مع استمرار الاضطرابات السياسية تنتهز المجاميع المسلحة الفرصة لتصعيد هجماتها و زعزعة استقرار البلاد. هدفها من ذلك تأجيج التوترات الطائفية و استرجاع معاقلها التي خسرتها. ففي الحادي و العشرين من تموز اعلنت دولة العراق الاسلامية عن حملة جديدة من الهجمات، حيث استهدف المسلحون من خلال عملية ” كسر الحواجز ” استرجاع المناطق التي خسروها في محاولة لتقويض الحكومة.
كان شهر تموز من اكثر الشهور دموية منذ عامين. تزامنت الهجمات مع حلول شهر رمضان، حيث بلغ عدد الوفيات في هذا الشهر 411. وعندما بدأ المتطرفون الدخول للبلاد قبل و خلال الاجتياح الاميركي عام 2003، أسسوا لأنفسهم قواعد في المناطق الغربية. لكن قبل ان تقرر الولايات المتحدة ادامة الزخم في 2007 قامت بالتفاوض مع شيوخ العشائر لتشجيعها على مقاتلة القاعدة التي لم تعد تلك العشائر تحتمل تجاوزاتها. هذه الحركة الناشئة – التي اطلق عليها فيما بعد اسم الصحوة – تمكنت من ردع المسلحين والسماح للولايات المتحدة بالتركيز على محاربة العنف في بغداد وما حولها.
وتشير صحيفة الغارديان البريطانية في تقرير لها الى انه اليوم و بعد انسحاب القوات الاميركية و مع تدهور الوضع السياسي فان القاعدة تحاول تغيير موازين القوى مرة اخرى. الحملة الاعلانية الاخيرة تلقي ضوءا كبيرا على اسلوب عملها.
احد اشرطة الفيديو التي نشرت اواخر حزيران يظهر عمليات عسكرية تخطيطية ضد قوات الامن ورجال الصحوة الذين مازالوا يشكلون عائقا امام المسلحين. فمن خلال ارتداء الزي المدني و حملهم للاسلحة الكاتمة للصوت، يستمر المسلحون باعمال القتل و مهاجمة نقاط التفتيش بشكل مباغت بحيث لا يتسنى للقوات الامنية الوقت الكافي للرد.
في احد مقاطع الشريط يشكو طارق الهاشمي بان الاميركان قد تركوا العشائر تواجه المسلحين، و في مقطع اخر يظهر رافع العيساوي و هو يحذر من ان تحل القاعدة محل السياسيين في حالة فشل العملية السياسية – و هو بالضبط ما يريده المسلحون، و اطلق الشريط اسم ” الخونة ” على بعض السياسيين مثل نائب رئيس الوزراء صالح المطلك و رئيس البرلمان اسامة النجيفي لكونهم انخدعوا و شاركوا في حكومة الوحدة الوطنية لكنهم لا يتمتعون بسلطة حقيقية. الاهم من ذلك ان الشريط يعرض صورة جميلة للقاعدة. فمع قيام المسلحين بقطع الرؤوس و تفجير السيارات بلا رحمة، فانهم يحاولون كسب القلوب و العقول حيث انهم يفاجئون افراد الصحوة بزيارات في منتصف الليالي و بدلا من قتلهم فانهم يحذرونهم ويمنحونهم فرصة للحياة من خلال مطالبتهم بالتوقيع على “اقرار بالندم” بسبب تركهم لتعاليم الاسلام (وهي جريمة عقوبتها الموت).
المسلحون لا يريدون بالضرورة من المقاتلين الوقوف الى جانبهم بل مجرد ترك السلاح و التخلي عن واجباتهم على اساس ان تلك هي فرصتهم الاخيرة و انهم سيقتلون الافراد الذين يخلفون وعودهم. كانت اكبر الهجمات في بغداد هي استهداف مكتب مكافحة الارهاب يوم 31 تموز حيث انفجرت سيارتان مفخختان قرب المكتب و دمرت المبنى، و رغم ان القوات الامنية احاطت المبنى بسرعة فان الهجوم يوضح بان المسلحين مازالوا يمتلكون القدرة على ضرب الاماكن الحساسة في العاصمة.
شريط اخر يبين مدى تطور عمليات المسلحين حيث يعرض الشريط الجهايين و هم يتدربون بالرصاص الحي في ضوء النهار و يمارسون هجماتهم على الاهداف الامنية. في احدى عملياتهم قاموا بتفجير في مدينة حديثة – في محافظة الانبار – و ينتقلون من نقطة تفتيش الى اخرى و هم يقتلون افراد القوات الامنية. يرتدي مسلحو القاعدة ملابس قوات ” الرد السريع” التابعة لوزارة الداخلية و يستقلون عجلات قوات ” سوات ” الرسمية و هم مسلحون بالاسلحة الثقيلة و يستخدمون نظارات الرؤية الليلية و اجهزة اتصال متطورة.
ورغم ان المجموعة هي خليط من المسلحين العراقيين و العرب فان مستخدمي اجهزة الاتصال يتحدثون باللهجة العراقية، و يفهمون ” اللغة” الامنية المستخدمة في العراق. انهم يتنكرون جيدا بملابس القوات الامنية لدرجة انهم احيانا لا يتعرفون على بعضهم، اذ انهم في احد الحوادث الدرامية راحوا يصرخون على بعضهم و يأمرونهم بالانبطاح دون ان يدركوا انهم من افرادهم، كما تم قتل اثنين منهم بهذا الشكل.
يبدو ان العراق يتعثر كثيرا عندما يتعلق الامر بالمكاسب الامنية التي تحققت خلال السنوات القليلة الماضية، الا ان جهود ردع القاعدة تعتمد كثيرا على الوضع الامني من اجل عدم فسح المجال للمسلحين للقيام بعملياتهم.