19 ديسمبر، 2024 1:00 ص

أرقى منجية في العالم… يهابها المدلسون!

أرقى منجية في العالم… يهابها المدلسون!

يُعدّ طريق العبادة والطاعة القناة الوحيدة للوصول إلى مرضاة الله تعالى، لذا اهتمت بها الشريعة الإسلامية اهتماما بالغا، حيث ان الهدف من التشريع وسنّ الأحكام المختلفة هو العبادة: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).(الذاريات، 56) وهكذا كانت طريقة الأنبياء والأوصياء كما يُروى عنهم، وعن أحوال الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) فقد عَبَدَ الله حتى تورّمت رجلاه واصفرّ لونه، وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة، وكذا سائر الأئمة (عليهم السلام) وقد سنّ الإسلامُ عبادات للجوارح والحواس عامة تشترك فيها الحواس أجمع، وعبادات خاصة لكلّ حاسّة بمفردها، كما في العين والأذن، فللأذن مثلا الاستماع إلى تلاوة القرآن والوعظ والإرشاد وليس الاستماع إلى الغناء وسائر المعاصي كالغِيبة وغيرها، أما العين فذكر لها الكثير من العبادات منها: ما روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: (النظر إلى الكعبة عبادة، والنظر إلى الوالدين عبادة، والنظر إلى المصحف عبادة، والنظر إلى وجه العالم عبادة، والنظر إلى آل محمد عبادة). (مستدرك الوسائل، النوري ، ج4، ص118).
يذكر الحديث خمسة أمور يُعدّ النظر إليها من العبادات، خامسها النظر إلى آل محمد (صلى الله عليه وآله) وهو يحتاج إلى مزيد من التوضيح، أما في حياة الأئمة الكرام فمن البديهي أن النظر إلى وجوههم المنيرة الزاهرة هو من أكبر العبادات، باعتبار أن النظر إلى وجوههم وهم أصفياء الله وأحباؤه فيه الكثير من الخصائص والميزات، وهو مثلا غير النظر إلى حرم الكعبة وبنيانها، والفارق بينهما واضح فالنظر إليهم يستتبع التعلّم والإفادة والإفاضة حيث إن كلامهم وفعلهم وتقريرهم حجة كما هو مبيَّن في أصول الفقه، فيُتعرف على أحكام الشريعة التي هي أوامر الله ونواهيه من خلال أقوالهم وأفعالهم، هذا في حياتهم، وأما بعد مماتهم فما وجه العبادة حين انعدام النظر وهل له مورد كما الحياة؟ نستفيد من إطلاق العبارة وعدم تخصيصها بالحياة بأن النظر إلى مشاهدهم يعدّ أيضا عبادة، وذلك لأن مشاهدهم الشريفة محلّ نزول الفيوضات الإلهية والرحمات الربانية، فالحضور عندهم والكون فيها يصون المرء من الكثير من وساوس الشياطين ويُقرِّب من الساحة الربّانية، وأيضا فإنه لا معنى لمماتهم، فحضورهم دائم مستمر ما تعاقب القمران واختلف الحدثان، وهم ينظرون إلى محبيهم وشيعتهم ويستمعون إلى شكواهم ويقضون حوائجهم ويحلّون مشاكلهم وما استعصى عليهم، وإنّ نفوسهم ليس لها تعلق بأبدانهم العنصريّة كتعلِّق نفوسنا بها حتى يطلق الموت عليها حقيقةً كما يطلق علينا، بل هم بعد الموت وقبل الموت سيّان كما ورد في زيارة المعصوم: (أشهد أنّك تسمع كلامي وتردّ سلامي وأنت حيّ عند ربّك مرزوق). (راجع وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج8، ص118 ).
كما لا يخفى انه بات الامام الحسين(عليه السلام) وأصحابُه ـ ليلةَ عاشوراء ـ وَلهم دويٌّ كَدويِّ النحلِ، مَا بَينَ راكع وساجد، وقائم وقاعد (اللهوف لابن طاووس: ص41) والمؤمنون في عباداتهم وتهجدهم في الأماكن المقدسة انما يسيرون على نهج الملهم القائد الذي توغل في التعبد والتذلل لله تعالى وهو في أحلك الظروف وأقساها، وهم بذلك يوثقون العهد مع صاحب المرقد المقدس بأنهم يشهدون له وهم على اعتابه بأنه قد أقام الصلاة وآتى الزكاة وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وهذه الشهادة هي خير دافع للاستمرار على نفس النهج الذي خطه لهم، وفيه سعادتهم في الدنيا ونجاتهم في الآخرة.
وروي عن الامام علي بن الحسين (عليهما السلام): أنّه في الليلة التي قُتل أبوه في غدها، قال(عليه السلام): إن أباه قام الليل كلَّه يصلّي، ويستغفر الله ويدعو ويتضرع، وقام أصحابه كذلك يدعون ويصلّون ويستغفرون (الارشاد للمفيد: ص232).
قال السيد الامين عليه الرحمة:
باتــوا وبات إمامهم ما بينهم           ولهم دوي حولـه ونحيــب
من راكع أَو ساجد أو قارئ           أو مَنْ يُناجي رَبَّهُ وَينيبُ (الدر النضيد للسيد الامين: ص 23).
وكان العباس(عليه السلام) في العبادة وكَثرة الصلاة والسجود بمرتبة عظيمة، قال الصدوق ـ عليه الرحمة ـ في ثواب الاعمال: كان يُبصَرُ بين عينيه أثَر السجود. (ثواب الاعمال للصدوق : ص259).
تيمنا لما حصل ليلة العاشر من المحرم من احياء الإمام الحسين واهل بيته واصحابه تلك الليلة حتى الفجر بالصلاة والعبادة وقراءة القران، فاستقبلوا صباح العاشر سيوف أعداء الله فرحلوا عن تلك الدنيا مضرجين بدمائهم الزكية رفعة للدين وانتصارا لسنة النبي الأعظم وسيرة امير المؤمنين علي ابن ابي طالب عليه السلام، وعلى اثر ذلك نرى سيل المؤمنين في اقامة محافل قرآنية واجواء روحانية في احياء مراسيم الذكر والعبادة والتوسل والزيارة طيلة ايام السنة ولاسيما في المناسبات الدينية في رجب وشعبان ورمضان ومحرم وصفر، كل هذه الأجواء العابقة يمارسها المؤمنون الموالون الذين يفدون الى العتبات المقدسة بكل خضوع وخشوع وتذلل، واتسعت هذه الظاهرة بعيد سقوط الصنم عام 2003م ذلك بعد تولي ادارة العتبات من قبل المرجعية الدينية العليا وقيامها بإنشاء العديد من المشاريع الخدمية والثقافية التي تصب في توفير وسائل الراحة والاطمئنان لإقامة هذه المراسيم العبادية في احب الأماكن لله تعالى.
نعم ان العبادة لله الواحد القهار في اضرحة الأولياء والصالحين الذين أفنوا عمرهم الشريف لإعلاء كلمة الله في الكون، لهي أرقى منجية في العالم يهابها المدلسون الذين يحاولون قدر جهدهم ابعاد المؤمنين عن قادتهم الحقيقيين بوصم تلك العبادة في تلك الترع المقدسة بأنها شرك بالله! وكيف انها شرك وهي تقرب الى الله زلفى! وحتى صلاة الزيارة فإنها وبإقرار المصلي بعد الفراغ منها تؤكد على انها خالصة لله تعالى ولكنها تهدى لصاحب المرقد اكراما لما بذله في خدمة الدين: (اَللّـهُمَّ اِنّي صَلَّيْتُ هاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ هَدِيَّةً مِنّي اِلى سَيِّدي وَمَوْلايَ وتذكر صاحب المرقد الذي تصلي فيه وتستمر بالدعاء… اَللّـهُمَّ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَتَقَبَّلَها مِنّي، وَاجْزِني عَلى ذلِكَ جَزاءَ الُمحْسِنينَ، اَللّـهُمَّ لَكَ صَلَّيْتُ، وَلَكَ رَكَعْتُ، وَلَكَ سَجَدْتُ، وَحْدَكَ لا شَريكَ لَكَ، لاَنَّهُ لا تَكُونُ الصَّلاةُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ إلاّ لَكَ، لاَنَّكَ اَنْتَ اللهُ لا اِلـهَ إلاّ اَنْتَ، اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَتَقَبَّلْ مِنّي زِيَارَتي، وَاعْطِني سُؤْلي بِمُحَمَّد وَآلِهِ الطّاهِرينَ).