حاورته – سماح عادل :
ولد الكاتب اليمني “محمد الغربي عمران” في عام 1958، وهو كاتب قصة قصيرة، وسياسي، وروائي، ولد في ذمار، ودرس التاريخ في الجامعة وحصل على درجة الماجستير في التاريخ المعاصر.. صدر له خمس مجموعات قصصية كان أولها “الشراشف” 1997، وترجمت قصصه إلى اللغتين الإنكليزية والإيطالية، ووردت قصص له في مختارات بلغات أجنبية مثل “البرتقال في الشمس” 2007، و”بيرل ديلو اليمن” 2009، وصدرت له رواية “مصحف أحمر” من بيروت في 2010، وأثارت ضجة كبيرة، ثم توالت رواياته.. شغل عدة مناصب من عضو برلماني إلى وكيل للعاصمة صنعاء، وهو حالياً يرأس نادي القصة اليمني، وحائز على “جائزة الطيب صالح” عن روايته “ظلمة يائيل”.. حاورته (كتابات) لمناقشته في إنتاجه الأدبي..
(كتابات): في روايتك “مصحف أحمر” قدمت تشريح لمشاكل المجتمع اليمني في الفترة من السبعينيات وحتى العقد الأول من الألفية الثالثة.. سلطة شيوخ وسلطة الدولة، قهر المرأة، صعود السلفية، وغزو العراق.. حدثنا عن ذلك ؟
- هناك أحداث في تاريخ الشعوب تظل مؤثرة فيها لقرون.. ونتذكر حرق “البو عزيزي” لنفسه وما عشناه ونعيشه حتى اليوم من هزات.. نتذكر ثورة 52 ثورة مصر.. الثورة الفرنسية.. الثورة الإيرانية … الخ.
وفي اليمن هناك أحداث مهمة أثرت في المجتمع على كافة الأصعدة.. ومنها الوحدة في 1990.. ذلك الحد كان له إرهاصات سبقت حدوثه.. و”مصحف أحمر” تسلط الضوء على أثار تلك الإرهاصات مجتمعياً.. ثم تأثير الوحدة اليمنية على الشرائح كافة.. وشخصيات الراوية ليست من النخبة، فشخصياتها من البسطاء.. ممن تطحنهم الأحداث والظروف.
وقد حاولت في هذه الرواية مناقشة ثالوث “الدين والعسكر وشيوخ القبائل”.. ذلك الثالوث الذي يمثل عصبة مدمرة ومحبطة لتطور اليمن.. لتأتي المرأة وأوضاعها ومحاولة الانعتاق، مستفيدة من الأحداث والتيارات التي من بينها الليبرالية واليسارية، لكنها تظل الحلقة الأضعف في ظل تعاظم سطوة المتأسلمين.
(كتابات): هل الدين في رواياتك “ظلمة يائيل” و”مسامرة الموتى” و”مصحف أحمر”.. دين مبادئ إنسانية وليس تحزب لطائفة، ولهذا كشفت في تلك الروايات استغلال الدين من قبل السلطة ؟
- الدين أصبح معضلة بعد أن كان للمجتمعات البدائية الحل والمنقذ.. رواياتي تقدم شخصيات مضطربة.. شخصيات هامشية وهشة.. يدرك القارئ من خلالها تأثير الدين وتشظياته المذهبية على تفكيره وحياته.. ولذلك نجد أن تلك الشخصيات تتوق دوماً للخلاص من الدين وتسلط مستخدميه.. الدين مرحلة وعي بشري.. كما هي القبيلة والقومية.. ونحن نعيش عصر القانون.. وتلك الشعوب في شرق آسيا أو أوروبا وشمال أميركا ليسوا أفضل منا إلا بتحجيم دور الدين وترسيخ دولة القانون.. فمن ظل قابع في مربع الدين سيعاني حتى ينتقل إلى مربع القوانين.. ومجتمعاتنا ستظل تعاني إن لم تحد من الآداة التي يستخدمها الساسة.
(كتابات): لما اخترت أن تكتب “في ظلمة يائيل” و”مسامرة الموتى” عن تاريخ بعيد في القرن الخامس الهجري.. ولما اخترت أسماء معروفة تاريخياً مثل الملكة “أروى بنت أحمد مصليحي” ؟
- “ظلمة يائيل” هي الجزء الأول، و”مسامرة الموتى” الجزء الثاني لعصر الدولة الصليحية “الباطنية”، التي كانت تتبع للدولة الفاطمية في مصر.. والتي بسطت سلطتها على جنوب الجزيرة العربية باستخدامها للدين.. وتلك السياسة تماثل ما يعتمل في عصرنا الحاضر.. فإيران والسعودية دول دينية.. وبقية الدول العربية دول دينية وإن أنكروا.. ولذلك سنظل في صراع دائم مع مستخدمي التسلط على الشعوب وإخضاعها باسم الله.. أي أن تسلط الدين متمثل بساسة ذلك العصر هو محور الروايتين.. وكما ذكرت هو ما يحدث اليوم.
وفي جنوب شبه الجزيرة العربية كما هو في المجتمعات الإسلامية تعاني المجتمعات من التسلط باسم الله.. والفساد والظلم المستشري باسم تطبيق شريعة الله.. هي حلقات تتناسخ عبر التاريخ والآداة هو الدين لإخضاع الشعوب واستغلالها.. وما دار بالأمس يدور اليوم. أي أن على الشعوب أن ترقى بوعيها وتعرف بأن الدين مسألة فردية خاصة.. وأن خلطه بالسياسة دجل وتسلط يماثل جريمة مستمرة التنفيذ. وحين أذكر شخصيات تاريخية لا أعني إلتزامي بالتاريخ أو رصده.. بل أقدم ما بين سطور التاريخ وما لم يذكره التاريخ.
(كتابات): دراستك للتاريخ هل أغنت عملك الإبداعي.. وهل كتابتك للتاريخ تتجاوز في رواياتك هدف التوثيق لأهداف أخرى ؟
- لا أوثق.. وليس من وظيفة الرواية التوثيق.. ودراستي للتاريخ فتحت لي نافذة صغيرة فحسب لكنه الخيال مؤول الرواية الأساسي.. فقبل البدء بكتابة أي عمل روائي.. أستعد له بالقراءة الموسعة للزمن والمكان الذي تدور فيه أحداث الرواية.. قراءات اجتماعية وتاريخية وقراءات معاصرة.. وفي كثير من الأوقات أزور المواقع الجغرافية. وأضف إليها معرفتي بما هو معاصر.. الخيال هو وسيلتي وما أقرأ من كتب تساعدني على التحليق، إضافة إلى استنتاج ما لم يذكر في سطور الكتب.. وانطلق من إيماني بأن تاريخنا الإسلامي والعربي مزور.. فما يكتبه المنتصر ليس حقيقياً.. إضافة إلى أنه لا يكتب إلا تاريخ المتسلطين من قادة وملوك ويقدمهم أئمة قديسين وأبطال.. بينا جلهم من السفاحين والمعتوهين.. والخيال يجعلنا نتصور كيف كانت تعيش تلك المجتمعات وأثر تصرفات طغاتها عليها.. فمن خلال الشخصيات الهامشية يدرك القارئ حياة الفرد والمجتمع وليس رجل السلطة.
(كتابات): المرأة في رواياتك كائن قوي.. تحرص على تصويرها كبطلة تكافح قهرها الذي تتعرض له وتنجح.. مثل “الملكة أروى” و”الحرة سيدة”، وسِمبرية.. لما ؟
- هناك مقاربة للناقد “علي أحمد قاسم” نشرتها قبل أشهر “مجلة الهلال”.. يذكر بأن “مسامرة الموتى” و”ظلمة يائيل” قدمت المرأة كفاعل رئيس.. ويؤكد على أنها الرواية العربية التي تصور دور جديد إيجابي للمرأة العربية.. وليس كضحية.. ويقول بأنها قدمت طموح المرأة في إدارة الرجل وإخضاعه.. وأنا حين أكتب أجد المرأة هي من تتمرد على ما رسمته لها في سير أحداث الرواية.. لأكتشف بالفعل أنها يمكن أن تغير موقعها من كائن مستلب إلى كائن فاعل.. بل وفاعل أول إذا تجاوزت عقدها الاجتماعية.. وتلك النصوص الدينية التي سلبتها حقها ككائن سوي.
وأرى بأن مكانة المرأة أقل من أن نحترم أنفسنا.. الرجل ظالم كبير وهي تستمرئ ظلمه.. فالله يأتي بصفة الذكر والدين موجه للرجل وحتى الآخرة.. وأحلم بأن أعيش ذلك اليوم وقد أنقلب الهرم.
(كتابات): ما رأيك في حال الثقافة في اليمن.. وهل كان لها وقت ازدهار.. وهل أثرت الحرب الأخيرة عليها ؟
- الشعب اليمني يتعرض لحرب بشعة من دول إقليمية.. تصفي حساباتها على حساب هذا الشعب.. قتل الآلاف وشرد الآلاف وقد دمرت بنيته الأساسية.. واليوم ينتشر وباء “الكوليرا” الذي وصل عدد المصابين به إلى نصف مليون. وأتحدث أنا هنا عن وضع الثقافة (!).. ماذا سأقول ؟
المشهد الثقافي في اليمن في حالة موات.. بعد أن أقفلت مليشيات التسلط الدينية جميع الصحف.. وعطلت المنتديات الثقافية.. وألغي التواصل بالعالم الخارجي، فلا صحف تصلنا ولا مجلات ولا كتب، عدى ما نستقيه من أفق الشبكة العنكبوتية أو خطوط الهاتف، مشهد ثقافي مخيف.. بعد أن كمم أمراء الحرب الأفواه.. وعدد كبير من الصحافيين في السجون أو فروا خارج البلاد، ولا يوجد صوت مخالف للمتسلطين.
لكن هناك إصدارات فردية للقصة والرواية والشعر تصدر خارج اليمن.. وهي جهود فردية.. ومستوى تلك الإصدارات جيدة.. فقبح الحرب طال جوانب الحياة.. وقد تحول المتسلطين إلى ما يشبه قطاع الطرق أو رؤساء عصابات في تصرفاتهم وما يقومون به إزاء ما تحت سلطاتهم.
(كتابات): ما رأيك في الجوائز العربية للأدب.. خاصة بعدما تعرضت لأزمة مع “جائزة كتارا” بخصوص روايتك “مسامرة الموتى”.. وهل هذه الجوائز منصفة وداعمة للأدب ؟
- “جائزة كتارا” كانت على حق حين حجبت الجائزة عن روايتي كون الرواية صدرت قبل أن تعلن النتائج بشهر ونصف.. وبذلك اعتبروها مخالفة للشروط، حيث قدمت الرواية في فئة غير المنشور.. ولست آسف على شئ.
أما المسابقات والجوائز سواء القُطرية أو التي على مستوى الوطن العربي أو العالمي.. فأعتبرها مهمة ومن يهاجمها مفلس.. علينا أن نكتب وعلى من يرى في تلك المسابقات مفسدة أن لا يتقدم بأعماله إليها.. أما أن يتحدث ويهاجم وقد فشل بعمله بالوصول.. وأرى بأنهم يهاجمون تلك الجوائز من موقع فاقد الشئ.
أنا أعتبر أن تلك المسابقات مهمة.. وبفضلها أصبح لدينا رواية متطورة ورواية تنافس الرواية في أي مكان في العالم.. والكمال طبعاً مستحيل عندنا أو عند غيرنا.
(كتابات): هل تعتبر أن كشف الزيف والاستغلال في المجتمع ولعبة المصالح بين السلطة وباقي الأطراف في رواياتك نوع من النضال السياسي ؟
- أنا أعشق الرواية قراءة قبل كتابتها.. فأنا أرى كل ما حولي روائياً.. فقبلها شغلت عدة مناصب من عضو برلماني إلى وكيل للعاصمة صنعاء.. ولذلك لا أستطيع أن أكتب بعيداً عن الرؤى السياسية.. وخاصة في مجتمع يخضع تحت نير ثالوث قبيح “مشايخ القبائل والمتأسلمين وضباط الجيش” ثلاثي يدمر البلد.. وأرى في شخصياتي ضحايا لذلك الثالوث.. وتلك الشخصيات ما فتأت تناضل من أجل نظام مدني ديمقراطي لا مكان للمتأسلمين ولا للعسكر أو العصبوية القبلية.. مجتمع تنظمه القوانين ويحكمه الصندوق.
(كتابات): من الكتاب الذين أثروا في وعيك ؟
- منذ وعيت أكمل قراءة كتاباً وأعجب به ثم الذي يليه وهكذا أجد بأني قد تأثرت بمئات الكتاب.. في البداية ما هو مترجم واليوم الرواية في الوطن العربي تدهشني وتأخذ بشغاف عقلي رواية بعد أخرى، ولا زلت أنتظر عمل الكاتب الذي سيأثر في وعيي بفارغ الصبر ولا يؤثر بعده أحداً فهل سأجد ذلك العمل، أو ذلك الكاتب ؟!
(كتابات): ما رأيك في حال الثقافة في العالم العربي خاصة بعد أن تعرضت معظم دوله لأزمات طاحنة ؟
- المشهد الإبداعي العربي بخير.. فإذا كانت سورية تمر في ظروف صعبة وكذلك العراق واليمن وليبيا.. فهناك الإبداع الخليجي الذي يتطور باطراد.. وهنا مصر التي يمثل المشهد الإبداعي فيها ترمومتر لعافية الثقافة العربية.. وهناك المغرب والجزائر وتونس في تطور مدهش وهناك لبنان ذلك الوطن المتوهج أبداً.. المشهد الثقافي والإبداعي في الوطن العربي أراه يسير بشكل رائع.
لذلك أجزم بأن الثقافة العربية بخير والإبداع العربي في تجدد وهو جزء فعال من المشهد الإبداعي الإنساني.. وخاصة الرواية التي أضحت رواية عالمية.
(كتابات): هل من عمل جديد.. وهل تخلصت من قبضة التاريخ ؟
- فرغت من عمل روائي جديد.. وأبحث عن دار نشر.. إذ أن تجربتي مع دور النشر متعبة.. فالجميع يعامل الكاتب كمتسول.. في البداية تأخذ المراسلات شهور طويلة قد تتجاوز العام قبل أن يرفض أو يقبل العمل.. وإذا قُبل للأسف تجد الناشر يرهنه شهور طويلة قد تصل إلى السنة قبل طباعته، عدا قلة منها يتعاملون بمهنية رائعة.
لم أفلت من استدعاء الماضي لإنارة الحاضر.. ودوماً لكل عمل تميزه.