لسنا مجموعة من السذج حتى ندرك أن ما جرى خلال الإحدى عشرة سنة الماضية مقطوع الصلة بما جرى أيام حقبة “القائد الضرورة” .
لعل ما جرى ويجري في العراق خلال السنوات الماضية كان تجربة عملية على حرق كل أثر للتغيير، وقد كان مشهد الصراع الطائفي على المناصب والمغانم بالغ الدلالة والإيجاز، وإذا كان العراقيون البسطاء قد توسموا خيرا بعد سقوط تمثال “صدام” فقد خاب ظنهم حين اكتشفوا أن بينهم اليوم أكثر من صدام، المشهد العراقي بعد احد عشر عاما يظل حافلا بالعديد من الأسئلة وعلامات الاستفهام الحائرة، ولعل أبرزها هو: ما معنى تضحيات العراقيين في الخلاص من دكتاتورية صدام ليجدوا أنفسهم وجها لوجه أمام دكتاتوريات القتل المجاني وكواتم الصوت والترهيب والتخوين؟ ما معنى أن نجد مسؤولين كانوا نائمين معظم سنوات عمرهم في فراش “القائد الضرورة” ثم يدعون أنهم أصحاب التغيير وحراس الديمقراطية، ما معنى أن يدخل الجميع في صفقة لفتح ابواب وشبابيك الوطن امام دول الجرار، ما معنى أن يصرّ المقربون من رئيس الوزراء على اتهام مخالفيهم في الرأي بأنهم ينفذون أجندات خارجية؟
لم يكن العراقيون يتصورون أن تضحياتهم في سبيل الخلاص من وصايا القائد يمكن أن تفرخ وصايا جديدة عن الاخلاق والفضيلة ورضا الحاكم، وأن مسؤولين جاءوا على ظهور دبابات الديمقراطية يصابون اليوم بحالة من الدروشة الثورية كلما سمعوا كلمة امريكا.
هل تغير شيء؟
الواقع يقول إن الناس كانوا يأملون أن يعيشوا في دولة قانون يتساوى الجميع أمامها، فاذا هم في مواجهة دولة لها أكثر من قانون يشجع على جرائم النصب والاحتيال واستغلال المنصب وترهيب الناس وقتلهم على الهوية.
الناس تصوروا أن الديمقراطية ستقدم إليهم ساسة يسعون إلى بناء مؤسسات حديثة، وسيبدعون في الإعمار وإدارة شؤون البلاد أكثر من إبداعهم في فنون السرقة واللعب على الحبال، واعتقدوا أن الذين جاءوا باسم المحرومين والمظلومين لن يتحولوا في ليلة وضحاها إلى أغنى طبقات المجتمع، وأنهم سيصدعون رؤوسنا بخطب عن دولة القانون فيما هم ينتهكون القانون صباح كل يوم..
هل تغير شيء؟
الناس كانوا يأملون أن يجدوا ساسة منشغلين بالبحث عن الرفاهية والعدالة الاجتماعية، فإذا نحن أمام ساسة مهووسين بالبحث عن شرعية دينية تبيح لهم قتل العباد ونهب البلاد.
سيقولون لنا إن نظام صدام هو سبب كل المآسي، وينسون أن الأميركان اسقطوا تمثال صدام منذ احد عشر عاما، على أمل أن يعيش العراقيون في ظل نظام جديد يؤمن لهم الاستقرار والرفاهية والعدالة الاجتماعية. هل تغير شيء؟، هل أدى النظام السياسي الجديد ما عليه، هل أوفى الساسة بوعودهم التي قطعوها للناس، هل فتح قادتنا الملهمون طريقاً واحداً يتلمس منه الناس أن أهدافهم من التغيير قد تحققت.
هل تغير شيء؟
بعد احد عشر عاما، نجد اليوم من يمارس نفس الطغيان، ويجد العراقيون أنفسهم أمام عملية استعادة للممارسات ذاتها التي كانت السبب في خراب العراق، وأن الصمت يحولها يوماً بعد آخر إلى منهج، تبدو من خلاله حكوماتنا العتيدة كأنها نسخ من حكومات ما قبل 2003.
هل تغير شيء؟
انظر مليا في مكونات المسرح السياسي ستجد خليطا من كل هؤلاء الذين لاتزال رائحة عرقهم في الهتاف للقائد الضرورة تزكم الأنوف.
لقد بات واضحاً أن حلم العراقيين بالديمقراطية والممارسة السلمية لانتقال السلطة قد أجهض وإلى غير رجعة، والسبب قوى سياسية ضحكت ومازالت تضحك على الناس بشعارات مضللة، كان العراقيون يأملون من هذه القوى أن تنهض بحياتهم، وتشرّع قوانين تمنع سرقة المال العام، وتمنع المسؤولين من تزوير شهاداتهم، تمنع تحويل مؤسسات الدولة إلى ملكية خاصة، والأهم قوانين تحترم عقول وإرادة العراقيين.
هل تغير شيء؟
الصورة بعد احد عشر عاما تقول إن لدينا رئيس وزراء لا يريد أن يغادر زمن “معارك المصير” ولدينا حاشية لاتزال تمارس وظيفة أحباب القائد، ولدينا قوات مصرة على ان تبقى تحت راية قائد النصر والسلام.
أيها العراقيون انتبهوا: صدام رحل لكن مازالت وجوه الساخرة من تضحياتكم تملا المسرح السياسي، تهتف بالروح بالدم نفديك يا…..، فيما انتم ايها “المساكين” تحولتم الى مجرد “فقاعات”.
نقلا عن جريدة التيار الديمقراطي