كتب – سعد عبد العزيز :
لا شك أن دعوة الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” إلى تصحيح الخطاب الإسلامي المتشدد الذي يعادي العالم أجمع، قد شجع العلمانيين في مصر على أخذ زمام المبادرة للهجوم على التراث الإسلامي ونقد أحكام الشريعة. وفي هذا السياق نشر موقع “منتدى التفكير الإقليمي” مقالاً للكاتبة والباحثة السياسية الإسرائيلية “إيلا أفيك”، تتعرض فيه إلى الصراع الديني العلماني داخل المجتمع المصري وتجلياته على شاشات التلفاز ومواقع التواصل الاجتماعي.
العلمانيون في مصر يستغلون اللحظة المواتية..
تقول الباحثة والكاتبة الإسرائيلية في مستهل مقالها التحليلي: “في ظل الأنشطة والفعاليات التي يقوم بها “المنتدى العلماني” في إسرائيل، الذي نشر مؤخراً تقريراً وافياً عن عمليات إضفاء الصبغة الدينية على منظومة التعليم الحكومي في الدولة العبرية، من المثير للاهتمام أن نُلقي بنظرة إلى نشاطات مماثلة في مصر، بالرغم مما بين البلدين من فارق جوهري. فالجهة التي تناهض المظاهر الدينية في إسرائيل هي منظمات المجتمع المدني التي تطالب وزارة التعليم بإنشاء مسار تعليمي علماني حكومي، إما في مصر فإن الحراك العلماني جاء نتيجة قيام مؤسسات الحكم بمناهضة الإسلام السياسي بشكل عام، وإرهاب تنظيم “داعش” على وجه الخصوص”.
وتضيف “أفيك” أن دعوة الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” لإصلاح الخطاب الديني وتجديده من أجل استئصال الفكر المتطرف الذي يبرر الأعمال الإرهابية، قد تلقفها كثير من المثقفين والمفكرين والصحافيين باعتبارها ضوءًا أخضر لتعزيز الأفكار العلمانية في الخطاب العام. ويستغل العلمانيون تشجيع مؤسسات الدولة في مهاجمة الأفكار الإسلامية التي لا يجوز المساس بها، وتوجيه النقد إلى المرويات الدينية، والدعوة إلى إجراء تعديلات في المناهج الدراسية للأزهر، والتشكيك في الأحكام الشرعية المستقرة، والدعوة إلى إعادة تفسير القرآن الكريم، بل والتشكيك في قدسيته أحياناً.
موجات علمانية متلاحقة..
تشير “أفيك” قائلة: “لقد مر على مصر كثير من المثقفين العلمانيين الذين شككوا في أصول الإسلام والنصوص المقدسة. ولعل أشهر هؤلاء كان “فرج فودة”، الذي حاول في ثمانينيات القرن الـ20 إحياء الليبرالية المصرية والدعوة إلى فصل الدين عن السياسة، لكنه في عام 1992 دفع حياته ثمناً لمواقفه. كما كان هناك أيضاً الفيلسوف الليبرالي العلماني “سيد القمني”، الذي منذ بداية العقد الماضي اتخذ من صفحات جريدة “روز اليوسف” الأسبوعية منصة لمهاجمة المناهج الدراسية المتطرفة التي تعتمدها المؤسسة الأزهرية، وبعد أن وصلته تهديدات بالقتل اعتكف في منزله، واكتفى بنشر آرائه من خلال حسابه على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” الذي تديره ابنته”.
وتضيف الكاتبة الإسرائيلية أن أشد موجات الهجوم العلماني على مناهج التعليم الأزهرية جاءت بعد تفجير الكنيسة البطرسية في القاهرة خلال كانون أول/ديسمبر 2016، ثم تفجير كنيستي طنطا والإسكندرية في نيسان/ابريل 2017، حيث تم وصف الأزهر بأنه “مفرخة للإرهابيين”، وكان مِن بين الذين هاجموا الأزهر باحثون ومختصون، من بينهم أزهريون مشهورون.
وتؤكد “أفيك” على أنه قد انضم إلى المهاجمين نساءٌ كثر انتهزن الفرصة لانتقاد تعاطي المناهج الأزهرية مع المرأة، و”غزو” جماعة الإخوان المسلمين للمدارس والمعاهد والجامعات في مصر. وكانت آخر المستجدات هي انخراط نشطاء مسيحيين في موجة نقد الأزهر، مستغلين وسائط التواصل الاجتماعي لإثبات مزاعمهم.
أبرز العلمانينن الجدد..
تحاول الباحثة الإسرائيلية “أفيك” رصد أشهر نشطاء المعسكر العلماني المصري قائلة: “تعتبر الشاعرة والمترجمة “فاطمة ناعوت” من بين أبرز المثقفين العلمانيين الذين يهاجمون الإسلام، وقد حُكم عليها العام الماضي بالسجن لمدة ثلاث سنوات بعد أن نشرت مقالاً على صفحتها بـ”فيس بوك” تحتج فيه على ما وصفته بـ”المذبحة المروعة التي تُرتكب بحق الأغنام في عيد الأضحى”. وبفضل شهرتها العالمية استطاعت إيقاف تنفيذ الحكم، ومنذ ذلك الحين وهي تقود الثورة على قمع حرية التعبير بحجة ما نص عليه قانون العقوبات من “ازدراء الأديان”، كما تنتقد بشدة علماء الدين الإسلامي لأسباب كثيرة من أهمها جرح مشاعر المسيحيين”.
وتضيف “أفيك” قائلة: “يعتبر المثقف والمفكر “إسلام البحيري” ثاني أبرز المهاجمين للدين الإسلامي في الفترة الأخيرة، وقد حُكم عليه بالسجن لخمس سنوات بسبب إلقائه محاضرة عن التراث الإسلامي وطريق التنوير. وقد زعم البحيري في محاضرته أن بعض الآيات القرآنية لا سيما تلك التي تتحدث عن القصاص لم تعد مناسبة للعصر الذي نعيش فيه، وأن كتاب الحديث الذي عليه الإجماع يحض على القتل وينتهك حقوق المرأة. وبعد أن قضى البحيري خمسة أشهر فقط في السجن، صدر بحقه عفو رئاسي، مما دفع البعض إلى القول بأن الرئيس السيسي يرغب في إلغاء قانون “ازدراء الأديان”.
“الأزهر” بين مطرقة الإعلام وسندان البرلمان..
تؤكد الكاتبة الإسرائيلية على أن ممثلي “الأزهر” يحاولون بكل ما أوتوا من قوة صد هجوم “ميليشيات الإعلام الرسمي”. لكن الهجوم الإعلامي العلماني والرأي العام المتعاطف معه ليس أكبر مشكلات رجال الأزهر، فهناك مشروع قانون سيناقشه البرلمان, وهو يهدف للنيل من استقلال الأزهر وعلمائه وتحديد فترة ولاية “شيخ الأزهر” التي ينص القانون الحالي أن تكون مدى الحياة. وعلى الرغم من أن مجموعة كبيرة من النواب يعارضون تعديل القانون الحالي للأزهر، إلا أن إصرار أحد النواب الذي تقدم بمشروع القانون يقض مضاجع قيادات الأزهر.
“الأزهر” يرضخ أمام الضغوط..
ترى “أفيك” أنه في ضوء كل هذه الأحداث العاصفة، يأخذ الأزهر وشيخه “أحمد الطيب” على محمل الجد كل الانتقادات الموجهة للمؤسسة، حيث قام شيخ الأزهر مؤخراً بعزل رئيس جامعة الأزهر الدكتور “أحمد حسني”، بعد أن وصف إسلام البحيري بـ”المرتد”، ولم يشفع لحسني اعتذاره وتراجعه عما بدر منه. وتجدر الإشارة إلى أن الدكتور المعزول “أحمد حسني” كان قد رفض في وقت سابق مطالبة البحيري بأن يعلن الأزهر أن أعضاء تنظيم “داعش” كفار، بحجة أنهم مؤمنون بأصول الإسلام.
وتضيف الكاتبة الإسرائيلية أنه علاوة على ذلك، يسعى رجال الأزهر الآن جاهدين إلى إدخال كل من يزدري الدين المسيحي أو يتطاول على المسيحيين تحت طائلة قانون “ازدراء الأديان”. ففي نهاية شهر حزيران/يونيو المقبل، ستتم محاكمة الشيخ “سالم عبد الجليل” وكيل وزارة الأوقاف المصرية السابق، بعد أن وصف المسيحيين بـ”الكفار”. وقد تقدمت القناة التليفزيونية التي ظهر عليها عبد الجليل باعتذار عن التصريحات المسيئة، ووعدت بعدم استضافة الشيخ في برامجها مرة أخرى، كما قامت كل من وزارة الأوقاف ومشيخة الأزهر باستنكار تصريحات عبد الجليل، واصفين إياها بأنها مجرد “رأي شخصي” لا يمثل الموقف الرسمي للمؤسسة الدينية الإسلامية. وفي هذه المرة أيضاً لم يشفع لعبد الجليل اعتذاره عن تصريحاته.
كما تنوِّه الكاتبة إلى أنه تم اتخاذ إجراءات عقابية ضد الداعية “عبد الله رشدي” بعد أن أدلى بتصريحات مماثلة بحق المسيحيين، حيث تم إعفاء رشدي من منصبه وحرمانه من صعود المنبر والظهور على وسائل الإعلام.
ختاماً ترى “أفيك” أن مصر تشهد جدلاً شعبياً واسعاً وخطاباً دينياً محتدماً بخصوص قضايا حساسة تدور بالأساس حول العلاقة بين الدين والدولة، هذا إلى جانب اتخاذ الدولة خطوات عملية للحد من تأثير المؤسسة الدينية على الواقع المجتمعي. ومن جانبها تدرك المؤسسة الدينية الضعف الذي يعتريها والتواؤمات المطلوبة, لذا فإنها تتصرف وفقاً لذلك.