كتبت – لميس السيد :
تحت عنوان: “التربية السياسية لمحمود عباس”، قال الباحث بـ”مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات” الأميركية والمتخصص بالشؤون الفلسطينية “غرانت رملي”، والكاتب بصحيفة “هاأرتس” الإسرائيلية “أمير تيبون”، أن “بعد وفاة ياسر عرفات في 2004، لم يكن هناك أي خيار أمام منظمة التحرير الفلسطينية إلا تولية محمود عباس مكانه، بصفته امين عام المنظمة, على الرغم من عدم كفاية الخبرة السياسية لتولي تلك المهمة ولسبب عدم وجود وقت كافي للبحث عن اسم آخر للمهمة وضرورة إبلاغ الشعب وقتها بزعيم جديد للمنظمة”.
وأكد الكاتبين، في مقالهما بمجلة “ذا اتلانتيك” الأميركية والذي ناقشا فيه أجزاء من كتابهما الجديد حول رجل السلطة الفلسطينية بعنوان: (الفلسطيني الأخير: صعود وحكم محمود عباس)، على أن الفلسطينيين كانوا واثقين من نهاية الحياة السياسية لمحمود عباس في 2003, بعد استقالته من منصب رئيس وزراء السلطة الوطنية الفلسطينية بسبب خلافات مع “ياسر عرفات” إلا أن بروتوكول المنظمة الذي ينص على تعيين الأمين العام في حالة شغور منصب رئيسها، كان هو الأمر الناهي في مسألة تعيين “عباس” رغماً عن المنظمة وأعضاء “حركة فتح” الذين لم يجدوا أي بديلاً مناسباً لعباس وقتها، في حين كان رد فعل واشنطن وتل أبيب مؤيداً لعباس بقوة داعياً لإنتخابه كوجه جديد بعيداً عن رموز الإرهاب.
يفتقر للشعبية وموقعه دائماً كان خلفية المشهد الفلسطيني..
في عام 1994، أراد “نادر سعيد”، وهو باحث في مركز “البحوث والتنمية في العالم العربي” بالضفة الغربية، أن يقيس أفكار الفلسطينيين اليومية ومعتقداتهم حول قادة “منظمة التحرير الفلسطينية”، فأطلق استطلاع رأي حول “من يكون نائباً لرئيس السلطة الفلسطينية ؟”.. وهو أمراً آثار حفيظة “ياسر عرفات” كثيراً، وقال لسعيد: “ما هذا.. إن تسمية احدهم بنائب للرئيس – المنصب الذي لم يكن موجوداً في السلطة الفلسطينية – يعطي للجمهور شعور أن هناك زعيم آخر”.
ولكن لم يعتبر “عرفات”, وقتها, على الاطلاق أن وجود اسم “محمود عباس” ضمن قائمة النواب المطروحين امراً يدعو للقلق، بحكم أن “عباس” كان مستشار مقرب بالفعل من “عرفات”, ولم يحصد من خلال الاستطلاع إلا على نسبة ضئيلة لم تتعدى 1.5%، وكان “عباس” يفتقر إلى اية شعبية ودائماً ما كان في الصفوف الخلفية للمشهد الفلسطيني، لم يكن شعبياً أو الرجل المفضل للناس، على عكس “عرفات” تماماً.
نقل الكاتبان عن “محمد شتية”، عضو اللجنة المركزية لحركة “فتح”، أن “عباس” لم يسعى إلى المنصب قبل ان يصبح رئيس للسلطة الفلسطينية، وكان على مستشاريه أن يجعلوه شخصاً “يروق لحركة فتح” وليس فقط للنخب السياسية، وهو كان أمراً صعب حيث لم يكن “عباس” من خطباء المظاهرات أو الحشود، كما هو معهود للزعماء، وكان عليه وقتها أن يواجه تحدياً كبيراً وقتها وهو الدعوة لوقف تسليح الانتفاضة الفلسطينية في عام 2005.
لكنه واجه معركة شاقة. لم يقم زعيم “فتح” الشيخ بتعبئة حشود كبيرة أو قاعات معبأة. “أبو مازن هو شخص نخبة، لديه جمهور إنتقائي”، يقول شتية: “أكبر مجموعة تحدث عنها من قبل ربما كانت المجلس الوطني الفلسطيني (برلمان منظمة التحرير الفلسطينية). لم يذهب إلى التجمعات أو المظاهرات.. كان ذلك تحدياً كبيراً، في ظل ارتفاع التوترات في “مخيم جنين” ورفض “كتائب شهداء الأقصى” لخطاب عباس الذي يدعو للسلم، ولكن إستعانته بـ”زكريا زبيدي”، قائد كتائب شهداء الاقصى في جنين، استطاع ان ينتصر “عباس” على خطاب العنف، ويوجه الاهتمام الشعبي بقضايا لم تكن مطروحة في وقت “ياسر غرفات” مثل الإصلاحات في القطاع العام للحكومة”.
لعب على الاحتياجات اليومية والحياتية للفلسطينيين فنجح..
يشرح الكاتبان ان حركة “فتح” دعمت بشكل كبير صعود “عباس” ليبصح الرئيس الرسمي للسطة الفلسطينية، من خلال حملة ذكية تستطلع مدى أداء الحركة في الاستجابة إلى مطالب الفلسطينيين في المدن، بينما كانت تركز حملة المرشح المنافس له, وقتها, “مصطفى البرغوثي” على “القضية الفلسطينية”، مما مكنه من الفوز بإكتساح أصوات 66% مقابل 19% للبرغوثي.
لاقى “عباس”, وقتها, دعماً من واشنطن في ظل مطالبته لإجتماع مع رئيس الوزراء الإسرئيلي، “أرئيل شارون” عقب فوزه بالانتخابات, ورحب “بوش” بدعوته لواشنطن على عكس ما فعله مع “عرفات”.
وكانت إسرائيل والولايات المتحدة أكثر من سعداء بتغيير القيادة الفلسطينية. وكتبت “كوندوليزا رايس”، أن الولايات المتحدة “رحبت بانتخابات عباس بعرضها التبرع بمبلغ 200 مليون دولار سنوياً للفلسطينيين”، فضلاً عن أن الرئيس “بوش” يشجع “دول الخليج الغنية على زيادة مساعداتها بشكل كبير لغزة”.
وبعد أسبوع من خطاب “عباس” الافتتاحي، قرر “شارون” القيام بعملية عسكرية واسعة النطاق في غزة لقمع إرهاب الانتفاضة في رسالة واضحة من إسرائيل مفادها افساح الفرصة لأداء “عباس” مهمته في إقرار الاستقرار.