اقتراب معركة تحرير الموصل من نهايتها يفتح باب التساؤلات على مصراعيه عن الحالة العراقيه التي سبقت حزيران 2014 وخاصة في المناطق السنية بكل ما انطوت عليه من احتقان طائفي ورفض أعمى لسلطة الدولة اضافة الى ضعف الانتماء الوطني الى الدرجة التي دفعت بعض سياسيي هذه المناطق الى اظهار رضاهم أو حتى تشفيهم بسقوط المدينة واحتلالها من أعتى تنظيم ارهابي شهده التاريخ الحديث الا وهو داعش. وقد سبق السقوط الخاطف والمدوي لما يقرب من ثلث الاراضي العراقية عملية ممنهجة لخلط الاوراق وخلق حالة ضبابية خطط لها واديرت من قوى محلية واقليمية مرر من خلالها ادخال المجاميع الارهابية الى المناطق السنية تحت شعار ما كان يطلق عليه بثورة العشائر باسناد اعلامي حثيث من دول الجوار. ولا يجد المتابع صعوبه في ادراك بشاعة هذا التنظيم الظلامي وما ارتكبه من جرائم تقشعر لها الأبدان وخصوصا مذبحة سبايكرالدامية ومالحق باللآزيديين والمسيحيين من قتل وسبي جماعيين وخاصة في بدايات الغزو ولكن مع مرورشهور قليلة حتى انتقلت همجية وسادية داعش لتشمل كافة السكان في تلك المناطق الذين كانت لنظرة بعضهم السلبية تجاه السلطة دافعا لشئ من التعاطف مع هذا التنظيم الأرهابي في المراحل الاولى على الاقل.
والحديث عن المرحلة التي سبقت السقوط فيه شجون بما تتضمنه من اخفاق وشلل كاملين للمؤسسات الامنية في التعامل مع التهديد المتزايد لنشاط الجماعات الارهابية وخاصة في الموصل رغم التحذير المتواصل لبعض المراقبين والسياسيين من خطورة الموقف ولكن الرد الرسمي للسلطة التنفيذية آنذاك اتسم بالضعف والتراخي معلقا كل ما يحدث على شماعة المؤامرات الاقليمية والدولية التي تحاك ضد العراق وبمشاركة قوى محلية وكأن تحمل المسؤولية في بلد كالعراق وهو يمر في تلك المرحلة الحساسة من تاريخه لا يتطلب الا الاستغراق بالتحليل وايجاد الأعذار والمبررات وليس التوجه لأستنفار كل ما من شأنه الأرتقاء بالأمكانات والمهارات اللازمة لمواجهة ما يمر به البلد من تحديات هائلة والمضي بالبلد الى شاطئ الامان.
ولم يكن الاداء الركيك للقيادة السياسية انذاك في ادارتها للملفات البالغة التعقيد هو وحده المسؤول عن الانهيارات العسكرية والسياسية والاقتصادية التي تسيدت المشهد وكانت عنوانا للمرحلة السابقة والتي تكللت باعلان البغدادي لخلافتة المزعومة في الموصل بل تفشي ظواهر وأمراض مجتمعية كالمحسوبية والمناطقية والعشائرية وتقريب العناصر المحدودة الكفاءة لتسلم مواقع قيادية رفيعة في الدولة بعيدا عن التراتبية الادارية المفترضة اضافة الى تضخم حجم الفساد المالي ليبتلع المليارات من الدولارات التي احتوتها أكبر الميزانيات التي عرفتها الدولة العراقية منذ تأسيسها والتي تزامنت مع الارتفاع الهائل في اسعار النفط، دون ان يلمس المواطن اي تحسن أو تغييرفي من مناحي الحياة بالرغم من الوعود الفارغة التي يقطعها المسؤولون بشكل متكرر، وفي هذا السياق هنالك تسائل مشروع عن أسباب تغاضي الهيئات الرقابية في فترة الحكومة الحالية عن التحقيق في هذا الموضوع بدل تركيز كل الجهد في امورفساد أقل أهمية مع ادراكنا ان اللأنقسامات المجتمعية والظروف الحرجة التي يمر بها البلد لا تحتمل احداث ارتجاجات عنيفة تخل بالتوازنات القائمة بين الكتل السياسية اذا ما أخذ بالاعتبار أن الوضع الحالي للنظام الديمقراطي في العراق لم يصل الى حالة من الاستقرار والتجذر الذي يتيح للأجهزة الرقابية وكذلك السلطة القضائية للخوض في هكذا ملفات خطيرة.
وبمرور ما يقرب من ثلاث سنوات على كارثة السقوط وما تلاها من تشكيل الحكومة الحالية التي ورثت ملفات
غاية في الدقة والصعوبة وعلى رأسها تحرير الأراضي المغتصبة من قبضة داعش في ظل تخبط اداري ملحوظ وظروف اقتصادية خانقة بسبب الانخفاض الكبيربأسعار النفط الذي يشكل المورد الرئيسي للاقتصاد، وبالرغم من كل ذلك استطاعت هذه الحكومة أن توفر القيادة الرشيدة والمتزنة التي يحتاجها بلد في مثل هذه الظروف من خلال شروعها بجملة من الاصلاحات التي طالت المؤسسة العسكرية التي كان الفساد يعشعش في أهم مفاصلها القيادية، والبدء بتنفيذ الخطوات الاولية لسياسة اقتصادية قائمة على وضع حد للهدر والنهوض بالقطاعات الاقتصادية الاخرى لتنويع مصادر الدخل، وتهيئة المستلزمات التعبوية واللوجستية للقضاء على داعش بكل ما يتطلبه ذلك من قيادة فعالة للقوات المقاتلة من الجيش النظامي والحشد الشعبي وادامة التنسيق المتواصل مع دول التحالف الدولي فضلا عن انتهاج سياسة الابتعاد عن المحاور والسعي لتخفيف التوترات والازمات مع دول الاقليم. وقد آن الأوان أن يتحلى جميع السياسيين ومسؤولو المرحلة السابقة على وجه التحديد بالواقعية وادراك حدود امكانياتهم وقدراتهم وأن يكفو عن وضع العصي في طريق الحكومة وأن يكون احد أهم شعارات مرحلة ما بعد داعش هو وضع الأكفاء والمخلصين في مواقع المسؤولية.