مقدمة
كثيرون هم الذين يتحدثون عن إمكانية إعادة كتابة التاريخ، فمنهم من يريد إعادة كتابته لكي يشذبه مما يدعو إلى الشقاق، ومنهم من يريد أن يركز على ذلك الشقاق، أما أنا فأرى استحالة ذلك العمل بالرغم من المقولات الكثيرة التي تدعي بأن التاريخ يكتبه المنتصر، والتاريخ مزيف والتاريخ كذبة كبيرة. وأدعو إلى دراسة المادة التاريخية دراسة دقيقة لكي نستنبط منها ما ننتقل به إلى المستقبل دون التضحية بمفردات الحاضر.
وضعت هذه المقدمة البسيطة لأنني أريد أن أتناول مادة أدبية ربما أصبحت تاريخية بالقياس إلى تاريخ مدينتنا [المدحتية]، وبالرغم من ان عمر هذه المادة لم يتجاوز 40 عاما الا ان أغلب من يبحثها يعدها نصا تاريخيا يحكي مآثر بعض رجالات هذه المدينة بغض النظر عن انتمائهم الفكري أو المذهبي. فقصيدة (منديل) التي كتبها المرحوم (صاحب الحميد) كانت وربما مازالت النص الذي يحمل سمة هذه المدينة، فالقصيدة بصمة في تاريخ الشعر فيها. ولا أدعي بأني حصلت على النص كاملا ، لكني أدعي بأني حصلت على ما يكفي لكي يكون قصيدة تامة تستحق التأمل وإعادة القراءة والدراسة.
قصة القصيدة
في ستينيات القرن العشرين عاش في هذه المدينة ثلاثة أصدقاء هم (منديل كاظم العبود: أبو مطشر) و(صاحب الحميد أبو مهدي) و(عبد العال : أبو يوسف) وكانت صداقتهم كصداقة عمر الخيام والحسن ابن الصباح و نظام الملك) رغم ما بين الطائفتين من تفاوت في الإنتماءات الفكرية التي فرقت الطائفة الثانية لاحقا.
كانوا يسافرون معا، ويسهرون معا ويشاكسون معا، ويعملون الخير الجزيل معا.
وفي السنة الأولى من سبعينيات القرن الماضي ـ وفق أدق الروايات ــ اختفى(عبد العال : أبو يوسف) حيث لم يعلم عنه أحد شيئا لغاية هذا اليوم ، وقيل في رواية لم نتأكد من صحتها أن من أختطفه وقتله تمت الوشاية به من قبل أقربائه بعد مرور أعوام كثيرة ، على أثر خلاف نشب بين القاتل وأقاربه ، مما حدى بهم أن أتوا الى المدحتية وأخبروا أهل المجني عليه بالقصة ، ولكن تدخلت العشائر وتم الفصل في القضية ، وبعدها بعام تقريبا توفي (منديل : أبو مطشر) بطريقة بدت غريبة على كل من سمع بالحادث ، حيث مات بصعقة كهربائية وهو يحاول تشغيل مروحة في المطعم الذي كان يمتلكه مقابل باب الامام الحمزة الغربي(ع) الرئيسي، حيث نشب خلاف بين أثنين من زبائن المطعم وتدخل لفض الاشتباك ، وكانت أصابعه مبتلة بالماء ، وذهب وهو في حالة توتر لكي يفتح سويج مروحة منقلة شوي الكباب ، وقد أمسك به التيار الكهربائي بقوة لم يستطع معها الأستاذ لقمان حمد أبو ماهر أن يفصل بين الضحية والكهرباء ، حيث استخدم في وقتها خشبة كبيرة لهذا الغرض من دون جدوى حسب رواية الأستاذ الشاعر ظافر عليوي الشمري التي اكدها السيد عباس جاسم البوشي .
وبقي (صاحب الحميد) ينظر ويتأمل ما حدث لصديقيه شاعرا بالخطر المحدق الذي يلتف عليه، ويروى انه كان يقول بان دوره يقترب يوما بعد يوم. ومن هذه التأملات أجاد لنا (قصيدة منديل) موضوعة المقال.
قصة جمع القصيدة
كثيرا ما حاولت أن أجمع هذه القصيدة من الرواة الذين تشتتوا وربما تشتت اذهانهم لطول المدة التي تفصلنا اليوم عن تاريخ كتابة هذه القصيدة، لكنني لم أتمكن من جمع عشرة أبيات على بعضها. وحين ذهبت إلى (علي صاحب الحميد) الإبن الأصغر للشاعر ؛ تمكنت من أن أحصل على عشرة أبيات ثم زيدت بيتا من (عبد الرحمن أبو العوف) ثم حصلت على أبيات أخرى عبر الفيس بوك من الشاعر ( كامل محمود كامل) . ولا أخفي فرحتي وأنا أرى هذه القصيدة بين يدي ، مما دعاني إلى البحث في الأنترنت، فتفاجأت مرة أخرى بوجود قصيدة تعارض قصيدة الشاعر (صاحب الحميد) منشورة على موقع المدحتية في عام 2008 باسم مستعار لشاعر أسمى نفسه ( مدحتي) ثم بعد ذلك تبين أنها للشاعر (كامل محمود كامل) وهي قصيدة جديدة تعارض القصيدتين معا. علما ان (عبد الرحمن ابو العوف) كان قد كتب قصيدة منذ عقدين من الزمن تعارض قصيدة أخرى كتبها الشاعر ( مهدي حمزة الشمري).
نضوج الفكرة
عندما أصبح بين يدي خمس قصائد قررت ان افرد موضوعا مستقلا حاويا على تلك القصائد الخمس بحسب تسلسلها الزمني معتمدا على الرواية وكأنني في فترة بداية التدوين في القرن الثاني الهجري، وأنا أحاول أن أمحص روايات حماد والمفضل الضبي والأصمعي وابن الإعرابي لأخرج بمجموعة صغيرة مما اكتنزته مدينتي من شعر .
ملاحظة لابد منها
قلت في المقدمة باني من مؤيدي بقاء الروايات التاريخية بدون تشذيب للوقوف على واقع المدينة كما هو لا كما يريده البعض. لذلك أنبه بان القصائد تحتوي على تصورات بعض أبناء هذه المدينة في ستينيات القرن الماضي. فلا داعي للتحسس الزائد والمزايدة في الأخلاق على حساب النص. لذلك سأقتبس معنى للجاحظ حيث يقول بأن المعاني مطروحة في الطريق، يعرفها الإعرابي والحضري والعربي والأعجمي، ولكن العبرة باللفظ . أي إن العبرة بجمال النص وروحه والتصاقه بروح الشعر، لا في معنى قد يرد هنا أو هناك يجعله البعض جوهر النص مما يؤدي إلى رفضهم لقراءته أو التأليب عليه .
القصيدة الأولى
( منديل : شعر : صاحب الحميد )
ولد صاحب حميد الأسدي في المدحتية سنة 1914 م ،درس عند الملالي (الكتاتيب) وما أن فتحت مدرسة المدحتية ابوابها عام 1929 م حتى كان أحد تلاميذها ، لكنه لم يكمل دراسته الابتدائية بسبب الظروف المعاشية القاسية آنذاك ، بيد انه ظل محبا ً ومتابعا ً للأدب ، وامتهن بيع الأصباغ الخاصة بصباغة الخيوط الصوفية والقطنية .كان (رحمه الله) رجل عصامي ، خفيف الظل ، حاضر البديهة ، طيب المعشر ، وصفاته هذه اكثرت من اصدقائه ، فهو النديم والسياسي الذي تحسس آلام شعبه وآمالهم ، وطني صادق ، خالص الفكر والانتماء المبدئي ، حتى لاقى بسبب ذلك شتى أنواع العذاب والإضطهاد .
قم من ضريحك وامسح دمعي الجاري فلا الحميا تسليني وسمـــــــــــاري
كأس الحميا شربناها وذا وطــــــــــــر واليوم نشرب مرا كأس أقـــــــــدار
فكم شربنا على أرض مطــــــــــــرزة بالورد. والماء يجري وسط أنهــــار
كنــــا رياحيــــن ياس منــــه منبتنـــــا حادين سكرتنا، نزهو كأزهــــــــــار
أخوان من حانة الخمار مرضعنــــــــــا نمتص دنا ً كنهد الكاعب العــــــــاري
قم من ضريحك واخبرني وكن حـــذرا واهمسْ بأذني ولا تبخلْ بأخبـــــــارِ
منديل قل لي عن الخيام أين غـــــــــدا وهل صحيح أبو النوّاس في النــــار
وهل رأيت أبا الهندي معتــــــــــــــزلا وهل رأتْ ما تراه عين بشـــــــــار
وسل أبا يوسف عن سر غيبتـــــــــــه وقل له لم نطالبْ بعد بالثـــــــــــــار
وقل له إن أفراحــــــــي مؤجلـــــــــة وقل له إن داري لم تعــــــــــد داري
شربت من حنظل الدنيا وقسوتهــــــــا فما ارتويت وما أرويتُ أسفـــــاري
كم رابني يا مدامي الموت دون هــدى وكم بكيت دماءً عند تذكــــــــــــــار
وكم لهوتُ وتيمتُ القلوب ، وكــــــــم لعبتُ بالحظ ،لكن خاننــــــــي زاري
خسرت أمسي ويومي.هل خسرت غدي هل يعرف الله حقا كل أســـــــــراري
فقل لربك اني صــــــــــــــــــادقٌ ورع ما دنستني الخطايا رغم إنكـــــــاري
إن جئت يوما ، فهل ألقاك منتشيـــــــا والأنبياء ندامى خمرهم جــــــــــــار
موسى يهز العصا في كل ناحيــــــــة وللمسيح كؤوس تبهر الســـــــــــاري
………………………………….. ………………………………….
………………………………….. ………………………………….
قم هزّ عطفك وارقصْ بينهم طربـــــاً وقل لربك أرجو عطف جبــــــــــــار
وقل لمالك رفقا إنني ثمـــــــــــــــــــل وقل لرضوان هاتي خمر أنهـــــــــاري
إملأ ليَ الكأس من خمر ومن عـــــسل وقل لربك: هذا خير خمــــــــــــــــــــار
ومن الردود المبكرة على قصيدة الشاعر صاحب الحميد ، هو قصيدة (أسئلة بلا أجوبة) التي كتبها الشاعر مهدي حمزة الشمري في سبعينيات القرن الماضي بعد وفاة الشاعر صاحب الحميد، لذلك جاءت القصيدة متأثرة بمفاهيم سابقتها كما تتأثرــ في العادة ــ كل القصائد التي تأتي ثانية سواء كانت من المعارضات أو الممحصات أو النقائض. ونستطيع ايضا ان نتوصل إلى الأبيات المفقودة من قصيدة صاحب الحميد من خلال دراسة دقيقة لأسئلة الشاعر مهدي حمزة الشمري .
القصيدة الثانية:
شاعر وفنان موسيقي ومدرس لغة عربية بارع في اختصاصه ، مرهف الأحساس زامل الفنان الكبير كوكب حمزة ، وتعلم أحدهما من الآخر الشيء الكثير الى حد تطابقهما رأيا ً وسلوكا ً واعتقادا ً ، ولد عام 1944 م في المدحتية محلة (الكَوام) . دخل مدارسها وأكمل فيها الاعدادية ، والتحق بكلية التربية جامعة بغداد ، وتخرج فيها سنة 1969 م ، عمل في سلك التعليم الثانوي ، فكان مدرسا ً في متوسطة اسامة بن زيد في قضاء أبي الخصيب محافظة البصرة ، وتلك حلقة في حياته زادته شاعرية وغمسته في أحضان الفن ، فنظم العديد من القصائد منها (من وحي الخصيب) .
أسئلـــــــــــة بــــــلا أجوبــــــــة
للشاعر مهدي حمزة الشمري
في رثاء المرحوم صاحب الحميد
أبا نذير إليك اليوم أشعــــــــــــــــــاري شدوت شعرك في لحني وقيثــــــاري
فكم قدمت إلى داري لتسمعنــــــــــــــي حتى طربت على عودي وأوتـــــاري
وكم عجبت بذاك اللحن ثانيـــــــــــــــة حتى استفاق به (شجو ٍ) وسمــــــــاري
كم رحت تشكو إلى منديل في حـــــرق فهل أتاك (ليمحو) دمعك الجــــــــــاري
قم ردد اللحن يا روحي ومهجتهـــــــــا كم ذا سمعت مقاماتي وأطـــــــــواري
كانت قصيدتك العصماء رائعـــــــــــة فيها شدا الركب في عود و مزمـــــــار
طورا تناغي دنان الخمر في ولـــــــه طورا نهد الكاعب العــــــــــــــــــاري
طورا تنادي رفاق العمر كلهــــــــــــمُ هل استفاقوا جميعا وقت أسحــــــــــار
راقت لك الأرض كم كانت مطـــــرزة فيها جرى الماء حينا بين أنهــــــــــار
ما ذاقت الأرض طعم الماء مذ رحلوا سرى الكوارث من نار إلى نــــــــــــار
يا سائق الغيم إن الأرض قاحلــــــــــة هلا تجود بها سيلا بأمطــــــــــــــــــار
أبا نذير وعندي بعض أسئلــــــــــــــة عنها أجبني صحيحا دون إحظـــــــــار
هلا مررت بعبد العال تسألــــــــــــــه هل المقادير حالت دون إنــــــــــــــذار
أو كان حقا رفاق الغدر قد غـــــــدروا لا يصطفي الماء حينا بعد اكــــــــــدار
هل كان منديل مزهوا كعادتــــــــــه هل جادل (السعبريّ) دون إصــــــــــرار
هل انحنيت إلى رضوان منذهـــــــــلا هل فاحت الأرض حسنا بين أنــــــوار
وقف برضوان حيث الحسن مؤتلـــــق كيما تفكر في غيد كأقمــــــــــــــــــار
هل كان حقا جيلا مثلما وصفــــــــــوا مسكا يفوح أريجا طيب أزهــــــــــــار
هل إن حقا جنان الخلد في يــــــــــــده والناس تأكل منها طيب أثمـــــــــــــار
يا مالك الجنة الفيحاء معــــــــــــــذرة أمرر عليهم نسيما نفـــــــــــــــــح آذار
هيّا املأ الكأس من أنهار جنتكـــــــــم علّي أصحّ به من دون تيـــــــــــــــــار
لا تسقني الرعد من مفتاح أولهـــــــــا فأجرع الهجر امرارا بأمـــــــــــــــرار
هلا بفاتحة الأعراف (تروينـــــــــــي) من ريقك الشهد إعصارا بإعصـــــــار
متى سينفخ إسرافيل ثانيــــــــــــــــــة ويبعث الجسم روحا دون أضــــــــرار
يا مالك النار رفقا من زبانيـــــــــــــة لا قلوب وهم باتوا كأحجـــــــــــــــــار
بالأمس لاقيت في الدنيا شبيبتهــــــــم في كل يوم لهم عزف بزنجـــــــــــــار
ما عدت أرثيك هذا اليوم في ثقــــــــة جاريت شعرك في هم وتذكــــــــــــار
يا مالك الموت خذ روحي وكن عجلا لا يستوي العمر في شلّ وأحصـــــــار
الحلقة الثانية
أما الرد الثالث على قصيدة الشاعر صاحب الحميد المسماة (منديل) فكان للشاعر رحمن كامل أبو العوف حيث تمكن من جعل الرد متوازنا ً ومتوافقا ً ليكون ردا ً على قصيدتين في آن واحد ، فمرة يتناول مفاهيم قصيدة (أسئلة بلا أجوبة) من حيث المعاني ، ومرة يتناول قصيدة الشاعر صاحب الحميد من حيث الشكل بصورة رئيسية ومن حيث المضمون في مناغاته لبعض مفاهيم قصيدة الشاعر صاحب الحميد .
وقبل أن نستعرض قصيدة رحمن كامل أبو العوف سألناه ماهي قصة القصيدة ؟
فأجاب : (كنا في تشييع المرحوم مهدي حمزة الشمري وفي صحن الامام علي (ع) تخيلت أن المرحومين منديل وصاحب الحميد كانا في أستقبال المرحوم مهدي حمزة الشمري حيث قام من نعشه وبدأ بانشاد قصيدته التي رد بها على قصيدة المرحوم صاحب الحميد . وفي المقبرة تولدت عندي فكرة كتابة قصيدتي التي بدأتها وانا أنظر الى نعش أستاذي مهدي حمزة الشمري) .
وماتقول لمن سيزاود على بعض أبيات قصيدة منديل وهذا طبعا ً متوقع لأسباب كثيرة ومختلفة ؟ .
فأجاب الشاعر رحمن كامل أبو العوف : (يوجد عندي ديوان السيد حيدر الحلي الذي جمعه الدكتور مضر سليمان مرزه الحلي وكانت معظم قصائده في مدح أهل البيت وبالأخص مصيبة الأمام الحسين (ع) حيث يبدأ كل قصائده بذكر الخمرة التغزل بالمذكر والمؤنث . فهل السيد حيدر الحلي مدمن خمر أو يمارس عشق المذكر أو المؤنث ؟
وكذلك العلامة الكبير المرحوم السيد عمر سعيد كتب قصائد بدأها بذكر الخمر وهو لم يذقها حيث لايستطيع شاربها ومدمنها أن يصفها ذلك الوصف الدقيق .
وعنده قصيدة فاز بها في المركز الاول في أحد مؤتمرات الشعر العربي وهو يتغزل في المذكر من بدايتها الى نهايتها . لذلك أقول للمعترضين أرجعوا الى شعر شعراء أهل البيت أن كنتم تمتلكون ثقافة دينية ).
القصيدة الثالثة : للشاعر رحمن كامل ابو العوف
ولد عبد الرحمن كامل جبر البو زيارة في المدحتية سنة 1946 م ، درس الابتدائية في المدحتية ، وأكمل الثانوية في أعدادية الحلة للبنين سنة 1967 م ، عمل موظفا ً في بلدية ناحية المدحتية ،له قصائد كثيرة ومنها هذه القصيدة .
قصيدة الشاعر رحمن كامل ابو العوف
ياحادي العيس عرج هاك قيثـــــاري لتسمع الربع انغامي واوتـــــــــــاري
ياحادي العيس قبل الفجر مر بنــــــا لتطرب الركب الحاني واشعــــــــاري
ياحادي العيس وحدي انه قـــــــدري ماتت شرايين هذا القلب يا ســــــــاري
اشكو ومن يسمع الشكوى ويسمعنـي اخي صديقي ابن عمي او إلى جاري؟
فأروع الغيد والاحباب قد رحلـوا كانوا هنا وسويد القلب سمـــــــــــاري
كانوا اذا الليل اضناني بداجيـــــــــة ظلماء صاروا لها سيفي واقمــــــــاري
كانوا اذا قلت اه كلهم هتفــــــــــــوا لبيك لبيك يا كل الهوى الســــــــــــاري
سأملأ الجرح ملحا كي يؤرقنــــــي وأوصد القلب عن دَعدٍ ونـــــــــــــــوار
ضيعت كلّ سنيني أقتفي أثـــــــــرا أعلل النفس باللقيا بتذكـــــــــــــــــــــار
متى جناحيك تأتيني مرفرفـــــــة متى وصوتك هدارا كإعصــــــــــــــــار
العيد بعدك عاشوراء يا أمــــــــــلا والعيش بعدك اكدارا باكـــــــــــــــــدار
يا موكب الموت هل تأتي لناعيــة هنيهة هي ذي روحي واشعـــــــــــاري
اني استرحت ابا الاشعار يا امــلا أليوم أليوم اطلبْ عفو جبـــــــــــــــــار
حطمت كأسك والخلان في دعـــــة ملاحم الحب والافراح في الــــــــــــدار
دنياكم ان بكت يوما لنائبـــــــــــــة ذكرى لليلى تسليها وسمـــــــــــــــاري
فقل لمنديل اخبره بما خبــــــــــأت لنا المقادير من شر وأشـــــــــــــــــرار
اخبره انا بعين نصف مغمضــــــة نغفو وأقدارنا في عقل صرصـــــــــــار
نطالع النجم والسياف يرمقنـــــــــا نراقب الامل الاتي بتيــــــــــــــــــــــــار
ونحتسي الخمر لا خمر يسكرنـــــا ولا غلام ولا غيد كاقمــــــــــــــار
ونكتب الشعر للفرعون نرفعــــــــــــه حتى يصير علينا خير جـــــــــــــــزار
وقل لمنديل صرنا معشرا خــــولا نهفو لزانية نرنو لثرثـــــــــــــــــــــــار
ان الفضيلة والاخلاق في وطنـــي بيعت على دكة الدنيا بدينــــــــــــــار
الحلقة الثالثة :
وقبل أن نختم حلقات موضوعنا من شعراء مدحتيين بقصائد شاعر المدحتية الرائع (كامل محمود كامل ) سألنا شاعرنا : وماتقول لمن سيزاود على بعض أبيات قصيدة منديل وهذا طبعا ً متوقع لأسباب كثيرة ومختلفة ؟ .
فأجاب : (قلْ كلٌ يعملُ على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا) . لو قرأ المتدخلون في شؤون غيرهم هذه الآية لما تدخلوا بما لا يعنيهم. فهي مبدأ أساس من مبادئ الديمقراطية. فالرب هو الذي يحاسب وهو الذي يقرر من هو المهتدي ومن هو مدعي الهداية. ولنا في القضاء المصري أسوة حين ردت محكمة التمييز دعوى المحامي (الإسلامي) على عادل إمام. حيث قال له:(( اين التوكيل الذي اعطاه الله لك لكي تمثل الاسلام كله؟))
وقال أيضا ً :
((ان جميع الشعراء الحقيقيين في العالم هم أبناء لحظة يقولون ما يشاؤون في لحظة الإبداع. ثم تأتي بعد ذلك لحظة إبداع أخرى تراهم فيها من الزاهدين.
فهذا أبو نواس، مرة يقول في وصف الخمرة
( دع عنك لومي فإن اللوم إغراء
وداوني بالتي كانت هي الداء
صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها
إن مسها حجر مسته سراء)
ثم في لحظة ابداع أخرى يقول:
( يارب إن عظمت ذنوبي كثرة
فلقد علمت بأن عفوك أعظم
إن كان لا يدعوك إلا محسن
فبمن يلوذ ويستجير المجرم؟)
ومن خلال ما ورد أرى ان من الأصلح ألا نحاسب الشاعر على ابداعه ولا نحاسب النص الأدبي على نوع اللحظة التي راودت الأديب.
كما علينا الا نحاسب المتلقي إذا رفض النص.
فالله للجميع، وليس لأحد أن يدعي بأنه وكيل الله على الأرض وأن يزايد على صلته بالله)) .
وقال الشاعر (كامل محمود كامل) : ((هذه القصيدة تصف حال من يدخل الجنة. ألم يقل الله انهم سوف يجدون خمرا وسعادة ابدية؟ فلماذا ننزعج اذا تخيلهم الشاعر وهم يرقصون. وهذا يثير سؤالا مفاده . إذا كانت الخمرة حلالا في الجنة ــ فهل الرقص والغناء في الجنة حرام؟
أنا آسف ــ فأنا لا أسأل للسخرية وانما لجهلي بذلك حقيقة، علما اني قد كتبت ردا على هذه القصيدة منذ خمس سنوات ، لأن هذه القصيدة تمثل أغنية مدينتنا المدحتية التي رددها الكثيرون ، وقد أصبحت من موروثها الذي نعتز به وإن ظن بأنه ماجن)).
القصيدة الرابعة:
( المدحتية بين جدولين : شعر كامل محمود كامل )
المدحتية عنواني إذا اشتعلـــــــــــــتْ
كل الدروب وساد الرعب أسفــــاري
المدحتية ُ بيتي ما أزال ُ بهــــــــــــــا
طيراً يردد لحن الحب للســـــــــــاريِ
المدحتية روحي. كنت أعشقهــــــــــــا
منذ الطفولة ,لم أحفل ْ بأفكـــــــاري
ربيانة الأمس: شرياني . وذاكرتـــــي
تقتات من مائها روحي وأشجـــاري
أجريتُ فيها شموعي نحو مقصدهـــا
بكربة ٍ فصلتْ مائي عن النـــــــــــــار
وحينما جلستْ روحي تراقبهــــــــــــا
وتسأل الضفة الأخرى عن الســــاري
سمعت صوتا ينادي في فضاء دمــــي
(قم من ضريحك وامسح دمعي الجاري)
وقد نهضت ُ لأخطو صوب ما سمعـت ْ
أذني ولكنني لم ألق َسمـــــــــــــــاري
ناديتُ : أين مفاتيح الغياب؟ فـلــــــــــم
أسمعْ سوى ضجةٍ تسري بأفكـــــاري
تقول لي : إسأل الأيام عن رجـــــــــلٍ
قد غاب يبحث عن ميعاد أســــــراري
وكيف أسأل عن سر الغيــــــــــاب إذا
مات الغريب وأمسى رهنَ أقــــــــــدار؟
وحين رحت إلى منديل اسألـــــــــــــه؛
وجدت ُ دمعته كالزيـــــــــــتِ في النار
يبكي دماء ً على ما ضيعـــت ْ يدنـــــا
لأننا ما حصدنا غير إعصــــــــــــــــــار ِ
وقال لي: كيف ضاع الأمس في بـلدي؟
وكيف أبدلتمُ عشبــــا ً بدينــــــــــــــار ِ؟
حتى النخيل بكى مما جنت يدكــــــــم
يصيح ُ لا تعبثوا حقدا بجمــــــــــــاري
وقال لي: لا تسلني ..عد ْ إلى بلـــــــدي
وقل لهم: إنني مازلت ُ فـــــــــــي داري
رجعت أسحب ذيل اليأس مرتديـــــــا
ثوبَ المتاهاتِ أمشي دونَ آثــــــــــــار
أصيح بالأمس علّ الأمسَ يسمعنـــــــي
هذا أنا , هذه ضوضاء أعــــــــــــذاري
القصيدة الخامسة:
( مذكرات كلب ) الشاعر كامل محمود كامل
قد قدم الشاعر قصيدته بهذه التوضيحات التي ترفع الإيهام عن بعض مفرداتها ومعانيها قائلاً:
(حيــن اختمرت هذه القصيدة وأوشكت أن تمزق القلب وتخرج ؛ تخيلت أني ذلك الكلب الذي بقيَ مع ساري العبد الله، وتخيلت أن عسل القلب ما زال يمسح قلبي: قلب شيـر: ذلك الوفي الذي ما غادر الجرب الذي مس الوفاء، لكن الجرب لامس الجلد ولم يلامس القلب. فبلسان شير كانت قصيدتي)
مات الصباح وحلّ الليل يا ســـــــاري وها أنا نابحٌ قد أُطفئت ْ نــــــــــاري
نبحت بعدهم ُ لكنهمْ رحلـــــــــــــــــوا لم تلتفتْ منهم ُ روح ٌ إلـــــــى داري
سلمت َ أنت َ ولكن ْ صابهمْ جـــــرب ٌ فغادروكَ ، وشدوا قيد أســــــــواري
نحن الوفيان ، يا ساري . وأدمعنـــــا سمـّـارنا. إن صبونا نحو سمـّــــــــار ِ
إن غادرونا ؛ فقد أمسوا بلا مـــــــدن ٍ لأنني دار ُ ساري. ولتكـــــــــن داري
ظنوا بأني َ لا أعوي إذا خطــــــــرتْ لي عين ُ ضيف ٍ ولم أحفل ْ بأمطاري
وأننــي لم أجُـد يوما بنافلــــــــــــــــة ٍ والباب أغلقها في وجه خطّــــــــاري
ولــم يزلْ صوتُ نوحي دامعاً دمَـــــــه فالدمع أنبتَ همّا فوق أحجـــــــــاري
فــلا صديقي صديقي حين يرهقنـــــــي همي. ولا الجار عند المشتكى جاري
لو إن منديل يدري حالنا لأتــــــــــــى لنا، وكنا ضيوفا عند أقمــــــــــــــــــار
منديل يقظة رأي كان إن نكــــــــــدتْ نياتنا ، ساربات حول مـــــــــــــدرار
منديل نسمة صيف المتعبيــــــــــن إذا ألقى الضياع شموسا بين أسحــــاري
منديل أحدوثة الماضين ، نغمتهــــــــمْ صوتٌ من الأفق يحكي طبع أحــرار
منديل: صحبته : ليستْ كصحبتنـــــــا ما غادروا من يعاني الداء يا ســاري
كانوا رياحين يا من لست تعرفهــــم كم يتعبون، ولكن طبع أنهـــــــــــــار
راحوا يحزون في لوح الخلود يـــــــدا ً تدل من ضاع منهم. تطعم الســــاري
يا ثلة الله، يا أخيارُ . يا سلــــــفـــــــــا ً من النقاء . ويا أمثولة البـــــــــــاري
منديل ُ منديل ُ عرس في يدي ْ ملــــكٍ فلم يدنس ْ ولم يرتق ْ بأســـــــــــــرار
وصاحبٌ صاحبٌ لا مثل من صحبـــوا كذبا وغادرنا في الليل يا ســـــــــاري
وعبدُ عبد ٌ لضيف رغم عسرتـــــــــه فلو يشاء لألقى القلبَ في النــــــــــــار
راحوا وراحتْ على أمثالهم مـــــــدن ٌ فكبلتنا الخطايا السود بالعـــــــــــــــار
[email protected]