17 نوفمبر، 2024 11:18 م
Search
Close this search box.

«حماس» التي لم تفاجئ أحداً سوى نفسها

«حماس» التي لم تفاجئ أحداً سوى نفسها

على رغم كل ما يمكن أن يقال عن مبادرة «حماس» لتعديل ميثاقها ومبادئها (لتنسجم مع القانون الدولي) فإنها مبادرة تعكس إدراكاً واقعياً، أو تحوّل الإدراك المسبق إلى مبادرة علنية. ولا بأس في ذلك على أي حال! والحال أن «حماس» والحركة الإسلامية في إسرائيل تسلك فعلياً ومنذ زمن طويل سلوكاً واقعياً في فهم ومعالجة الحقائق الحاكمة في شأن الصراع والعلاقة مع إسرائيل، ولم تكن المبادرة سوى إعلان لحالة يعرفها الجميع، وهي أن المقاومة انتهت فعلياً عام 1948، ولم نكن، حكوماتٍ ومنظماتٍ، نفعل شيئاً سوى محاولة العودة إلى ما قبل 1967. لكننا وعلى مدى خمسين عاماً أعقبت هزيمة حزيران (يونيو) لم نحقق سوى خسائر إضافية وجديدة، لسبب واضح وبسيط وهو الفارق العسكري والتنظيمي الهائل بين طرفي الصراع، ولم تكن محاولات وجهود المقاومة سوى مواجهة من دون كيشوتية مع طواحين الهواء.

صحيح أن الهزيمة لا تغير التاريخ والحقائق، لكن التاريخ والحقائق لم تكن في واقع الحال سوى محصلة للصراع، ولم يكن الصراع في التاريخ والجغرافيا مطلوباً لذاته، ولم يكن أيضاً دليلاً على الحقوق التاريخية والأساسية، كما لم يكن وقف الصراع دليلاً على التخلي عن الوجود والتاريخ، وإن كان اليهود يصلحون مثالاً، فقد ظلوا على مدى القرون يحلمون بالعودة إلى ما يعتقدونه أرضهم ومقدساتهم، ولم ينسهم الزمن ولا اختلال الصراع لغير مصلحتهم وأحلامهم ومشروعهم. هي إذاً إرادات لا يشكل الصراع دليلاً عليها، فما من دليل في واقع الحال سوى القدرة والذاكرة.

لقد تحول الفارق بين القدرات والأفكار إلى انفصال عن الواقع، ثم تحول هذا الانفصال إلى مصالح نخبوية وفئوية، وبمرور الزمن صارت المقاومة رواية مختلفة عن منشئها، لم تعد فعلاً مؤثراً في الصراع وتسويته كما يفترض، لكنها حالة جديدة مستقلة أنشأتها أنظمة وجماعات فاشلة تداري بها الفساد والاستبداد، ثم صار لهذه الحالة هيكلها وكهنتها وروادها. والخرافة قادرة دائماً وكما يؤكد التاريخ والواقع على بناء أيديولوجيات وأنظمة وجماعات متماسكة، فالخيال كان وما زال على الدوام المورد الأساسي والمحرك الأكثر فاعلية لبناء الهويات والقوميات والدول،… التقدم والإنجازات ايضاً كانت في منشئها مدينة للخيال!

اليوم تبدو المقاومة في ما يمكن أو يجب تجنبه أكثر مما هي ما يمكن فعله، ففي الخوف والمجهول اللذين يسودان الأفكار والتوقعات والتحولات ليست ثمة صواب يمكن معرفته أو حكمة يمكن إدراكها، إنما تحتاج المجتمعات والأمم إلى تأمل عميق صامت ومحاولة للفهم والاستيعاب، إذ لم يعد ثمة صلة بين الواقع المتشكل والماضي القريب فضلاً عن البعيد، هو مستقبل منقطع عن الحاضر والماضي، وما من حكمة أو أداة لفهمه وإدارته سوى تجنب المجازفة ومحاولة التعلم والمعرفة والمراقبة غير المكلفة، لم يعد أحد يعرف إلى أين تمضي الموارد والأعمال والمؤسسات، وكل شيء معرض للزوال والتغيير الجذري بما في ذلك الأفكار والثقافات، وتفعل النخب والحكومات خيراً إن شغلت وأشغلت الناس بالبحث عن الفرص والتحديات الجديدة.

لكن مبادرة «حماس» تحمل مؤشرات بالغة الأهمية والدلالة، إعلان نهاية الأيديولوجيا الدينية كمحرك جوهري للدول والجماعات والمدن والمجتمعات، مثلما أعلنت مبادرة منظمة التحرير الفلسطينية عام 1988 نهاية الأيديولوجيا القومية، ستتحول الجماعات والمنظمات الدينية إلى فلول وذكريات، وسيكون مواصلة للهدر والفشل أن تواصل الجماعات والمؤسسات الدينية مغامرتها في الهيمنة على أرواح الناس وضمائرهم ومصائرهم، أو تواصل اعتقادها بأن لديها صواباً نزل من السماء لتنظيم مصالح الدول والمجتمعات وعلاقاتها، أو احتكارها لهذا الصواب!

نقلا عن الحياة

أحدث المقالات