس تعارض تمرير القانون. رئيسة لجنة الثقافة والإعلام أعلنت أن لجنتها غير موافقة على عرض القانون في الجلسة، وزادت بالقول إن اللجان المختصة عقدت اجتماعاً قبل الجلسة وتوافقت على التأجيل.. كذا أعلن ممثلا لجنة حقوق الانسان ولجنة الأوقاف والشؤون الإسلامية .. وحدها اللجنة القانونية أعلن رئيسها أنها موافقة على القانون وعلى تمريره في تلك الجلسة. رئيس اللجنة هو النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني محسن السعدون.
موقف السعدون ولجنته الشاذّ عن مواقف اللجان الأخرى كان مخيّباً للآمال، فهو أعطى رسالة سيئة بأن نواب التحالف الكردستاني بأغلبيتهم يريدون تمرير القانون السيّئ (نعرف أن نواب حركة غوران/ التغيير، كانوا في موقف الضد، وكذا النائب عن الاتحاد الوطني الكردستاني شوان داوودي)، والعودة بنا إلى حقبة الدكتاتورية المتوحشة على صعيد حرية التعبير.
هذا موقف لا يشرّف النائب السعدون ولا حزبه ولا تحالفه، فالمجتمع المدني العراقي والقوى الوطنية العراقية تعارض القانون بصيغته الحالية القمعية، وستناضل ضدّه بقوّة حتى لو جرى تمريره بأغلبية نواب دولة القانون واتحاد القوى والحزب الديمقراطي الكردستاني ومَنْ يقف إلى جانبهم في السعي لشرعنة الدكتاتورية.
من نواب التحالف الكردستاني بالذات نريد أن يراجعوا أنفسهم وأن يلتزموا الموقف الصحيح المتوافق مع مصلحة الشعب العراقي المتطلّع للخلاص من كل أشكال الدكتاتورية التي ما زلنا نكابدها حتى اليوم.