تتواصل وتتسع الحملة الاحتجاجية على عدم التقيد بالدستور عند تعديل قانون انتخابات مجالس المحافظات والأقضية والنواحي، الذي صوت عليه البرلمان بالأغلبية، خلال جلسته الـ12 من الفصل التشريعي الأول للسنة التشريعية الثالثة، وبحضور 230 نائباً، وهو التعديل الثاني للقانون المذكور الرقم (36) لسنة 2008، والذي يمنح في مادته الثانية الفقرة الخامسة المقاعد الشاغرة عند وجودها إلى القوائم الفائزة وليس إلى الباقي الأقوى، وهذا انتهاك صريح لحق المواطنين في اختيار من يمثلهم وخرق للدستور ولقرار المحكمة الاتحادية الصادر يوم 14 حزيران 2010 والذي نص على عدم دستورية الفقرة المماثلة في قانون انتخابات مجلس النواب.
وباعتقادي أن الحملة بدأت قوية فقد شملت أحزابا ومنظمات مجتمع مدني وشخصيات سياسية مرموقة وبرلمانيين ينتمون لكتل كبيرة فقد صوت أكثر من 60 نائبا إلى جانب تعديل الفقرة المذكورة بحيث تنص على منح المقاعد الشاغرة للباقي الأقوى. وللحملة تأثير في الشارع الذي لا زال يئن من الفوضى الأمنية وتعسر الأزمة السياسية والفساد المالي والإداري وازدياد الفقر وتردي الخدمات وارتفاع نسبة البطالة … كل ذلك وغيره كان مرافقا للدورة السابقة سواء في البرلمان أو في مجالس المحافظات. وأرى أن الحملة ستتصاعد مستقبلا، بناء على الأرضية التي ذكرناها، وبناء على حقيقة أن أكثر من مليونين ناخب سرقت أصواتهم في الدورة الانتخابية السابقة وستكون الاحتمالات مفتوحة إذا لم يتراجع مجلس النواب عن هذا التعديل الذي يعد ثغرة جديدة في سلسلة التردي السياسي وتفكك الوحدة الوطنية واتساع العمليات الإرهابية وتنوعها.
إن عدم تعديل القانون على وفق الدستور وقرار المحكمة الاتحادية لا يكشف عن خلل مبدئي ووطني حسب، بل يفضح أنانية القوى النافذة وضعف فهمها للدستور. وقد عبر مجلس النواب عن مفارقة كبيرة باعتباره أعلى مؤسسة تشريعية في هرم المؤسسات، والمسؤولة عن متابعة تطبيق القوانين، فإذا به يرتكب خطأ عدم تطبيق قرار المحكمة الاتحادية!؟
المواطن يتساءل: لماذا ارتكب البرلمان هذا الخطأ الفادح؟ وهل كانت تجربة السنوات السابقة ناجحة؟ لكي يقرر تكرارها!؟ ألم تؤشر تلك التجربة تراجعا كبيراً، مقارنة بالانتخابات الأولى التي جرت بعد التغيير؟ فعلى الرغم من الظروف الصعبة والأخطاء الكثيرة التي رافقت الأولى، لكنها كانت أفضل بكثير من الدورة الحالية، حيث كان هناك تنوع سياسي شمل كل الطيف السياسي العراقي سواء في البرلمان أو الحكومة ومجالس المحافظات، بل في مؤسسات الدولة كافة وكان المؤمل أن تتطور التجربة نحو الأفضل، باتجاه ترسيخ الديمقراطية، وعدم تهميش أي حزب أو مجموعة أو فرد في المجتمع وتحويل الانتخابات إلى تقليد راق ينسجم مع واقع العراق، لكن سيادة المحاصصة الطائفية والإثنية كسرت عملية التطور الطبيعي للبلد، وتراجعت العملية السياسية برمتها.
إن استئثار القوى المتنفذة بالمقاعد سواء في البرلمان أو في مجالس المحافظات وسرقة أصوات الناخبين بالضد من إرادتهم، سيدفع هؤلاء وغيرهم إلى مقاطعة الانتخابات، والتعبير عن عدم رضاهم بكل الوسائل المشروعة، مطالبين بالإصلاح والتغيير…
إن التعديل لقانون انتخابات مجالس المحافظات يعد باطلا حتى ولو صوت عليه البرلمان بكامل أعضائه لأن التصويت على قانون أو تعديل قانون لا ينسجم مع الدستور وبالضد من قرار المحكمة الاتحادية لا يجوز أن يتم أصلا! وهذا الأمر تتحمله رئاسة البرلمان، لأن من واجبها ومن صلاحياتها أن تمنع ذلك. ولذا نقول أن الأغلبية التي صوتت على القانون أغلبية خاطئة ، وأن العملية التصويتية برمتها لا تمتلك الشرعية. وأن من يريد للعراق الاستقرار والتقدم والازدهار… عليه أن يبحث عن الإجراءات التي تخدم الشعب العراقي وتوحده وتنتشله من الأزمات، وليس تلك التي تأتي بقرارات حزبية ضيقة ولخدمة مصالح فئوية وشخصية تسهم في خلق أزمات جديدة.