17 نوفمبر، 2024 4:45 م
Search
Close this search box.

مصادر أصل الصّراع البرزاني – الكُردي (Geen onderwerp)

مصادر أصل الصّراع البرزاني – الكُردي (Geen onderwerp)

الباحث العِراقي الكُردي «معروف جياووك» فسر مُصطلح برزان في كتابه «بارزان المظلومة»: (كلمة بارزان على ما أخال نسبة إلى عشيرة (به رازي) أو أنها اسم جدّهم الأعلى ومعناه (حامل الحقّ) أو (عارف الحقّ) أو مقلوبة مِنْ (بارسان) أي الدَّراويش أو (برازان) أي (إخوان الصَّفا). ويُشير المُؤرّخ المَوصلي الدّملوجي إلى هذه العشيرة عند حديثه عن عشائر بهدينان بقوله: «إن عشيرة الزّيبار هي مِنْ أهم عشائر بهدينان، وسُمِّيت باسم المكان الذي تسكنه وأخذت الصِّفة بسبب إحاطة نهر الزّاب الكبير بالموقع من الشَّمال الغربي، وورد اسم القبيلة في كتاب الشَّرفنامة للمُؤرخ الكُردي الشَّهير البدليسي، واعتبرها ثاني اكبر عشائر بهدينان وذكر من قلاعها: الشّوش، عمراني، بازيران ولَعَلَّها بارزان».
المؤرخ صديق الدملوجي يذكر في كتابه (إمارة بهدينان): «سنة 1293هـ الموافق 1876م استدعى الوالي العثماني في مدينة الموصل الشيخ عبدالسلام (الأول) ابن الشيخ تاج الدين إلى الموصل إثر تسرب معلومات عن قيام حركة باطنية في منطقة الزيبار شمال شرق مدينة الموصل، ترمي إلى الغلو في شيوخ بارزان النقشبنديين والاعتقاد بمالا يتفق ما هو معلوم في الدين الإسلامي بالضرورة، وكانت الحكومة العثمانية قد تلقت هذه الحركة باهتمام زائد وخافت من عواقبها حيث أمضى الشيخ عبدالسلام (الجد) ثلاثة أشهر في الموصل، وكان من نتيجتها مجيء حوالي ثلاثمائة من أفراد العشيرة الزيبارية التابعين بالولاء له، وقد مات أكثرهم بمرض التيفوئيد حيث لم تهتم الحكومة العثمانية بهم ولكنهم ظلوا على عقائدهم».
برزان قرية صغيرة تابعة لعشيرة الزّيبار إحدى العشائر الكُرديَّة الكبيرة التي تسكن المِنطقة الواقعة شَمالي مدينة عقرة، حيث ديارها سابقاً غربي نهر الزّاب الكبير وشرقه وتمتد إلى الجّبال المُشرفة على عقرة حيث يقسم جبل بيرس مِنطقة زيبار إلى شِقين رئيسين. ورد اسم هذه العشيرة في بعض مصادر الجُّغرافية الإسلاميَّة. المتسلط اللّاشرعي مسعود برزاني، سلَّط الضَّوء على عشيرتِهِ في كتابه «البارزاني والحركة التحررية الكُردية» قائلاً: «سُمِّيت عشيرة بارزان نسبة إلى قرية بارزان مركز المشيخة. وينتسب شيوخ بارزان إلى سلالة أمراء العمادية (إمارة بهدينان) حيث نزح جدهم مسعود إلى قرية هفنكا القريبة من بارزان واستقر هناك وتزوَّج مِن إحدى فتيات القرية فخلف ابناً وسمّاه سعيد وبقي هو الآخر هنا حتى انتقل حفيده الشَّيخ تاج الدِّين وكان هذا الأخير عالِمَاً دينيَّاً مرهوباً فالتف حوله عدد كبير من المُريدين وأسَّس تكية في بارزان وعاش فيها حتى وافته المنيَّة فخلَّف ابنه الشَّيخ عبدالرَّحمن وبعد وفاته خلَّفه إبنه الشَّيخ عبد الله الذي اشتهر بالزُّهد والتقوى وأرسل ابنه الشَّيخ عبدالسَّلام (الأوَّل) إلى مدرسة (نهري- في كُردستان تركيا حالياً) لتلقي عُلومه الدِّينية على يد الشَّيخ الكبير (سَيِّد طه النَّهري) وبعد وفاة والده أدار هو شؤون تكية بارزان وزاد عدد مُريديه ازدياداً كبيراً، وأسَّس مدرسة دينيَّة في بارزان ذاع صيتها في أنحاء المِنطقة فكان يتوافد عليها الطُّلاب بأعداد غفيرة. وبقي على علاقة حميمة مع السَّيِّد طه النَّهري. وفي إحدى زياراته للتكية قام حضرة مولانا خالد النقشبندي بزيارة تكية بارزان».
ظاهرة ملفتة عند الاشارة الى تاريخ الطريقة النقشبندية في منطقة بارزان تطرق بعض المؤرخين والضّباط الإنجليز العاملين في العِراق أثناء الانتداب البريطاني إلى حدوث حالات من الغلو والمروق من الدِّين عند بعض أتباع هذه الطَّريقة، والتي كثيراً ما انتابت أتباع طرق صوفية أُخرى في بقاع عديدة من العالَم الإسلامي. ويعزو كثير من الباحثين وجود هذه الظاهرة إلى الجَّهل وقلَّة العلم المبني على الكتاب والسُّنَّة، وما يكنّه المُريدون من الحُب والتعلق والشَّغف الزّائد بشيوخهم، إضافةً إلى وجود تأثيرات لمعتقدات سماوية أو أرضية تجسَّدت في ظاهرة الفناء أو وحدة الوجود أو الحُلول وغيرها من الشَّطحات الصُّوفية. الباحث الكُردي بي ره ش (ايوب بن بابو برزاني) يشير إلى حادثتين من هذا النوع تخص إحداهما الشيخ عبدالسلام الأول لكن بتوقيت مخالف لتوقيت الدملوجي، والثانية تخص الشيخ محمد بن الشيخ عبدالسلام، وكلتا الحادثتين من بنات أفكار أغوات الزبيار حسب رواية ايوب برزاني (خصم الزيباريين والمنحاز لبني عمومته البارزانيين) الذين آلمهم زيادة سطوة شيوخ بارزان النقشبنديين على حسابهم، وانضمام الكثير من أتباعهم إلى هذه الطريقة، لذا قدموا شكوى رسمية إلى الوالي العثماني في مدينة الموصل اتهموا فيها شيوخ بارزان – بالمروق من الدين وتزعم طريقة جديدة مضللة في التصوف تؤدي بالمسلمين إلى الزندقة – وفي المرة الأولى أرسلت الدولة العثمانية لجنة تحقيقية معززة بقوة عسكرية لكون المنطقة نائية وبعيدة، استقرت في قرية شانيك الواقعة على الضفة الغربية لنهر الزاب الكبير قبالة قصبة بله مركز قضاء زيبار آنذاك، وأرسل قائد المفرزة يطلب مثول الشيخ عبدالسلام أمام لجنة التحقيق، إلا أن الشيخ اعتذر وأرسل ولديه قاسم ومحمد، حيث خص الثاني منهما بنصائح وتعليمات حول كيفية الإجابة على أسئلة المحققين، وانتهى التحقيق باعتذار مسؤولي التحقيق ورجوعهم من حيث أتوا. في المرة الثانية فإن الرواية تكاد تكون مطابقة لرواية الدملوجي، مع الاختلاف في التوقيت حيث يحددها بي ره ش سنة 1885م وكانت تخص الشيخ محمد بن الشيخ عبدالسلام وفحواها: أن يهود بارزان اشتكوا إلى الشيخ محمد من سوء تصرفات وكيل آغا الزيبار فتاح آغا المدعو بابير كرافي وكيف أنه يسومهم الظلم والهوان، وهذا ما حدا بالشيخ إلى الطلب من أتباعه بالوقوف في وجه الظالمين والانتصاف للمظلومين. وكانت هذه الحادثة بمثابة خروج السلطة من أيدي الأغوات وانتقالها إلى الشيوخ لأول مرة، لذا قاموا بتلفيق تهمة الزيغ والانحراف عن الدين الإسلامي وإلصاقها بالشيخ محمد برزاني وأتباعه، ما أدى إلى استدعائه من قبل السلطات العثمانية إلى مدينة الموصل، حيث فرضت عليه الإقامة الجَّبرية، وبقيَّة الرّواية مُطابقة لما أورده الدّملوجي. القنصل الروسي باسيل نيكيتين يروي نقلا عن ملا سعيد في كتابه القيم المؤلف باللغة الفرنسية (الكرد دراسة سوسيولوجية وتاريخية) صفحة 262-263 ما نصه : «كان الشيخ محمد وريث الشيخ عبدالسلام (الاول) رجل دين (ملا) قليل الثقافة أي (نصف ملا) كما يطلق على امثاله في كردستان. كان رجلا لجوجا, ولكنه بدأ بالتبشير. فكثر عدد اتباعه, وكان الرجال والنساء يجتمعون في يومي الثلاثاء والجمعة في بارزان, ويعمل الشيخ لهم (التوجه). ويتلخص هذا العرف الديني عند الكرد في ان الشيخ يجلس بين اتباعه المريدين ويتلو عليهم سلسلة اسماء الشيوخ من طريقته, بينما يعمل مريدوه بعض الضوضاء ويطلقون صيحات خاصة». ويضيف ملا سعيد «ان هذا يعتبر مخالفا للتمدن وللعقل الرزين. ومع ذلك فان الشيخ موضوع البحث (الشيخ محمد والد ملا مصطفى برزاني) كان يلجأ الى هذه الاساليب الفظة, المقبولة مع ذلك لدى عقلية مستمعيه وغيرهم للوصول الى قيادة الكرد من اتباعه. وفي الحقيقة ازداد نفوذ الشيخ محمد هذا كثيرا بعد ابعاد الشيخ عبيدالله نهري من قبل الروم (العثمانيين بعد فشل ثورته عام 1880), وقد اقر الكثير من اغوات العشائر المحيطة به بسلطته, واخذ اتباعه يذكرون اسمه مع اسم المهدي بحجة انه بموجب بعض الاحاديث يجب ان يكون اسم المهدي محمدا, وهكذا تحول شيخنا هذا الى مهدي فعلي (ادعى المهدية).
وقد اعلنت (الدولة العثمانية) الحرب المقدسة وسيقت الحملات العسكرية الى جانب الموصل (منطقة بارزان) اكثر من مرة وقتل المعارضون لهذا الاعلان (مهدية الشيخ محمد برزاني) جميعا. وكان من ضمن المعارضين شخص يدعى (ملا بيريزي), وقد كان معروفا بسعة اطلاعه وغزارة علمه وبمكانته بين ابناء عشيرته (زيبار), وكان يرتبط بهم بعلاقة القرابة والنسب (مع ذلك) فقد بدأ اتباع الشيخ محمد برزاني حملتهم به, فبعد ان وضعوه داخل ساق شجرة جوز قديمة نخرة, اشعلوا النار فيها ثم اخذوا يمرون الى جانب الشجرة ويضربونها بعصيهم التي في ايديهم ويصيح البعض منهم: «هذا هو الجهاد المقدس لجثة الحاج! ويرد عليهم اخرون بالقول: اجل, لا فرق بين هذا وبين الجهاد الحقيقي وسيكتب الله عملك ضمن اعمالك الصّالحة».

أحدث المقالات