حاورته – سماح عادل :
“علي لفتة سعيد” روائي وقاص وشاعر وناقد وصحافي.. ولد في 1961، وهوعضو “اتحاد الأدباء العرب”، وعضو “اتحاد الأدباء والكتاب” في العراق، وعضو عامل في نقابة الصحافيين العراقيين.. تحاورت معه (كتابات) عن الشعر والرواية والنقد، وعن إنتاجه الأدبي المميز..
(كتابات): كتبت الشعر والرواية ولك محاولات نقدية.. عن ماذا يكشف هذا التعدد في الإبداع ؟
- الإبداع الأدبي مخيلة.. والمخيلة نتاج موهبة متوافرة منذ الصغر، كانت تحتاج إلى معرفة تفاصيلها لكي يكون النمو صحيحاً وقابلاً للإتيان بشئ جديد، ربما ليس بالضرورة أن يكون مغايراً لكنه لن يكون كما النبتة البرية التي توجد بتأثير الطبيعة.. ولهذا فإن البداية الأولى مع الأدب تنطلق من عملية اكتشاف الموهبة وسبر غورها، ومعرفة طرق نموها، لكي يكون الحاصد مبرراً في التنوع.. لذلك أنا كأي أديب اكتشف الإبداع منذ صغره.. أنا ابن مدينة جنوبية كانت جزءاً من “سومر” ومن “أور” ومن لحظات انعتاق الأديان عن طريق النبي إبراهيم (ع).. وهذه المدينة التي ربما مرّ على أراضيها “جلجامش”، وربما هو ذاته نبي الله “إبراهيم”، إنها مدينة “سوق الشيوخ” بمحافظة ذي قار، وهي أقدم مدينة جنوبية قبل تأسيسها المتعارف عليه في القرن الثامن عشر الميلادي..
ولهذا فإن القول بتعدّد الإبداع ليس كامل القوام، بل إن الأساس هو وجود الموهبة الإبداعية ذاتها، بمعنى أن الموهبة الأدبية تتعامل مع 28 حرفاً، يمكن من خلالها ومنها وإليها وبها غزل الكثير من النصوص، وفق موالية فكرية وقصدية وتأويلية قابلة لكي تأخذ شكلها الظاهراتي من جهة، والبراهيني من جهة أخرى، لأن الأدب ليس اختصاصاً دقيقاً، أو فعلاً تاريخياً، أو أرخنة لوقائع، بل هي تدوين مخيالي وإن اعتمد على الواقع..
وقد كان “الشعر” هو المحرك الأول والخطوة الأولى التي بدأت فيها الكتابة منذ سبعينيات القرن الماضي، حين نشرت أول قصيدة لي بعمر 15 عاماً في إحدى الصحف البغدادية، وما بين “سوق الشيوخ” و”بغداد” مسافة 450 كم، وسفر كان فيها يعد نهاراً كاملاً، وكان البريد العادي يوصل الرسالة بعد أسبوع، ومنها كان الاختلاف، حين نبهني معلم اللغة العربية إلى وجود فعل درامي في الشعر الذي أكتبه، لأنتبه إلى فعل “القصة”، وكانت المكتبة المركزية التي نستعير منها الكتب هي الواحة التي زرعت في داخلي كل ما هو مدون في الشكل الكتابي.. ما أريد الوصول إليه أن ولادتي لم تكن شعرية بل كانت موهبة متعدد الأطراف أو الأذرع أو الأشكال أو أية تسمية أخرى، وكانت جميعها تسير في خطوط متوازية، أسير على خط منها بحسب الفكرة التي تعيش في المخيلة، وهي التي تذهب إلى مساحتها لتنزرع فيه، فتخرج مرة “شعراً”، ومرة “قصة”، وأخرى “رواية”، ومرة “مسرحية” من فصل واحد.. أما “النقد” فذلك كان الخطوة المرافقة التي تسير بعد تلك الخطوط لتراقب ما أسير عليه، من خلال ما سار عليه الآخرون، لأكتشف المساحات الأخرى لمبدعين آخرين لأعرف أين اضع أفكاري وكيف أدونها ؟.
(كتابات): احكي لنا عن مسيرتك في الكتابة منذ البداية ؟
- كما قلت أن موهبة الأدب تبدأ شعراً لأنا أمة الشعر، والقراءة الأولى في المدرسة هي قراءة شعرية، والتأثر بالآخرين هو تأثر شعري، ولكن هذه الشعرية المتوافرة في داخلي كموهبة.. والبداية وإن كانت شعرية لكنها كانت ما نسميها في الوقت الراهن سردية.. البدايات الأولى لعالم الدهشة هي الحكايات الشتائية لأبي الذي كان يحدثنا عن قصص لا تنتهي بليلة واحدة ولا ليلتين فربما ثلاث أو أكثر.. وكنا نصغي بانتباه شديد أنا وأخوتي.. كنت أنا الأخ الأصغر من بين أربعة أخوة، وكنت قد فقدت الأم مبكراً بعمر لم يتعد الحولين.. وكان حضن أبي ملاذ العاطفة وملاذ الحنان، وتشذيب الرؤية وشرب ما يعوض العوز.. تلك الحكايات التي لم أكن أعرف أنها تنغرز في داخلي مثل رقيم طيني رسمه أزميل الحكايات الشتائية.. أبي والإصغاء والصمت واليتم علامات من يريد التعويض عن فقده للجمال بجمال الحروف..
تلك البداية التي صنعت من الفقير الذي يمشي خلف أبيه للذهاب إلى المدرسة حتى في أيام العطل.. جعلته يسكن إليها لتكون ملاذه أمام أقرانه الذين يلعبون كل شئ إلا هو.. القراءة واحة الفقراء وحلمهم اليوتيبي.. والحرف ماء السبيل.. واليتم راعٍ أخذ بيدي إلى حيث أحبو لأمشي، وأركض لأسعى، وأدون لأستعين، وأنام لأفكر، وأتخيل لأنتج.. ومازلت حتى اليوم أبحث عن إجابة إن كان هناك سبيل آخر للتعويض عن مدقّات الحياة يكون بجمال الكتابة، ويكون هذا السبيل يحمل تلك الآلام الجميلة التي تمنحها ساعات التدوين مثلما تمنحها أيام القراءة مثلما عمر التفكير، فلا أجد غيرها سبيلاً حتى الآن.
(كتابات): في روايتك “مثلث الموت” تناولت الاقتتال الطائفي في “اللطيفية”.. ماذا كنت تريد أن تقول ؟
- هو ما قلته في الرواية.. السؤال الملح الذي تحول إلى استقصاء.. ما الذي يجري في العراق ولماذا ؟.. كان هذا السؤال قد برز أولاً كتحقيق صحافي أجريته في عام 2005 ونشرته في صحيفة “الصباح” العراقية، وكان تحت عنوان (مثلث الموت.. ما الذي يجري).. وكنت أنا أول من أطلق هذا المصطلح في الصحافة العراقية، ليتحول إلى مصطلح عالمي يقصد به المنطقة الجنوبية من بغداد باتجاه كربلاء.. ولذا فإن هذه الثيمة ظلت مع مرحلتها الشفاهية سنوات لأكتبها في عامين.. محاولاً الوصول الى إجابة عن أسباب الذي يجري في العراق بعد عام 2003، خاصة وأن كل المؤشرات كانت لدى الغالبية في العراق تؤيد سقوط النظام لأسباب سياسية وكثرة الحروب، ولكن الذي اتضح وما أردت الوصول له في الرواية أن ما كان مخبوءاً من الصراع الطائفي، وصراع الوصول إلى السلطة هو المرتبة المتقدمة في التفكير، واستغلال الإسلام من كل الطوائف ليكون هو المحرك.
بمعنى أن (مثلث الموت) ربما هي منطقة ووعاء الروي، والروي هو جوهر السؤال، والسؤال هو روح الحقيقة، والحقيقة هي معنى الإجابة، والإجابة لا تلمّ كل المختصرات التي تناثرت على الساحة العراقية.. ما بين نقطتين ثمة خطّ وهميّ لم يكن مستقيماً ويراد أن أسجله روائياً لأمنحه سياق القبول، وأرسم ملامح الشخصيات لأعطيها البعد التوافقي مع الفكرة، والقادرة على الأخذ بيد السرد إلى منطقة القبول، لأن التناول الواقعي لا يخلّف سوى ردود أفعال متباينة وخاصة للمتلقي الذي عايش الأيام.. ربما (مثلث الموت) تجيب أو تضع السؤال: إن الإنسان عبارة عن حرب يخوضها، نيابة عن المخططات أو هو ضحية لحرب ينفذها الآخرون ؟.. إنها ربما صرخة أيضاً، إن الحروب هي نتاج سلطات سياسية ودينية تسعى للوصول إلى الحكم حتى لو كان عن طريق الموت.. الرواية لا تكشف عن إن الإنسان ضحية استغلال العقل، واليد هي الرصاص القاتل بل هي تؤكد على استمرار استغلال الانسان لكي لا يفعّل عقله.
(كتابات): في روايتك “مواسم الاسطرلاب” تناولت الديكتاتورية بجرأة.. هل في رأيك يجب على الروائي أن يعبر عن هموم مجمتعه ويكون عين راصدة لمشاكله ؟
- هي مقولة ظلت حبيسة الرهان بين الواقع الذي يراد للمثقف أن يستلهم منه أفكاره وبالتالي المشاركة في صناعته، وبين قوة السلطة التي لا تريد للمثقف أن يكون صانعاً للحياة، لأنه لا يقبل بتلك الراديكالية التي تتعبها السلطات، أو أخفها الميكافيلية إذا ما قلنا أن المثقف هو الوعاء الأرحب الذي ينتج الحضارة الواعية لأي مجتمع.. ولذا فإن المثقف ورغم كل الملاحقات، سواء تلك التي تتبعها الجهات السياسية وحتى الدينية لتسقيطه، أو حتى ملاحقته وإنهائه، أو التي تجعل من المثقف ذاته وعاء لجلد ذاته من خلال نقده اللاذع للمثقف الآخر، فإن المثقف هو المؤشر الحقيقي الذي يبقى ولو بعد حين من يؤشر إلى حقيقة الواقع، وهو الذي يتم من خلال عينه الراصدة إلى تأشير ملامح المرحلة ذاتها.. الروائي ليس عيناً راصدة فقط بل هو محرك المرحلة، لأنه يصور ما هو غير مرئي ومدون لما هو غير مقروء وقائل لما هو غير مسموع، بل هو المشارك من خلال جرأته أن يكون المعبر الحقيقي عن هموم البلد والناس وهي همومه بكل تأكيد.. ولذا فإن أول الناس المحاربين من تلك السلطات المتعددة هو “المثقف” بشكل عام، و”الأديب” بشكل خاص سواء أكان روائياً أم شاعراً أم فناناً.
(كتابات): في “مواسم الاسطرلاب” الديكتاتور شخصية غير سوية.. يشوه جسده ويتعامل بوحشية مع زوجته ومع الآخرين.. لماذا سعيت إلى نشرها رغم أن ذلك كان سيعرضك لعواقب وخيمة ؟
- هذه الرواية كنت أكتبها لتسع سنوات.. بدأت فيها منذ عام 1991 بعد حرب الخليج.. حينها كتبت ورقة صغيرة قلت فيها أني غير مستعد أن أموت من أجل دين أو بلد أو سلطة.. وشرحت ذلك أن الدين نحن من نعتدي عليه، والوطن نحن من نقيم عليه حد الحروب، والسلطة لا تستحق أن أموت من أجلها لتبقى هي.. ومن خلال هذه المعادلة انبثق السؤال العام.. من يصنع الدكتاتور ؟.. لتبدأ رحلة الإجهاد في البحث عن حقول لم يطأها سرد ولكي تجيب على السؤال دون أن تبرز لقباً، أو تمسك عورة إبليس، أو توخز أسداً لا ينام ولا تدل الواشي إلى همسك أو حتى تفكيرك, وكان المخرج الذي اعتمدت عليه في الرواية هي دمجها بحكاية من الموروث الشعبي، ولكن الطريق إلى الاجابة يشبه الدخول إلى منجم بلا ضوء، فالرواية بلا أسماء ولا مدن معلومة ولا زمن مشهور.
الرواية حكاية رجل مهووس داهمته فكرة أن يكون مكتشفاً للألم من خلال الكشف عن أمراض الآخرين.. معتمداً على نبوءة عرافة قالت له أنك ستكون شيئاً كبيراً ولأنه لا يحب الموت ويخاف أن يموت راح يكتشف المرض في أجساد الآخرين ويعلمهم بالشفاء أو الموت، حتى تيقن أن سمعته وسعت ووصلت الآفاق وصار الناس يستقبلونه على أبواب المدن حتى صار هو سلطاناً عليهم، يهبهم الحياة بدلاً من الموت ولكن الحكم وضعف الناس والهتافات له جعلته يتحول إلى طاغية، وإلى سلطة غاشمة فيكون الناس له مندفعين طائعين حتى حين تتحول مرآته إلى واهبة الموت فهم يهتفون لها، فتصل العقوبات لديه حتى لقطع العورات لكل إمراة تنجب، لأنه بلا ذرية ولا يريد للنساء أن يلدن، ويبرز رجل حكيم يحاول أن يلم شجاعة الناس مع زوجة الطاغية التي تزوجها ولم يدخل بها قبل رحلته صوب المرآة، فيقتحمون قصوره مع تحشيد للناس أن السلطة تحولت إلى موت.. فيموت هو بذات المرآة التي تقول له أنك ستموت.. إلا أن الناس وهم يقتحمون القصور يسرقون كل شئ ويكسرون حتى أصص الزهور فلم يبقى من معنى فالشيطان كامن في السلطة.
(كتابات): في رأيك هل تميزت في الشعر أم في الرواية وأيهم أقرب إلى ذاتك ؟
- أحاول التميز بجميعها.. لأنها ولادات فرح بعد ألم.. التفكير هو مخاض مؤلم وإن كان جميلاً لصناعة الجمال.. ولكنه مخاض صعب ربما لا تكون فيه الولادة مكتملة أو أنها ولدت بغير قوامها المرجو.. أحاول أن أكون في كل جنس أدبي أنا الكاتب الذي يبحث عن فرصة لنفث همومه من جهة ورسم وتأشير معالم البلد الذي أنا فيه والحياة التي أعيشها من جهة أخرى..
لا أدري إن كنت متميزاً بالشكل الذي أصبو إليه ولكني أعتقد أنني مازلت أبحث عن خطواتي، لا أريد الوصول إليها أو أجدها لأن هذا يعني الوصول النهائي، ويعني موت المخيلة، وشلل المقدرة الكتابية وبالتالي لا مواصلة في البحث عن الجديد.. ولكني أعتقد أن تميّزي لا يكمن بين الأشكال، فتداخل الأجناس الآن أصبح سمة مميزة من سمات الزمن الراهن، الذي تشعبت فيها الميتات سواء السردية أو النقدية أو حتى الشعرية.. فلا أشعر بواحدة أبعد من الآخرى.. الفكرة هي التي تأخذني إلى حيث أكتب.. ما اكتبه الآن يعد ايضاً مخيلة لأني أتخيل الإجابة بعد فهم السؤال، وفي الأدب أتخيل الإجابة بعد فهم الحياة.. ولذا فإن التدوين لا يتبع الجنس، بل الجنس يتبع الفكرة والتدوين.
وفي البلدان الأخرى خارج البلاد العربية نقرأ أن الأديب الفلاني كان صحافياً وكان رساماً وشاعراً وروائياً إلا نحن نريد التخصص، كأننا ندرس الحقب التاريخية لنيل الشهادة العليا، وهذا مخالف لمبدأ الإبداع.. نعم ليس الجميع له القدرة على الإبداع في أكثر من جنس أدبي كأن يكون شاعراً مثلاً له القدرة على الكتابة الروائية، ولكنها موهبة أخرى تم اكتشافها فدوّنت، وهذا الأمر ينطبق على الكثير من الأدباء الذين إما ظلوا في جنس أدبي واحد وهو يبدعون فيه، أو اكتشفوا قدرتهم على تدوين جنس أدبي آخر فحاولوا الإبداع فيه، وكلا الحالين ليس خطأ، والخطأ إتهام الحالين أما بالجمود أو بالتعدد غير المبرر.
(كتابات): ما تقييمك للنقد في العراق والنقد العربي ككل ؟
- كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن النقد، واتهم متعاطيه بين النقاد أنفسهم، وصارت الاتهامات بين الأكاديميين من جهة والنقاد الأدباء من جهة أخرى.. والحقيقة إن النقد لدينا متهم أساساً بالإخوانيات من جهة، أو المجايلة أو حتى المال مقابل النقد لهذا الأديب أو ذاك، ولكن ما نريد قوله في النقد عموماً.. أنه نقد طبيعي في أغلبه وإن تميز لدينا نقاد كثيرون على مستوى العراق أو الوطن العربي، وبعيداً عن الأسماء لابد أن نفرق بين مصطلحين.. نقد النقد والنقد الأدبي.. فلدينا نقاد الأدب كثيرون فيما لدينا نقاد النقد هم الأقلية، وبعض الأكاديميين وقعوا في هذا الفخ أيضاً إذ ظلوا نقاد أدب في حدوده الظاهرة المعروفة، فيم أن نقاد النقد هم من ينتجون لنا نقداً ومساراً ومنهجاً وعلماً نقدياً..
ولي في هذا دراسة أفرق فيها بين المصطلحين أو المشتغلين في الحقلين إن صحت التسمية.. وأردت الوصول فيه إلى أن النقد الأدبي لا يعني حصول الشمولية في الرؤية الكاملة للعملية النقدية، كما هي مطلوبةٌ ومفروضةٌ في وجودها في عملية نقد النقد، وحتى هذه المساحة التي نكتب فيها الآن ليس مفروضاً أن تقدم الحلول النقدية المنهجية الجامدة، بل هي محاولةٌ لمناقشة الأمر، لوضع حدٍّ لهذا الصراع الذي بدأ بالتزايد، وصار هناك انتقاصٌ من كاتب المقال النقدي الأدبي على إن كلّ من هبّ ودبّ يكتب نقداً، وهو يكتب رأياً نقدياً لا يدخل ضمن فعالية نقد النقد الذي يختص به الناقد الأكاديمي في تقريب التوصيف كونه منتجاً فكرياً.. والحقيقة أن الصراع يتبوّب باعتقاد الناقد الأكاديمي أنه الأحقّ بالحفاظ على قيم المصطلحات التي جاء بها الآخرون، وأنه الأحق بالبقاء في هذه المكانة والإشارة له، وأن بالإمكان أن يكون ناقد النقد منظّراً لما هو جديدٌ، وهو الذي يضع التوصيفات الجديدة لأنه يمتلك إمكانية المناقشة وطرح المفاهيم الجديدة بلا عشوائية، وإنه يمكن الاستفادة من كلّ العشوائيات المطروحة بسبب ما يعتقد بغياب المنهجية في النقد الأدبي من خلال تبويب النقد العشوائي وجعله بمسارات صحيحة من خلال ترتيب الفوضوي والعشوائي بعلميّته وفكره.
(كتابات): هل لابد للناقد أن يكون دارساً متخصصاً في هذا المجال ؟
- كما أسلفت في الإجابة السابقة.. إن الصراع مستمر بين الناقد الدارس وبين الناقد الذي جاء من خلال موهبته الأدبية سواء أكان منتجاً للأدب أو متلقٍ له.. رغم أن الاختصاص الفعلي للنقد لا يكون من خلال التحصيل الدراسي، فقط لأنه سابقاً لم يكن النقاد هم خريجو دراسات أدبية بل جاءوا من خلفيات أدبية ثم أكملوا دراستهم، ولهذا أقول أن الخطوة الأولى هي أن يكون هناك ناقد أدبي يمكن له أن يتطور ويحصل على شهادة دراسية، ليكون ناقداً للنقد لأن مهمة الأول نقد الأدب وهو تابع للنص، والثاني هو البحث عن منهجية النقد وهو موازٍ للنص الأدبي وإن خرج من رحمه في تكوين ملامحه.
(كتابات): في رأيك هل وصلت الرواية العراقية لمرحلة النضج وأًصبح لها أعلامها ورموزها ولماذا ؟
- وأيضا الرواية تعرضت إلى الإتهامات وإلى الإهمال أيضاً من لدن الكثير من الأدباء.. سواء من كان منهم أدباء عرب أو عراقيين.. بل وصل الإهمال إلى عدم ذكر الرواية العراقية على لسان من نعتقد أنهم أدباء عرب، واتهمها بعض النقاد العراقيين بأنها تعاني الخراب، وفي الحالين ثمة جريمة ترتكب بحق الرواية العراقية التي تحقق الكثير من الإنجازات، سواء على صعيد التقنية أو الأفكار لأنها رواية لا تحكي، بل تسرد وتصف لتعطي حياة أخرى غير مرئية..
إن الرواية العراقية لها تاريخ حافل من العمق يمتد لأكثر من 100 عام، ولا يمكن تعداد النماذج المهمة على الخارطة الأدبية سواء العربية منها أو العالمية، لكنها، أي الرواية العراقية، شأنها شأن الرواية العربية لها محدودية الانتشار والدعاية والترويج.. لدينا على المساحة العربية الكثير من القامات وفوز “نجيب محفوظ” يعطي الدليل الكافي على أن الإعلام والإعلان والترويج له فوائد كبيرة لو تم الاستخدام الجيد لها.. ولكن القصديات المبيتة من أجل النيل من الرواية العراقية، بل الأدب العراقي لأنه صاحب تاريخ، وهو أول من كتب الشعر، وأول من كتب النص السردي حتى في القصة القصيرة جداً عبر الأسطورة وغيرها.
(كتابات): فازت روايتك “مواسم الاسطرلاب” بجائزة في مصر.. ما رأيك في الجوائز الأدبية في الوقت الحالي خاصة الخليجية وهل تدعم الرواية أم تضرها ؟
- الجوائز ليس نهاية الحلم أو الغاية التي يريد الوصول لها المبدع.. ولكنها واحدة من طرق الترويج والإعلان الذي قصدته في سؤالك السابق.. ولذلك تبقى الجائزة مهمة لأنها تعني لفت الانتباه وأيضاً نعود إلى “نجيب محفوظ”، فإن رواياته زادت مبيعاتها وعدد طبعاتها بعد الحصول على “جائزة نوبل”، وكذلك “الطيب صالح” في روايته “موسم الهجرة إلى الشمال” وغيرهم من الأدباء الذين خدمتهم الجوائز في زيادة جرعة الشهرة..
ولكنها أيضاً، أي الجوائز، لا تأتي لمن لا يحسن الإنتاج الأدبي، بل لابد من توافر كل الإمكانيات التي تؤهل العمل الأدبي للفوز في الجائزة.. وهو ما حصل معي في روايتي “مواسم الاسطرلاب” رغم أنها فازت بجائزة ليس لها تسليط إعلامي كبير، وهي بلا مردود مادي لكنها أفادتني بطبعة ثانية من هذه الرواية، وقد نفذت وأسعى لطبعها للمرة الثالثة.. ولكن أيضاً كما ذكرت ذلك في مقال نشرته مؤخراً إن الجوائز لا تعني بالتأكيد أحقية الأديب أو نتاجه الأدبي ليكون في المقدّمة الإبداعية وأنه الأفضل، ولا يمكن أن تخلوا المسابقات من توجهات سياسية، لكنها مسابقات أدبية تشبه أية مسابقة تقام في العالم حتى لو كانت لأفضل طبخة لطعام جديد.
صدر للكاتب “علي لفتة سعيد”:
في القصة:
1 – امرأة من النساء.. قصص قصيرة 1988، دار الشؤون الثقافية/بغداد.
2 – اليوبيل الذهبي.. قصص قصيرة 1989، دار الشؤون الثقافية/بغداد الفائزة بالجائزة التقديرية.
3 – بيت اللعنة.. قصص قصيرة 1998، بغداد فازت بجائزة الإبداع لعام 1998.
4 – بيت اللعنة.. قصص قصيرة 2016 طبعة ثانية دار تموز في دمشق
5- مداعبة الخيال قصص قصيرة 2009 مؤسسة الشمس في القاهرة
في الرواية
1- وشم ناصع البياض رواية 2000 دار الشؤون الثقافية / بغداد.
2- اليوم الأخير لكتابة الفردوس رواية 2002 دار الشؤون الثقافية / بغداد.
3- الصورة الثالثة رواية 2015 عن دار فضاءات في الأردن الطبعة الثانية من رواية (اليوم الأخير لكتابة الفردوس).
4- مواسم الإسطرلاب رواية 2004 طبعة أولى / دار الشؤون الثقافية / بغداد.
5- مواسم الإسطرلاب رواية 2013 طبعة ثانية/ دار تموز في دمشق فازت بالمركز الأول لجائزة القلم الحر في مصر.
6- مثلث الموت رواية 2016 دار سطور – بغداد.
7- السقشخي رواية 2017 دار الفؤاد مصر.
في الشعر:
1- أثر كفي مجموعة شعرية 2013 دار تموز في دمشق.
2 – مدونات ذاكرة الطين مجموعة شعرية 2016 دار الشؤون الثقافية / بغداد.
3- ….نا مجموعة شعرية 2016 دار تموز في دمشق.
في المسرح:
1- المئذنة مسرحية من فصل واحد 2011 دار تموز في دمشق
في النقد:
1- بنية الكتابة في القصة العراقية (مقالات في النقد الأدبي) مخطوطة.
2- بنية الكتابة في الرواية العراقية (مقالات في النقد الأدبي) مخطوطة.
3- بنية الكتابة في الشعر العراقي (مقالات في النقد الأدبي) مخطوطة.