أجزم بأن حقيقة خلاف العراقيين فيما بينهم اليوم وكما في اﻷمس إنما هو صراع بين فارس والروم ﻷقتسام الرقعة الجغرافية الممتدة من زاخو الى الفاو والمعروفة تأريخيا بـ” ميزوبوتاميا ” او بلاد مابين النهرين ، بما تضمه من ثروات هائلة وموقع ستراتيجي خطير وبما تحتفظ به من إرث ديني وحضاري وفكري عظيم ضارب في القدم، كان للدولتين صولات وجولات فوق ثراها في حقب متفاوتة تراوحت بين شد وجذب ، انتصار وانكسار ، انبهار واحتقار ، وليس خلافا بين السنة والشيعة في واقع اﻷمر وان بدا للعيان كذلك !!
وأحسنت بتسليطك الضوء عليه وبأشارتك بالسبابة اليه ، يا كل من شخص ذلك الخطر الداهم وحذر من تبعاته ووضع خطوطا حمراء تحت كل جزئية من جزئياته الخفية بين فارس ( ايران) والروم( اميركا وبريطانيا حاليا ) هاهنا وانقسام الجمهور بينهما الى غساسنة ومناذرة وكذلك من يمثلونهم ، واضيف ” ليس وحدهم السياسيون من وقعوا في الفخ – طوعا او كرها – ورحلوا الازمة بعدما تلقفوها – مسلفنة – الى الشارع فزادوه احتقانا وتمزقا ، سواء اكانوا متآلفين فيما بينهم أم مختلفين ، اذ ان ركاما من كتب صفراء وآراء شمطاء أعيد نبشها وطباعتها ونسخها وتسليط الاضواء عليها وازاحة خيوط العنكبوت عنها بما تضمه بين دفتيها من كم كراهية يكفي لتأجيج اوار ” داحس والغبراء وحرب البسوس ” واعادة خبز الحولاء وعطر منشم و شؤم طويس الى الذاكرة ووالواجهة من جديد وفي أية لحظة ، فعلت افاعيلها بالامة انطلاقا من العراق ، وكثير من الروزخونيين والسياسيين الحاليين ومن حولهم ، باتت مهمتهم تتلخص بإعادة تدوير نفايات فكرية وتشنجات خلافية ، لعن الله من ” أيقظها ومن سلال مهملات المكتبات اخرجها ” وشعارهم في ذلك وبخلاف المطلوب شرعا وعرفا وقانونا هو ( الفتنة يقظة لعن الله من انامها !) فكلما خمدت نيرانها ظهر من يؤججها بتصريح متفلز او بخطاب ناري مؤدلج وكأن يدا من خلف الكواليس تحركه كدمية على خشبة مسرح ، واؤكد بان الخطابات الطائفية التي تعكر صفو البلاد وتهدد سلمها المجتمعي باتت ” اسلحة فتاكة بيد المتصارعين الرئيسين ، فارس والروم ، يلوحان بها ضد بعضهما لأعادة امبراطوريتيهما في العراق والعالم فيما الضحايا هم من العرب والمسلمين عموما ومن العراقيين على وجه الخصوص واضيف واقولها عن تجربة شخصية وقناعة شبه تامة بأن من يرفعون شعار (اخوان سنة وشيعة وهذا الوطن مانبيعه) من السياسيين واتباعهم ﻻيؤمنون بها وﻻيحبونها واقعا حتى باتت جزءا لايتجزأ من لعبتهم – التخديرية – عند الحاجة وامام العدسات والضيوف الاجانب فقط ، تماما كلعبة السبنر ، او مزيل التوتر كما يطلق عليها زورا وبهتانا ، فيما يعملون بخلاف الشعار المرفوع اعلاميا وفي كل مفصل من مفاصل حياتهم النيابية والوزارية والحزبية ، قبل المنصب و خلاله وبعده ، إنها أشبه بهوسات ايام زمان ” ودونا للجبهة انقاتل ودونا ” وعند سوقهم الى هناك بناء على رغبتهم تتحول الى ” رجعونا نشاقه وياكم …رجعونا “.
لعبة ” السبينر” التخديرية التي اخترعتها الأمريكية، كاثرين هيتينجر،ثم تخلت عن براءة اختراعها بسبب الفقر والتي بدأت فكرتها في فلسطين بعدما ذهبت في زيارة الى اختها هناك ورأت كيف يلقي الاطفال بالحجارة على عناصر الجيش الاسرائيلي ، فأرادت اشغالهم بلعبة بديلة عن الحجر سرعان ما صنعتها لطفلتها المشاكسة ، لتنتشر ﻻحقا في اصقاع المعمورة كالنار في الهشيم ، اللعبة التي لم تجن مبتكرتها من ارباحها الخيالية سنتا واحدا هي وهم تجاري ليس له مايؤيده علميا بزعم انه مهدء للاعصاب ومزيل للقلق – كبديل شيطاني قد يكون عفويا وقد يكون متعمدا – عن الذكر والتسبيح والاستغفار والدعاء وتلاوة القرآن والتراحم والتواصل والتزاور .
وﻻشك ان ” سبينر” ساسة العراق التخديري يكمن اليوم في خطاب طائفي مقيت أصبح سمة من سماتهم ، يداعب مشاعر اتباعهم ﻷنتخابهم والترويج لقوائمهم مدفوعين بالاطماع الشخصية وبالصراع بين القوتين الذي اشرنا اليه انفا ، وللحيلولة من دون افتضاح اكاذيبهم وسرقاتهم على الملأ يصار الى استخدام ” سبينر ” من نوع آخر ، سبينر أزمة غاز ، أزمة بنزين ، تقليص حصة تموينية ، زيادة قطع التيار الكهربائي ، قطع المياه الصالحة للشرب ، تبادل اتهامات بين الفرقاء ، استقطاعات في رواتب الموظفين ، وماشاكل بما يغطي وزيادة على المأساة ويشغل الرأي العام ، وشر البلية ما يربك المشاعر والاحاسيس ويشتت الأفكار ويزيغ الابصار ويحول البكاء الى ضحك على الذقون بدلا من دموع على الخدود في عصر الـ “Spinner” والشيخ محشي !اودعناكم اغاتي