26 نوفمبر، 2024 11:02 م
Search
Close this search box.

موت النزعة الإنسانية في العالم الإسلامي

موت النزعة الإنسانية في العالم الإسلامي

يرى المفكر الكبير محمد أركون أن النزعة الانسانية في العالم الاسلامي قد ماتت سواء كان المجتع عربياً أم لا , وسيطرت النزعات القومجية والاصولية المتطرفة على الجماهير منذ زمن طويل .
وهذا يعني أن خطرّين يتهددان النزعة الانسانية , أو الأنسنة كما أسماها أركون وهما : الاول التعصب القومي أو العرقي , والثاني هو التعصب الديني .
وأحيانا يختلطان فنشهد لدى الشخص نفسه تعصباً قوميا ودينيا على حد سواء . ولسنا بحاجة الى ضرب الامثلة العديدة على هذه النقطة لكي يفهم مقصدنا , فالتيارات القومجية أكتسحت الساحة في الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم قبل أن تحل التيارات محلها التيارات الاصولية بدءاً من السبعينيات بعد رحيل زعيم القومية العربية جمال عبد الناصر .
ولكن هذا لا يعني أن النزعة القومية مدانة في المطلق ولا النزعة الدينية .
وبالتالي فأن العاطفة القومية نبيلة ومشروعة ولكن بشرط الا تتحول الى أحتقار أو نفي للاخرين أو حتى محاولة طمسهم أو سحقهم أنسانياً .
إذن التطرف القومي هو المدان وليست العاطفة القومية السليمة ذات النزعة الانسانية والمنفتحة على الاخر .
قل الامر ذاته عن الدين , فمن الواضح أن يحق للمسلم أن يفخر بدينه الذي هو أحد أكبر الاديان في العالم , ولكن بشرط الا يدفعه ذلك الى التعصب الاعمى ضد أتباع الاديان الاخرى .
فعندما يسود التعصب والانغلاق تختفي النزعة الانسانية وتموت , والانسان من كثرة حبه لنفسه قد يكره الاخر , والميل الطبيعي للانسان هو الى التعصب وليس الى الانفتاح والتسامح , كما يقول علماء التاريخ والفلاسفة .
وبالتالي لا نريد ان نلقي مواعظ أخلاقية على أحد هنا , كلنا متعصبون بالطبيعة للأديان والقوميات واللغات والمذاهب والطوائف التي ولدنا فيها , لكن التربية الحظارية والانسانية المستنيرة تخفف من حدة هذا التعصب وتحجمه وتجعلنا قادرين على الانفتاح وقبول الاخر .
فرفض الاخر قد يؤدي الى أرتكاب المجازر ويصل الى حد الرغبة في أستئصال الأخر عن وجه الارض ,والامثلة على ذلك كثيرة في التاريح القديم والحديث .
ومجتمعاتنا تعاني من ذلك كما هو معلوم . لكننا نلاحظ أن ذلك أنتهى في المجتمعات المتقدمة الحضارية التي تسودها النزعة الانسانية , فما عادوا يذبحون بعضهم بعضاً على الهوية الطائفية أو العرقية . وهذا يعني أن التنوير الفكري قد مر من هنا .
لكن السؤال المطروح هنا هو التالي : متى اختفت النزعة الانسانية من الساحة العربية والاسلامية ؟ وكيف اختفت الى حد أننا وصلنا الى عصر تدعو فيه التنظيمات السلفية الظلامية أحياناً الى أستئصال الاخرين على أساس ديني أو مذهبي أو طائفي محض ؟ انظر تصريحات بعضهم ضد المسيحيين واليهود أو حتى داخل الاسلام نفسه مثل ما نسمع ضد الشيعة داخل الاسلام نفسه من تكفير وهدر للدم . هذا لا يعني بالطبع أنه لا يوجد تعصب طائفي داخل الشيعة أنفسهم أو داخل اليهود والمسيحيين , لكنه يعني أن التعصب مدان من أي جهة أتي ولأي طائفة أو دين أنتسب , وأنه لايليق بالمجتمعات الحضارية في أوائل هذا القرن الحادي والعشرين .
ويرى محمد أركون أن النزعة الأنسانية تجسدت في العصر الذهبي من عمر الحضارة العربية الاسلامية , أي طيلة القرون الستة الأولى من عمر الاسلام وحتى موت أبن رشد أخر معقل للفلسفة في الأندلس .
بعدئذ دخلنا في العصور الأنحطاطية الأجترارية التكرارية التي ترفض أي تسامح أو تعددية , والتي ماتت فيها النزعة الأنسانية . وظلت ميتة حتى فجر النهضة الحديثة في القرن التاسع عشر عندما أنتعشت من جديد الى حد ما علي يد مفكري النهضة , قبل أن تقضي عليها النزعات القومجية والاصولية المتشددة من جديد . فالنهضة أجهضت كما هو معلوم , ولولا ذلك لما شهدنا أنتعاش الحركات السلفية المنغلقة بمثل هذه القوة .
دمتم على حب العراق …….

أحدث المقالات