خياران فقط , امام الشعب السوري , هكذا خطط اعداء سوريا لهذا الشعب , وهكذا الحال اصبحت على ارض الواقع , بفضل ماكنة الاعلام الغربي والعربي التابعين لاعداء سوريا , وغيّب وغاب الخيار الثالث الذي ينقذ سوريا وشعبها من مذابح يومية ومن مستقبل مجهول ومخيف . ولكي نستظهر الخيارات الثلاثة علينا البدء باستعراض الخيارين الذين يحكمان الواقع السوري في هذه اللحظات الحرجة .
الخيار الاول : اسقاط النظام السوري بقوة السلاح
اصحاب هذا الخيار فريقان الاول سوري في داخل البلاد وفي خارجها . والفريق الثاني تمثله وتقوده وتنفذ اهدافه امريكا ويشاركها الغربيون وحكومات عربية تابعة لامريكا ومؤتمرة بامرها وخاصة السعودية وقطر . الفريق السوري هو خليط من قوى وطنية ذات قدرات محدودة واخرى اسلامية متطرفة يتزعماها تنظيم القاعدة – وتصفها جهات غربية بانها الاقوى والاكثر والاقدر على تحقيق اهدافها – وتتلقى الدعم المالي والوجستي والعسكري من دول الخليج والولايات المتحدة وتركيا , ولكن الفريق القوى الاخطر والاهم والذي يتحكم بسير الصراع والساحة السورية اليوم هي المخابرات الامريكية والغربية ومترزقتها , وهذا القوى قادرة على حصد ثمار الصراع حين انتهائه لصالحها , وفق خططها وبرامجها وسيناريوهاتها التي بدأت بها الصراع , وهذا الخيار يقوم على اسقاط سوريا كدولة بكل ما يعني اسقاط الدولة وليس اسقاط نظام الاسد كما تريد المعارضة الوطنية وكما يتردد في وسائل الاعلام . أي ان سوريا ستصبح اما مثل العراق مكبلة بنظام حكم ودستور لا يسمحا لها ابدا بقيام حكومة وطنية قوية تخدم مصالح السوريين في الداخل والخارج وتحرص على مصالح الشعوب العربية الشقيقة وخاصة الفلسطنيين . ويبقى الهدف الحقيقي من اسقاط سوريا وفق هذا الخيار هو حماية اسرائيل وقتل المقاومة ووأدها الى الابد . لان الذي خطط لهذا الخيار هو جهاز المخابرات الاسرائيلي والمتعهد بتنفيذه هي الحكومة الامريكية . وخلاصة القول ان هذا الخيار هو الاقوى لان الفريق القائم على تنفيذه هو الاقوى والاكثر قدرة من حيث المال والسلاح والاعلام ورفده بالطاقات البشرية وتغطيته دوليا . ففي الداخل استطاعت المخابرات الامريكية ومن خلال وسائل الاعلام المختلفة من صناعة رأي عام محلي وعالمي تصور فيه الصراع على انه صراع بين شعب مظلوم ونظام حكم دكتاتوري , ولان الحال فعلا هي هكذا – من خلال الشكل – لم يجد المواطن البسيط والفقير بديلا عن الانحياز الى خيار اسقاط النظام دون ان يلتفت او ينتبه الى البديل القادم هو اسقاط الدولة السورية وليس النظام واقامة نظام نظام بديل عنه يماثل النظام في العراق وليبيا ودون ان يفكر المواطن السوري البسيط في خيار آخر . ولو فكر بالبديل ونظر الى تجربة العراق وليبيا وحتى مصر , فان هذا المواطن المغلوب على امره لاختار النظام الدكتاوري , كما يتمنى الشعب العراقي والليبي عودة النظام الدكتاتوري هذه الايام , لاحبا بهما ولكن جزعا وفرارا من النظام الذي صنعته امريكا وان كان ديمقراطيا او حتى وطنيا .
الخيار الثاني : بقاء نظام الحكم السوري كما هو عليه .
ويتبنى هذا الخيار- في الداخل – جمهور واسع من الشعب السوري ” الاغلبية الصامتة” وهم من موظفي الدولة والمنتميين لحزب البعث والمنتفعين من الحكومة والاقليات وعامة الناس ممن لا يحبون الحرب ويؤثرون السلام ولو على فقدان بعض حقوقهم . واصحاب هذا الخيار في الخارج هم اقل مما هم في الداخل ويتمثلون بالقوميين العرب وبعض الشيعة والمسيحيين ومؤيدي الاقليات الاخرى الذين اصابهم الهلع والخوف نتيجة الاعلام الطائفي السعودي ونتيجة مشاهداتهم لتزايد نفوذ القاعدة والاسلاميين المتطرفين الذين يهددون السلم في هذا البلد . اضافة الى ايران كدولة اقليمية تعد النظام السوري حليفا ستراتيجيا لها في صراعها الرئيسي مع اسرائيل , الى ذلك تضاف روسيا الاتحادية الى اصحاب هذا الخيار بحكم المصالح التي تربطها مع سوريا وبحكم ان سوريا تمثل عاصمة المسيحيين الشرقيين الذين ينتمون للكنيسة الشرقية التي ينتمي لها اغلب المسيحيين الروس وقد قال عن هذه العلاقة وزير خارجية امريكا الاسبق كيسنجر : (لن يتخلى الروس عن سوريا ولو رش اصدقاؤنا الخليجين كل نفطهم على روسيا ) ويقول اصحاب هذا الخيار ان الديمقراطية في سوريا يجب ان يتبناها ويشرف عليها النظام ويجب ان لا يُسمح للمتطرفين الاسلاميين ولا لدول عربية او غربية ان تدير عملية التغيير . وهم في هذا القول لا يقدمون ضمانات حقيقية للتغير والتوجه نحو الديمقراطية , تماما مثل اصحاب الخيار الاول .
مما سبق يتضح ان اصحاب الخيار الاول يريدون تحقيق اهدافهم حتى ولو احترقت سوريا بكاملها وهم يقومون بحرقها فعليا ,وفق الخطط والبرامج التي اعدتها اسرائيل وتنفذها امريكا, وهؤلاء يعدون من لا يتفق معهم عدوا لهم , بالمقابل فان اصحاب الخيار الثاني في سوريا وخاصة النظام لا يجدون بديلا عن مقاومة اصحاب الخيارالاول ومقاتلته لاسباب كثيرة منها التشبث بالسطة , والشعور بالمسؤولية – لانهم حكّام سوريا الفعليين وعليهم تقع مسؤولية الحفاظ على امنها واستقرارها ومستقبلها الذي يهدده اعداؤها المتمثلون بامريكا واسرئيل وحكام دول الخليج ” قطر , السعودية” ناهيك عن أخذ النظام السوري بمشورة حلفائه الروس والايرانيين . من هنا يتضح الحال في سوريا على انه بين خيارين لا ثالث لهما . وهو عمل مقصود يراد به تغييب الخيار الثالث الذي ينقذ سوريا
الخيار المفقود : التغيير السلمي نحو الديمقراطية التي تناسب سوريا
اصحاب هذا الخيار هم الاقل عددا والاقل قدرة والاخفض صوتا ولكنهم الاكثر وعيا وشعورا بالمسؤولية وصوابا في الرأي. وهولاء موجودون بين الفريقين المتنازعين وخارجهما وفي داخل سوريا وخارجها . ولكنهم لا يملكون القوة ولا الامكانيات ولا الحلفاء . ويعدهم اصحاب الخيار الاول اعداء لهم ويصنفونهم على انهم تابعون للنظام السوري فيما يعدهم النظام وحلفاؤه بانهم حالمون ويمنحون الهجمة الوحشية على سوريا فرصة لان تحقق اهدافها . وتتلخص رؤية اصحاب هذا الخيار , بان يستبعد التغيير من الخارج حتى لا تصبح سوريا ضحية اللعبة الامريكية في المنطقة كما هو حال العراق وليبيا ومصر وتونس . ولا حتى مثل اليمن الذي سرقت ثورته دول الخليج بايحاء وتوجيه امريكي . ولا يريدون ايضا ان يقوم النظام وحده بالتحول الى الديمقراطية لان هذا التحول مستحيل برأيهم وفق معطيات الواقع المحلي والعربي والدولي , يريد اصحاب هذا الخيار ان تُجرى انتخابات نزيهة وشفافة , تشرف عليها جهات دولية مهنية محايدة غير سياسية وغير تابعة لامريكا وحلفائها ولا تابعة للنظام في سوريا , ويريدون لسوريا ديمقراطية حقيقية ولكن على ان لا تسمح هذه الديمقراطية بضعف نظام الحكم كما الحال في العراق . يريدون ديمقراطية ودستور وقوانين جديدة تحفظ لكل السوريين حقوقهم وحرياتهم دون تمييز على أي اساس عرقي او ديني او طائفي او غيره. ديمقراطية تكفل او تضمن بان تظل سوريا دولة قوية قادرة على الدفاع عن نفسها امام أي عدوان خارجي او تخريب داخلي وان لا تخضع لاي املاءات خارجية من أي جهة , وان تقيم علاقات متوازنة مع دول العالم دون تحالفات الا على اساس مصلحة سوريا الوطنية والقومية . واظن ان الرئيس السوري بشار الاسد لديه استعداد نفسي وواقعي حقيقي لتقبل هذا الخيار, ربما لانه يشعر بان شعبيته سوف تعيده للحكم , او ربما لان حبه لبلده يدفعه حتى للتخلي عن السلطة اذا ضمن ان سوريا تبقى بعده قوية متماسكة وقادرة على حماية نفسها من الداخل والخارج . ولكن هذا الاستعداد من قبل الاسد ظل يصطدم باصرار اصحاب الخيار الاول على عدم السماح بتحقيقه لانه لو تحقق فان مشروعهم سيفشل وستنتصر سوريا وهذا ما لا تريده اسرائيل وامريكا ودول الخليج النفطي .