9 أبريل، 2024 2:39 م
Search
Close this search box.

ماذا كتب أشهر الروائيين عن الرواية (7) .. إميل زولا : الروائي يشرح الجثة الإنسانية

Facebook
Twitter
LinkedIn

كتبت – سماح عادل :

“إميل زولا” كاتب فرنسي شهير، وأحد أكبر أعلام الأدب العالمي الحديث.. ولد في 1840، كان أبوه إيطالي وأمه فرنسية، عمل بالصحافة، واشتهر كروائي وناقد أدبي، كما كان معادياً للسلطة في بلاده.. اشتهر بانتمائه لاتجاه أدبي جديد يعرف بـ”الطبيعية” وتعني الواقعية في الأدب، وهو اتجاه يهتم بتصوير حياة الناس في الحياة الواقعية، والكادحين منهم على وجه الخصوص، من أعماله مجموعة “روجون ماكار” التي تتكون من 20 جزء ونشرها بين 1871 و1893.. كما عارض الكنيسة وتعاليمها، هرب على انكلترا بعدما صدر ضده حكم بسبب مقالة كتبها سنة 1898، كان يعادي فيها السلطة في إحدى القضايا.. مات مختنقاً في بيته عام 1902.. وقيل أنه تم اغتياله بسبب مواقفه السياسية.

كتب مقالات كثيرة عن “الطبيعية” في الرواية والمسرح، وسنعرض آرائه في الرواية من كتاب “في الرواية ومسائل أخرى”.. الذي يجمع عدد من مقالات كتبها “زولا” في الفترة ما بين “1878 – 1880″، ونشرت بعدد من الصحف قبل ان يجمعها في كتاب بعنوان “الرواية التجريبية”، ترجمة حسين عجة.

شروط الرواية..

يقول “إميل زولا” عن شروط الرواية في الاتجاه الجديد: “جميع شروط الرواية قد تغيرت، ولم تعد المخيلة الخاصية الرئيسية للروائي، موهبة الروائي لا تنبع مما يتخيله بل من قدرته على تصوير الطبيعة بقوة”.. وهنا ما يقصده “زولا” بالطبيعة هو الطبيعة الإنسانية الشاملة، أو تجربة الإنسان والمجتمع، “التي يرصدها الكاتب بأكبر قدر ممكن من الموضوعية، مستعيناً بجهد واسع في المعاينة والتوثيق”.

مضيفاً: “كبار الروائيين المعاصرين يبنون أغلب أعمالهم على ملاحظات سجلوها بترو وفقط، بعد دراستهم بعناية فائقة الأرضية التي يلزمهم السير عليها، وبعدما يكونوا قد رجعوا إلى شتى أنواع المصادر، وصاروا ممسكين بالوثائق التي هم في حاجة إليها، يقررون الشروع بالكتابة، وتلك الوثائق تأتيهم بمخطط العمل إذ يحدث للوقائع أن تجد تلقائياً انتظامها المنطقي، وفي الأوان ذاته تتشكل الحكاية من كل المعاينات التي جمعت ومن الملاحظات، ولن تكون الخاتمة سوى نتيجة طبيعية تفرض نفسها، لا تكمن الأهمية في غرابة الحكاية بل بالعكس كلما كانت عادية وعامة أصبحت نموذجية، فتحريك شخوص فعلية في وسط فعلي وتقديم نتفه من الحياة الإنسانية للقارئ تلك هي الرواية الطبيعية برمتها”.

ميزة الروائي..

عن أهم ما يميز الروائي يقول “زولا”: “الميزة الأساسية للروائي هي الحس الواقعي، والذي يعني الشعور بالطبيعة، وتقديمها مثلما هي عليه، مع الأخذ في الاعتبار أن لكل عين رؤيتها الخاصة، فالروائي يتذكر ما رآه في الحياة الواقعية، ويكون الواقع بمثابة نقطة الانطلاق، القوة الدافعة التي تحفز الروائي بشدة، ثم يمنح المشهد حياة خاصة لا تعود إلا إليه، يكمن التفرد بالنسبة للروائي في التعبير الشخصي عن العالم حولنا، وقتها تصبح الرواية حية تنبض بين أيدي القراء، لأنها تكون معتمدة على عالم واقعي معيش من قبل كاتب ذا فرادة ممتعة وقوية”.

وعن عجز الروائي أثناء الكتابة يقول: “العجز الجذري لدى بعض الروائيين يكون لأنهم لا يحسون ولا يعبرون بطريقة فريدة، عبثاً يبحث القاري في روايتهم عن انطباع جديد معبر عنه في حركة بديعة للجملة، إذ لا يكمن وراءها إنسان أحس بشئ ما ثم قام بترجمته عبر جهد إبداعي”.

الروائي والناقد..

يرى “زولا” أن عملا الناقد الأدبي والروائي يتشابهان فيقر بان: “ينطلق الروائي والناقد من النقطة ذاتها، إنهما يأخذان الوسط الدقيق والوثيقة الإنسانية من مصدرهما الطبيعي، ثم يستخدمان المنهج ذاته بغية الوصول إلى المعرفة والتفسير، ومن البديهي أن يكون الروائي الطبيعي ناقداً ممتازاً، يكفيه عن دراسته لكاتب ما الاستعانة بأداة المراقبة والتحليل ذاتها التي استخدمها الكاتب في دراسته للشخوص الذين استقاهم هو من الطبيعة، أثناء كتابة روايته”.

تغيير لفظة رواية..

وصل الأمر بزولا في التجديد إلى سعيه إلى تغيير لفظة رواية، مؤكداً على أن “كل تلك الأخطاء ناتجة عن الفكرة المزيفة التي يواصل كثيرون تكوينها عن الرواية، ومن المزعج ألا نكون قادرين بعد على تغيير مفردة رواية، التي لم تعد تعني أي شئ عندما تطلق على أعمالنا الطبيعية، فهذه الكلمة تجر إلى التفكير بحكاية، بخرافة، أو بتخييل محض، وهذا كله يتناقض مع المحاضر المحضة التي نحررها نحن الكتاب، منذ خمس عشرة سنة أو أكثر صرنا نشعر بعدم دقة هذه المفردة، وفي لحظة راودتنا الرغبة في وضع مفردة “دراسة” بدلاً منها على الأغلفة، بيد أن الأمر بقى غامضاً، وواصلت كلمة “رواية” فرض نفسها بالرغم من ذلك، ويلزمنا اليوم العثور على تسمية موفقة تحل محلها”.

الوصف..

مفصلاً حديثه عن الرواية، يتناول “زولا” الوصف ووظيفته: “الوصف في الرواية لم يعد هدف لنا، وما نرغب فيه هو إكمال الأشياء وتعيينها، فالروائي لا يقوم بالوصف لمجرد الوصف، بفعل نزوة أو من أجل المتعة البلاغية، فإنه لا يمكن فصل الإنسان عن الوسط الذي يعيش فيه، فنحن لا نقر بأن الإنسان موجود وحده، وإنه وحده يستحق الاهتمام، بل بالعكس إننا مقتنعون بأنه محض نتاج، ولكي نرى المأساة البشرية الحقيقية والكاملة لابد لنا من مساءلة كل ما هو قائم، نحن غير معتادين على تقبل أفكار كهذه، لأنها تسئ لبلاغتنا العريقة، فمحاولة إدخال العلم في الأدب تبدو وكأنها محاولة يقوم بها جاهل، شخص متخايل وهمجي، لكن لسنا نحن إطلاقاً من اجترحنا هذا المنهج، لقد نشأ بمفرده وستتواصل الحركة مهما رغبنا في إيقافها”.

الشخصية السردية..

عن الشخصية في المنهج الطبيعي يضيف: “نحن لا نقوم بشئ آخر سوى ملاحظة ما يحدث في آدابنا الحديثة، ففيها لم تعد الشخصية السردية محض تجريد نفساني، لقد أصبحت هذه الشخصية تولد من الهواء والأرض، كما تولد النبتة، لقد خرجنا من طور الأناقة الأدبية للوصف الجميل الأسلوب، وولجنا طور الدراسة الدقيقة للوسط، وميدان الملاحظة المتعلقة بأحوال العالم الخارجي، الذي يتناظر مع الحالات الداخلية للشخصيات، وعليه فسأعرف الوصف بأنه الحالة الوسط التي تعين الإنسان وتكمله، وهو ضروري لتفسير الشخصيات وإكمالها”.

عمل الروائي..

عن عمل الروائي يبين “زولا”: “يقوم الروائي بابتداع روح بعواطفها وانفعالاتها الخاصة، ثم يلقي بعدد من الأحداث، ويكتفي بملاحظة اشتغال تلك الروح وسط ظروف بعينها، إنه ينطلق من المنطق، وغالباً ما يصل إلى الحقيقة، يجب أن تكون الشخصية بلحمها وعظمها وبملابسها بالهواء الذي يغلفها، ولابد من امتلاك البساطة والتخلي عن التزويقات الرومانسية، والكتابة بلغة شفافة صلبة وصحيحة، كما أصبحت الشخصية الروائية بالنسبة لنا جهازاً عضوياً معقداً يتحرك في وسط بعينه، فاللغة لها بنية تحددها الظروف الإنسانية والاجتماعية، والكاتب الذي يؤلف بطريقة عرجاء وبأسلوب غير صحيح يشبه فرداً مقعداً”.

سمات الرواية الطبيعية..

يحدد “إميل زولا” سمات الرواية في الاتجاه الطبيعي، مبيناً أن “أولى سمات الرواية الطبيعية هي إعادة إنتاج الحياة بدقة، وغياب كل عنصر رومانسي، فتأليف العمل صار مقتصراً على اختيار المشاهد وتطويرها ضمن نسق معين، فالمشاهد هي ما يعرض نفسه أولاً فقط على الروائي انتقاؤها وموازنتها، بطريقة تجعل من عمله صرحاً فنياً، إنها الحياة ذاتها لكنها موضوعة في قالب رائع، يستبعد إذاً منها كل اختراع خارق للعادة، فلا نعود نلتقي بأطفال موسومين منذ ولادتهم بعلامة ما، ويمكننا القول أنها تخلو من كل عقدة مهما تكن بساطتها، فالرواية تواصل مجراها قدماً، تعيش الأشياء يوماً بيوم، دون أن تخبئ لنا أية مفاجأة، وأكثر ما يمكن أن تقدمه هو مادة حادثة عادية، وحين تدرك خاتمتها يشعر المرء وكأنه ترك الشارع لكي يعود إلى داره”.

ويضيف: “السمة الثانية للرواية الطبيعية أنه من الضروري أن يقتل البطل الشخصيات، إذا لم يقبل بالمجرى العادي للوجود العام، الشخصيات التي تم تكبيرها بإفراط، والتي تحولت إلى عمالقة، فحينما لا يكترث المرء بالمنطق ولا بعلاقة الأشياء أو بالنسب الدقيقة لكل أجزاء العمل، يجد نفسه مدفوعاً إلى التحدي والمراهنة، ثم يكون مستعداً لإعطاء كل دمه للشخصية التي يتعاطف معها بشدة، من هنا تأتي تلك الاختراعات الضخمة والأنماط الغريبة على الطبيعة، على العكس من ذلك تتضاءل الشخوص البسيطة وتقف في المستوى الذي تنتمي إليه ما أن نشعر بأننا غير منشغلين إلا برغبة كتابة عمل حقيقي، يكون بمثابة محضر متوازن، ومتطابق واقعياً مع مغامرة ما، لم يعد جمال العمل يكمن في تضخيم الشخصيات، بل أن الجمال كامن في حقيقة الوثيقة الإنسانية التي لا تقبل الجدال، وفي الواقعية المطلقة في التصوير”.

ويواصل عن سمات الرواية الطبيعية: “هناك سمة ثالثة، يتظاهر الروائي الطبيعي بالاختفاء كلياً خلف الفعل الذي يقوم بسرده، إنه بمثابة مخرج محتجب للمأساة أو الحبكة المسرودة، لا يكشف أبداً عن نفسه في نهاية عباراته، ولا نسمعه يضحك أو يبكي مع شخوصه، كما إنه لا يخول لنفسه الحكم عليهم، لا بل يمكن القول أن هذا التظاهر بعدم الاهتمام هو سمته الرئيسة، عبثاً نبحث لديه عن استنتاج ما، أو موعظة، أو درس، لا يعرض سوى الأحداث، فالروائي ليس أخلاقياً وإنما هو المشرح  الذي يكتفي بالنطق بما عثر عليه في الجثة الإنسانية، أما القراء فلهم أن يخرجوا باستنتاجات خاصة بهم إذا ما رغبوا بذلك، أو يبحثوا عن أخلاقية بعينها ويستخلصوا درساً”.

كسر إطار الرواية..

يستمر “إميل زولا” يشرح المنهج الطبيعي، قائلاً: “يشكل كسر إطار الرواية وتوسيعه واحداً من توجهات الروائيين الطبيعيين، فهم يرغبون بالخروج من عالم الحكاية من القصة والحبكة الأبديتين، اللتين تمرران الشخوص بالمعطفات نفسها دوماً، لتنتهي بقتلهم أو بتزويجهم، إن حب التفرد يدفعهم إلى رفض ابتذال السرد، الذي يقام من أجل السرد وفقط، سرد يتجرجر في كل مكان، ذلك أنهم ينظرون لتلك الصيغة باعتبارها تسلية للأطفال والنساء، وما يبحثون عنه هو العثور على صفحات دراسة، أو ببساطة محضر إنساني، شئ أعلى وأكبر تكمن أهميته في دقة التصوير وجدة الوثائق”.

يلاحظ على أن “زولا” في تلك المقالات التي تحدث فيها عن المنهج الطبيعي في كتابة الرواية، أنه مجد العلم، وأعطاه القيمة الأكبر، واعتبر الواقعية – الطبيعية منهج أقرب إلى الملاحظة والتدقيق المستخدمان في مجال العلم، وقلل من قيمة اللغة والأسلوب البلاغيين، كما يلاحظ أنه استخدم كلمات مثل “دراسة” و”محضر”.. ولا أعلم هل هي كلمته أم اجتهادات المترجم، لكنها كلمات تعطي انطباع أن الرواية لدى “زولا” أصبحت أشبه بدراسة علمية.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب