كان كهلا؛ اعتاد رتابة الحياة ونمطها التقليدي، يأكل، يشرب، يقرأ، يشاهد التلفاز، يشترك في الحلقات النقاشية برأي راجح وسديد، يعرف منهاج حياته وأسرته بشكل جيد، إختط لها طريقها الذي يعتقده صحيحا، وواظب السير قدما في هذه الطربق، وبإختصار انه راض، ومستمتع، يقضم أيامه بتلذذ يوما يوما.
.
ذات يوم هاتفته بغنج ودلال فتاة بعمر الورد، لتقتحم عليه وحدته وخلوته، طالبة رأيا ونصيحة، لم يبخل، فأجاب، لكنه لم ينتبه لرقة صوتها وعباراتها المغلفة بالود والإعجاب برأيه ثم الإعجاب بشخصيته.
كان قد ودع العاطفة والغرام منذ عقود، فمقامه بين أسرته، أو مع موظفيه، لا يسمح بذلك، لا بل ان ذلك لم يكن ليخطر له على بال، فأولاده وبناته وأحفاده هم أولى بالتلذذ بمثل هذه المشاعر.
لكن رقة صوتها ورقراقه، والغوص عميقا في داخله، جعله ينتبه الى ان خافقه لم يعد مضخة للدم فحسب، إنما يراه إستجاب لطرقات هذه المغامرة التي أضرمت النار بقلبه، وجعلته يبحث عن ملجأ قصي له حين يرن جواله، وعيونه غائرة تتقصى ما اذا كان هنالك من يراقبه، يذهب بعيدا تحت لظى نار شمس تموز المحرقة الى لا مكان، حيث لا يراه أحد.
إنتبه على نفسه وهو عاشق، يخشى ان يكتشف غزله ابن بنته المتعلق به، في الوقت الذي لا يزال فيه يكلم أبناءه وبناته عن معنى الوفاء للآخر.
ظل يحلم بلقائها الذي لم ترفضه، بل كان دائما موعدا قريبا، يؤجل قبل ساعة أو ساعات، لينتظر بفارغ الصبر موعدا آخرا، ومع نفسه كان يفكر دائما؛ أين نذهب عندما نلتقي؟، وماذا أقول لمن يراها معي، هل أجرؤ أن أقول انها حبيبتي؟، أو هي ابنة أختي في محافظة أخرى.
وتبدأ مرحلة البحث عن الأعذار، حاول ان يطردها من مخيلته، لم يفلح، قرر مع نفسه انه سوف لن يستجيب لندائها عندما تتصل به، لكنه لم يستطع في كل مرة ان يقاوم (الهوى يتصل بك)،
وأخيرا زار الطبيب الذي أكد له وجود هيستيريا إنفعالية سببت له أزمة قلبية، نصحه ان لا يتعرض للإنفعال الشديد، وليدع المشاكل المستعصية الى الزمن، لأن صحته أهم، أومأ لطبيبه بالإيجاب، لكن لواعج الغرام في داخله تطل من رأسه لتهزأ بهذه النصيحة.
وعندما رن جواله لآخر مرة، كان: (الهوى يتصل بك)، اهتز قلبه، ارتعش، ثم صمت.