سفينة العراق المخرومة تعوم في وحل الفساد,ودول جاءت بعد الربيع العربي فبنت لها قواعد وأسس متينة للديمقراطية الحديثة,فعبرت خطوط النهاية (الخطر) بسلام,
بينما كانت أصوات المراهقين في عالم السياسة يتبجحون فوق رؤوس شعبنا البسيط ,بأن هذه الدول ستحتاج إلى تجربتنا الديمقراطية,لاننا قطعنا شوطا مهما ,يكاد يتجاوز العقد الأول مع عمرها في مسيرة إعادة بناء هذا البلد!
ولكن أين هو هذا الشوط… وأين الاعمار والبناء والاستقرار السياسي؟
أين هيبة الدولة التي تعمل تحت العباءات الفئوية والاثنية والطائفية وحتى العرقية؟
أين دور السلطات الثلاث (الحكومة والبرلمان والقضاء)في حماية ثروات البلاد من النهب؟
على الرغم من إن الشعب العراقي بمختلف فئاته وطبقاته شخص وأشار في أكثر من مناسبة إلى مكامن الخلل,وأصبحت أقلام الكتاب والمثقفين العراقيين واهتماماتهم تطبع بحرقة على الورق الالكتروني هموم الوطن والمواطنين كل يوم,حالها في ذلك حال بقية وسائل الإعلام النزيهة,
بغية إصلاح الوضع البائس والفاسد الذي يتابعونه عن كثب,يعملون بما أمرهم به دينهم بتذكير المؤمنين بمخالفاتهم ومخالفات المحيطين بهم,أو تنبيه إخوانهم وشركائهم في الوطن إلى ما يدور حولهم وحول الوضع العام,قال تعالى”وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين”سورة الذاريات أية 55,
ولكن كل تلك المقالات والبحوث والتعليقات التي كانت تهتم بفتح ملفات ساخنة,تتعلق بالإرهاب والرشوة والعقود الفاسدة,وانتشار ظاهرة الشركات المملوكة للمسؤولين
(وزراء وأعضاء برلمان ومجالس محافظات, ومدراء عامين,وتجار الحروب والأزمات)واستحواذهم على العقود الحكومية دون وجه حق,والتبذير الغير مبرر بحجة الرواتب الكبيرة المستحقة,والصرف ألجنوني حول البعثات والعلاجات والسفرات الخارجية أو صرفيات مايسمى بالمنافع الاجتماعية,قال تعالى”وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ﴿٢٦﴾ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا
إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا”سورة الإسراء,
وكذلك تضخم أموال وسطاء العقود الذين يقبضون عمولات مالية غير قانونية ,عبر التسهيلات الحكومية والشخصية التي يقومون بها بين الوزارات والمؤسسات الحكومية والشركات المنفذة,
وتأخير تشريع قانون من أين لك هذا …او محاسبة المسئولين تحت قانون مفترض يتعلق بالإثراء على حساب المال العام؟
في بلد يكاد يكون الفساد فيه ثقافة مشاعة يشمل كل أو اغلب المؤسسات والدوائر الحكومية وحتى المجتمع تقريبا ,وآفة خطيرة مدمرة تتفوق على آفة الإرهاب,
في قبالة ذلك نرى انتشار ظواهر الفقر والعوز والتشرد والبطالة(دولة تستورد الاجبان والألبان من الدول المجاورة وتعجز عن تشغيل العاطلين عن العمل) ,وانعدام ابسط الخدمات والحاجات الاجتماعية ,والصحية ,والتربوية ,هذا فضلا عن كارثة الكهرباء (الخ.),
كما ذكرنا هذه الإشارات كانت تعني السرقات الواضحة العلنية, التي يعرفها المواطن ويشاهد أثارها أمامه يوميا,
سرقات فوق الطاولة,
طاولة الاتفاقات المتبادلة بين بعض الكتل السياسية المشاركة في العملية السياسية ,تحت شعار “أغطي فسادك فغطي فساد جماعتي أو فسادي”,
هذه الحالة قلما تكررت في الدول الخارجة من كوارث الأنظمة الاستبدادية(عدا جنوب أفريقيا وبعض الدول المتخلفة),
لأنها من المفروض قد عصرتها الظروف(كيف والمعارضة إسلامية) فتنجب معارضة حديدية مؤمنة ومشبعة بالعبارات والشعارات والمفاهيم الثورية المبدئية,ولكن غرابة هذه الأرض ,وتاريخها الحافل بالمتناقضات المتوارثة, تشرح لنا صعوبة تفكيك نماذجها التراثية ,وتباين طبيعة الأخلاق الاجتماعية ,والبيئات المتغيرة والمتداخلة فيه,
الغريب ان يكون هناك شبه اتفاق كامل بين الجميع على التستر حول تلك الملفات الحساسة,وإهمال احتياجات المواطنين الضرورية, بل وسحقه دون رحمة سنة بعد أخرى,
ولانفهم حقيقة تلك التربية التي تربى عليها البعض من هؤلاء(أو من أبناء المجتمع العراقي)التي تجعله يكره اقرأنه من أبناء جلدته ,ويترفع عنهم وينعتهم بأوصاف شائنة,فيعمل البعض متعمدا على سبيل المثال لا الحصر
على إفشال المشاريع المحالة إليه,ويتفنن بتخريب تلك المشاريع ,والغش في موادها وتطبيقاتها وتصاميمها,يخرب حتى الشارع الذي يسلكه,والمدرسة التي يذهب إليها أولاده وأولاد إخوانه ومحلته,والمستشفى الذي يعالج هو وبقية أبناء محافظته فيه,ومن ثم يقوم بتهريب أمواله خارج البلد, لكي يكمل عملية الترفع والهروب من مجتمعه الطبيعي,
بينما أفرزت الحضارة الغربية ظواهر اجتماعية وأخلاقية عكس هذه الحالات تماما,وهي كما معروف حضارة علمانية كفرتها الأديان جميعها تقريبا ,بما فيه الدين الإسلامي والحركات المنضوية تحت عباءته,هؤلاء الذين لا يتورعون عن ذكر الفقر والفقراء ,وهم منعمون في بروج عالية.
اما الحديث الذي نريد إن نستفهم منه وعليه من قبل الحكومة الغارقة بالأزمات الجانبية والخارجية,هو فيما يتعلق بالسرقات التي تجري تحت الطاولة,
السرقات التي جرى الحديث عنها مؤخرا والخاصة بمزاد ووثائق وقروض ومنح وتحويلات البنك المركزي العراقي,
والذي يعد الصرح القومي والوطني للاقتصاد العراقي,ويخص كل مواطن عراقي من شماله إلى جنوبه,يخص الطفل والمرأة والرجل,الشيخ والشاب والعجوز,ويعد أيضا ضمانة وطنية لمستقبل الأجيال القادمة,هذه المؤسسات المالية يجب ان يكون النظام الالكتروني وحده الرقيب المباشر على عمليات وإجراءات تلك المؤسسة المهمة,
بحيث يعجز أي موظف أو مسؤول ان يخترق النظام الأمني والإداري للشبكة الالكترونية الخاصة بالبنك,
بمعنى أخر إن النظام الالكتروني يمتلك قدرة فائقة لمتابعة الموظف وعمله منذ لحظة دخوله إلى البنك وحتى فترة انتهاء دوامه ,وبشكل دوري لايتوقف,
وكذلك ينظم هذه النظام الالكتروني عمليات بيع وشراء الدولار وتحديد سعره يوميا,مع قدرته على الاحتفاظ بأسماء الموظفين الذين يديرون تلك العملية,لان النظام الالكتروني لايستطيع ان يتلاعب به أي شخص لايمتلك بطاقة التعريف الالكترونية الخاصة بموظفي البنك,
علما انه يتعذر اللعب ومسح واختراق تلك المنظومة بسهوله(لانه من المفترض ان يصمم من قبل شركات أجنبية أو محلية متخصصة),ممكن ان يتعرض برنامج البنك لهجوم الكتروني ضار تعطله مؤقتا,ولكن تبقى وسيلة التحميل الجانبي للمعلومات قادرة على حماية وتوفير خدمة إعادة المعلومات المفقودة بسرعة فائقة,
نحن نسأل اللجنة البرلمانية التي ستذهب إلى البنك المركزي للتحقيق في ادعاءات الفساد وعملية غسيل الأموال وتهريبها إلى الخارج,
هل لديها الخبرة التكنولوجية والعلمية والفنية لمتابعة كل إجراءات البنك المركزي,الذي من المفترض ان تكون هناك لجان برلمانية (ولجان من هيئة النزاهة)تمارس عمل دوري شهري أو فصلي أو سنوي لمتابعة إجراءات البنك, وطريقة عمله الداخلي والخارجي,
لان عملية المراقبة العشوائية الغير منظمة يصعب معها كشف صحة أو كذب تلك الادعاءات,ثم كيف تهمل المؤسسات الدستورية(الحكومة –البرلمان-القضاء)هكذا مؤسسة مالية كبيرة يقدر مخزونها المالي بمليارات الدولارات ,وهم يعرفون قبل غيرهم إن فرق بسيط في سعر بيع الدولار يعطي رقما كبيرا في مجال البيع والشراء,
الطامة الكبرى تقع إن كانت العملية تجري بنظام الكتروني وورقي قديم,بحيث يسهل تكرار السيناريو المعروف بحرق طابق المستندات الخاصة بتلك العملية,فتضيع المعلومات وأدلة الإدانة,
والمشكلة الأكبر أو المسؤولية الكبرى لاتقع بالطبع على موظفي وإدارة البنك فيما يتعلق باستخدام النفوذ السياسي لممارسة عملية غسيل الأموال من قبل بعض مسؤولي الصدفة,
مع إنهم يتحملون المسؤولية الأخلاقية والشرعية والقانونية فيما يخص بنظام عملهم الإداري وطبيعة رصانة النظام الالكتروني المتبع من قبلهم(الشركات الهندية على سبيل المثال قادرة على بناء اي نظام الكتروني محكم وبأسعار رخيصة جدا وبقدرة وكفاءة عالية,تمنع عمليات التلاعب),
ثم علينا ان نسأل أيضا الحكومة العراقية بخصوص موضوع ومشكلة قامت فنامت مرة أخرى ,حول ربط البنك المركزي بالحكومة ,اعترض البرلمان وعدها هيئة ومؤسسة مستقلة يجب ان ترتبط به,ولانعرف حيثيات وأسباب تلك الإثارة,ولماذا خفتت الأصوات , وجفت الحناجر من التذكير والحديث حوله !
اين دور الحكومة والبرلمان العراقي في متابعة تلك الملفات المثيرة للجدل؟
نسمع عن وزراء ومدراء وشركات فاسدة,استغلت الوضع السياسي والامني والإداري الهش لتمرير مشاريع تدمير العراق وسحق شعبه,
دون إن تكون هناك وقفات وطنية ودينية وأخلاقية مؤثرة,تجعل لمن فيه ذرة ضمير ان يوقف تلك المهازل,
ولكن نعلم إن الديمقراطية القادمة على ظهر الدبابة وبندقية المستعمر تختلف جذريا عن ديمقراطيات الجماهير الزاحفة نحو ساحات التحرير,وشروط الامبريالية الرأسمالية,وضوابط الاستعمار المالي المتمثل بالبنك وصندوق النقد الدولي,التي اشترطت ان تكون ديمقراطية العراق ديمقراطية استثمارية مفتوحة,لكي يتسنى للشركات الرأسمالية من دخول اسواقه والعبث بأمنه الاقتصادي,والسماح بعدها للشركات المحلية الوهمية من استكمال عملية التدمير الشامل للوطن والمواطن.
هل يعقل إن الحكومة العراقية لمدة عشر سنوات تقريبا ,ووفقا للأسعار الجديدة للطاقة(النفط والغاز),لم تتمكن من توفير خدمات الكهرباء ,وتعبيد الطرق واستكمال بناء شبكات المجاري الخ.
هل يحق للشعب العراقي إن يسأل عن تلك السرقات التي تجري تحت الطاولة وفي الظلام؟
ام ستبقى لعبة التستر تنطلي على الكثيرين دون حلول جماهيرية شاملة وناضجة,تحتم عليهم تفهم دورهم الحيوي في إنجاح النظام الديمقراطية,عبر اختياره السليم لممثليه في البرلمان ومجالس المحافظات,ودعمه المتواصل الغير مشروط(بلا شرط القرابة والعلاقة الفئوية أو الطائفية أو العرقية) للشخصيات والقيادات والوجوه الاجتماعية والسياسية الوطنية النزيهة,خدمة للمصلحة العامة,مصلحة بلده ومجتمعه ………….