مؤتمرات القمة التي أقامها الرئيس الامريكي في العاصمة السعودية الرياض، والتحالف الرسمي الأمريكي الصهيوني السعودي الخليجي الطائفي التي تمخض عن هذه المؤتمرات، وماتضمنته من معاهدات وصفقات بلغت قيمتها 410 مليار دولار، وتصريحات ترامب وسلمان آل سعود خلالها، والتي عززتها تصريحات نتنياهو من تل ابيب؛ قسمت منطقة الشرق الأوسط رسمياً الى معسكرين محددين شكلاً وموضوعاً وأطرافاً: المعسكر المعادي للشيعة، والذي تتصدره الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية وإسرائيل، ومعسكر الممانعة الشيعية وحلفاؤه، والذي تتصدره إيران وقوى الممانعة الشيعية في العراق ولبنان..
المعسكر الأمريكي الاسرائيلي السعودي الطائفي المعادي للشيعة؛ قرر خلال هذه المؤتمرات؛ تكريس مؤامراته ومخططاته لضرب الواقع الشيعي في الصميم، وتدمير مكتسباته وحضوره الإقليمي. كما قرر معسكر الممانعة الشيعي قرر ـ هو الآخر ـ الدفاع عن نفسه؛ بما تمليه ضرورات حفظ النفس والعرض والأرض والإبقاء على كيانيته الإجتماعية الدينية السياسية. .
لم يترك التحالف الأمريكي السعودي الطائفي لأي شيعي؛ فرداً أو جماعة أو كياناً؛ البقاء على الحياد؛ لأن كل الشيعة مستهدفون في هذا المشروع. وكما قلنا في مقال سابق؛ فإن الشيعة لم يختاروا هذا الأسلوب من التخندق، ولم يختاروا أعداءهم، ولم يختاروا ساحة الصراع؛ بل أن التحالف المعادي هو الذي حشر الشيعة في دائرة التخندق والتضامن هذه. وبالتالي لم يعد لخيار الحياد وجود في الواقع؛ فاما الإنخراط في المعسكر السعودي الامريكي الصهيوني الطائفي، أو الإنخراط في معسكر الدفاع عن النفس. .
ليس في تخندق الشيعة للدفاع عن أنفسهم؛ أي بعد طائفي أو مشروع طائفي؛ بل هو دفاع عن النفس والمصير فقط، وأما الدوافع الطائفية والمشروع الطائفي والاستهداف الطائفي؛ فهو ما أعلنت عنه السعودية صراحة؛ لأنها صاحبة المشروع الطائفي في العالم الإسلامي منذ تأسيس المذهب الوهابي في نجد. وبالتالي؛ فحياد الأفراد والجماعات الشيعية حيال المشروع الطائفي الوهابي؛ هو حياد لمصلحة الدمار الذاتي.
وربما نجد في العراق نماذج لهذا الحياد المنفعل؛ والذي سيجد مستقبلاً أن حياده لن ينفعه في تجاوز الهجمة الوهابية السعودية الطائفية، وسيجد نفسه مستهدفاً في الصميم أيضاً، وسيؤكل كما رضي أن يؤكل أخيه. وهذا هو أيضاً حال الشيعي الذي ينسلخ عن جلده وينخرط سراً أو علناً في المشروع الامريكي الصهيوني السعودي الطائفي؛ فستدور عليه الدوائر لا محال. .
بعض الجماعات الطائفية في العراق أعطتها المؤتمرات الأمريكية في السعودية ؛ دفعة نفسية قوية للحديث صراحة عن اجتثاث ما أسموه بالقوى الموالية لإيران، ويقصدون التيارات الشيعية الرئيسة وفصائل الحشد الشعبي. وباتت تلك الجماعات الطائفية في حالة استنفار قصوى للتحرك علانية باتجاه تنفيذ المشروع الأمريكي السعودي الطائفي في العراق. .
ومن يعتقد أن الصراع في المنطقة هو صراع ايراني سعودي على النفوذ فهو مخطئ تماماً ويريد أن يعبر على الواقع؛ بقصد أو بدونه؛ لأن استهداف الوهابية السعودية لشيعة العراق استهداف قديم ومستمر ولاعلاقة له بإيران؛ بل ان الوهابية تعد شيعة العراق عدوها الاول، وتعدهم العقبة الكؤود أمام هيمنتها الايديولوجية والعقائدية على منطقة المشرق العربي. وهل نحتاج الى دليل لنثبت عداء السعودية المستحكم والمصيري لشيعة العراق؟! وهل تحتاج السعودية لذريعة النفوذ الإيراني لتضرب شيعة العراق؟! وهل الهجمات الوهابية السعودية على كربلاء والنجف وذبح شيعة العراق طوال القرن التاسع عشر كان بذريعة صد النفوذ الإيراني ؟! وهل تمويل السعودية ودعمها الجماعات الطائفية والجماعات الإرهابية التكفيرية التي تقتل شيعة العراق منذ العام 2003 وحتى الآن؛ يتم بهدف ضرب النفوذ الإيراني ؟! وهل فتاوى تكفير الشيعة التي تتعالى في مدارس ومساجد السعودية تستهدف ايران فقط ؟!؛ فهل بدأت هذه الفتاوى بعد ثورة ايران في العام 1979 او بعد سفوط دولة صدام في العام 2003؛ أم أنها تتراكم منذ أكثر من قرنين ونصف من الزمان؟!
وحين يواجه الشيعي العراقي المشروع الوهابي السعودي الطائفي؛ فإنه يدافع عن نفسه قبل كل شيء، ولاعلاقة لذلك بوهم كبير إسمه “الإنخراط في الصراع السعودي الايراني”. نعم هناك صراع سعودي ايراني على خلفيات سياسية وايديولوجية وطائفية؛ بالنظر لخضوع الحكم السعودي لثوابت الدين الوهابي التكفيري الإرهابي، و حضورها الفاعل في المشروع الامريكي الصهيوني، ولكن استهداف الوهابية السعودية للشيعة العرب في العراق ولبنان والبحرين وسوريا واليمن، ومساعيها لاجتثاثهم؛ ليس ابن اليوم، ولاعلاقة له بإيران ولا بالصراع معها؛ بل هو استهداف وجودي قديم متجدد.