لقد أخطأت إيران حين اعتبرت نفسها الدولة الأولى في المنطقة. وهو ما شجعها على التدخل في شؤون الدول الأخرى باعتبارها راعية لأقليات لم تكن في حقيقتها تحمل تلك الصفة.
ترعى إيران مصالحها في المنطقة بطريقة غبية. ما يُقال عن الذكاء الإيراني هو عبارة عن كذبة تسوقها الأجهزة الإيرانية والموالون لها. دهاء الإيرانيين في التجارة لا ينعكس بالضرورة ذكاء سياسيا.
تزعم إيران أنها دولة عقائدية. وهو زعم تُكذبه تحولات علاقتها بالغرب.
أما علاقتها بالعرب، وهم جيرانها الأزليون، فقد اتسمت بطابع متوتر نتيجة لرفض إيران التخلي عن سياسة التدخل في شؤون الدول العربية بذرائع طائفية، هي في حقيقتها تعبير عن عداء تاريخي لم يسع الإيرانيون إلى التخلص من إملاءاته المتخلفة. إيران متخلفة في أسباب عدائها للعرب.
لو كانت إيران تملك عقلا سياسيا سويا لأدركت أن صلتها بالعالم العربي أهم من صلتها بالغرب. أما حلمها برضا الغرب وسط استعداء المحيط العربي فإنه مجرد وهم.
وإذا كان الغرب يستعمل إيران عن طريق غير مباشر وسيلة للضغط على العرب من أجل إقناعهم بضرورة الحماية فإن إيران نفسها قد تماهت مع ذلك الدور من غير أن تنتبه أنها تضر بمصالحها الحيوية.
إيران التي يمكن أن تكون مقبولة عربيا في أسوأ حالاتها لن يتقبل منها الغرب أحسن هباتها. فهي بالنسبة للغرب دولة منبوذة تستحق العزل الذي هي فيه، وهو ما لن تتمكن مستقبلا من الخروج منه.
وإذا ما كانت روسيا قد حاولت، نفاقا، أن تخرج إيران من عزلتها من خلال تقديمها دولة راعية للحل السوري، فإن تلك المحاولة قد باءت بالفشل بسبب قناعة روسية راسخة بأن لا مكان لإيران في سوريا.
لم تنجح روسيا في الزج بإيران دوليا بعد أن اكتشفت أن الدولة الحليفة لا تصلح أن تكون كذلك. كل خيارات إيران التي جلبت لها شعورا مؤقتا بالانتصار كانت غير موفقة سياسيا. واقعيا لن تتمكن إيران من الخروج من عزلتها إلا عن طريق العرب. أخطأت إيران حين اعتبرت نفسها الدولة الأولى في المنطقة. وهو ما شجعها على التدخل في شؤون الدول الأخرى باعتبارها راعية لأقليات لم تكن في حقيقتها تحمل تلك الصفة.
ولأن إيران الشيعية هي بضاعة لا تُصدر إلا إلى العرب، فإن ضررها الذي يمكن أن يلحق بالآخرين لا يعود بنفع عليها. ذلك لأنه يحرمها من إطلالتها الوحيدة المؤكدة على العالم. فالدول الخليجية التي صبرت على السلوك الإيراني المزعج زمنا طويلا لن يكون في إمكانها أن تستمر في إرجاء موقفها من إيران باعتبارها عدوا. أكان مريحا بالنسبة لإيران أن يعتبرها العرب عدوا لهم؟
العمى هو ما يفسر الموقف الإيراني. إيران لا ترعى مصالحها بالطريقة التي تعود عليها بالنفع. لقد خسرت العالم العربي من غير أن تربح ولاء الأقليات التي لن تكسبها إلا قوة مشكوكا بديمومتها، مثلما هو حال حزب الله في لبنان والميليشيات الحاكمة في العراق.
كان على إيران أن تتصرف عربيا مثلما تصرفت غربيا بعيدا عما يصدر عن التضليل العقائدي من ضجيج. فهي تحتاج إلى شفافية في مواقفها لكي يعينها العرب على الخروج من أزماتها المستمرة. ما تحتاجه إيران من العرب هو أكبر من حاجة العرب إليها.
عمليا فإن تدخل إيران في الشؤون الداخلية للدول العربية لا ينفعها في شيء، مقارنة بالضرر المؤكد الذي يجلبه عليها انقطاع صلتها بالعالم العربي.
محاولات إيران لاستعادة دور الشرطي الإقليمي التي باءت بالفشل لا تعبر عن ذكاء سياسي، بل يمكن اعتبارها نوعا من سوء الفهم الذي وقع فيه الساسة الإيرانيون والذي منعهم من رؤية الحقائق من حولهم.
ما لم يفهمه الإيرانيون أن العالم تغير ودول الخليج قد تغيرت هي الأخرى.
نقلا عن العرب